سياسة واخبار (:::)
للكاتب/ نبيل الهتاري* – اليمن (:::)
يتبدى للزائر إذا ما قلب بعينية شوارع مدينة استنبول وساحاتها العامة وقرأ سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم أن تركيا اليوم لم تعد تشبة تركيا الأمس وغدت تسبح بعيداً عما أراد لها مصطفى كمال أتاتورك أن تكون منذ ما يقارب قرن من الزمان.
تركيا اليوم لم تعد ذلك البلد الذي تنأى عن إقحام نفسها في السياسات الدولية والتدخل في شؤون الجوار، بل أصبحت مقولة مصطفى كمال أتاتورك ” سلام في الداخل، سلام في العالم” لا تعكس الحالة الراهنة للجمهورية التركية ولا تعبر عن المجتمع التركي حيث لم يعد هناك سلام لا في الداخل ولا في الخارج.
على الصعيد الداخلي، تعيش تركيا حالة اضطراب شامل ابتداءً من تحركات حزب العمال الكردستاني ونزاع الحكومة الشائك مع جماعة فتح الله كولن التي تعد أكبر تنظيم ديني في البلاد. أيضاً تشكل انتفاضة أحزاب المعارضة واحتجاجاتهم المستمرة مؤشراً واضحاً على وجود شريحة واسعة من المجتمع التركي لا تقابل سياسات حز ب العدالة والتنمية بالرضى وتجاهر بسخطها عما تتبعة الحكومة من سياسات محلية وإقليمية. حيث يرى الحزب الجمهوري أكبر حزب معارض أن التنائج المستقبلية لسياسات الحكومة ستعود بأثر سلبي بالغ الخطورة على الجمهرية التركية والمنطقة على حد سواء. حيث ترى الأحزاب المعارضة أن التزايد الحاد لأعداد الوافدين على تركيا من لاجئين وملاحقين سياسياَ قد يؤثر مستقبلاً بشكل كبير على ديموغرافية المجتمع التركي.
وعلى الصعيد الخارجي، أقحمت تركيا نفسها مراراً في السياسات الدولية كتدخلها المباشر في الأزمة السورية ودعمها الصريح لحكومة الإخوان المسلمين في مصر قبل أن تتبين ما إذا كانت دولة الرئيس مرسي سيكتب لها النجاح أم الفشل باعتبار أن تركيا لا تستطيع أن تصنع أي منهما.
والأكثر من هذا وذاك أن تركيا أصبحت البلد الوجهة لمهاجرين الحروب من مصريين وسوريين وليبيين ويمنيين وذلك بسبب تقديراتها الخاطئة للعبة الدائرة حالياً في الشرق الأوسط. حيث إذا ما قارنا بين تركيا وإيران كقوى ذات ثقل في المنطقة فسنجد أن إيران كسبت اللعبة في كل من سوريا والعراق واليمن بينما خسرت تركيا في كل من مصر وسوريا وليبيا.
إن ما تنتهجه الحومة التركية من سياسات دعم وإيواء لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين قد أورثها خسائر دولية واضحة وأثر على مكانتها وعلاقتها بشكل مباشر مع جمهورية مصر العربية وحلفاءها في الخليج العربي.
قد لا نعلم ما يخطط له رئيس الوزراء أحمد داوود أغلو ورئيس الجمهورية رجب أردوغان لاستعادة عجلة سياساتهم إلى مكانها الصحيح حيث وأنها كانت تدور للأمام وبسرعة فائقة في السنوات القليلة التي سبقت ثورات الربيع العربي. ولكن الخطأ الذ يبدوا واضحاً للعيان في سياسات حزب العدالة والتنمية هو استقبالها لآلاف الوافدين والملاحقين قانونياً من أعضاء جماعة الغخوان المسلمين من كل من اليمن ومصر وليبيا وسوريا وغيرها.
تحالفات حزب العدالة والتنمية الوهمية مع جماعة لا يوجد لديها أي ثقل سياسي في الوقت الراهن والتي يبدوا أن مستقبلها ملبد بالغيوم، قد يورث المشاكل المضخمة والتراكمات الكبيرة التي قد تشكل سداً لحكومة داوود أوغلو وتطلعاتها نحو النجاح.
تكثر الأسئلة حول ما ترمي إلية تركيا من وقوفها بجانب الإخوان المسلمين وفتحها الباب لاستضافتهم بعد أن أصبحوا في غير مأمن على أنفسهم في بلدانهم وغير مرحب بهم من قبل المجتمع الدولي كقوة بديلة للأنضمة العربية الساقطة، ولكن السؤال الأكبر ألا تخاف الحكومة التركية من أن دعمها لجماعة الإخوان المسلمين قد يكون المسمار الأخير في العرش الأردوغاني الذي يحكم البلد منذ أكثر من أربعة عشر عاماً.
وبالنظر إلى الجانب الإقتصادي نجد أن الليرة التركية قد وصلت إلى أدنى مستويات انحطاطها مقلبل الدولار منذ استبعاد الأصفار من العملة في العام 2007م. هذا بالإضافة إلى الديون الجسيمة التي تطالب بها كل من اليابان والصين وروسيا.
يمكننا القول بأن تركيا الفتاة التي أطلق شرارتها أتاتورك قد شاخت وغدت عجوزاً تعاني من أمراض الهوس التوسعي اللا محسوب في المنطقة وغدا تحالفاها مع جماعة فشلت في بلدانها يهدد نَفَسَها الأخير ويضيق الخناق عليها من قبل كل من إيران وما يسمى بدول ( خط الخلافة ) الذي يمتد من مضيق الدرنيل ماراً بسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية وصولاً إلى مضيق باب المندب.
*كاتب وسياسي يمني