كلما زادت الصفعات لامريكا من اسرائيل زادت الميزانيات

سياسة واخبار (:::)
تميم منصور – فلسطين المحتلة (:::)
لم يخطىء كل الذين قالوا بأن امريكا هي الطاغوت ، هذا الطاغوت يرفض حتى اليوم ان يصل الى قناعة بأن الدعم البديهي غير المنطقي والاخلاقي لإسرائيل مخالف للطبيعة البشرية ، ويناقض مسيرة التاريخ ، هذا الدعم لا يقتصر على ناحية واحدة فهو دعم شامل ، ففي مجال الدعم المالي يقدره المراقبون بأنه تجاوز المائة مليار دولار ، هناك بينات كثيرة تؤكد ذلك، نذكر منها اعتراف جيمي كارتر الرئيس السابق في مذكراته بأنه استطاع خلال حكمه الذي دام 4 سنوات ان يقدم لإسرائيل نصف ما حصلت عليه من امريكا خلال ثلاثة عقود ، وقد وصل مجمل ما قدمه لها في هذه الفترة المحدودة احد عشر مليار دولار .
اما بالنسبة للدعم الامريكي الدبلوماسي في داخل اروقة الامم المتحدة فقد استخدمت حق الفيتو لصالح اسرائيل ما يزيد عن الخمسين مرة كي تمنع ادانتها .
المفاجىء ان هذا الدعم يزداد بعد كل عدوان تقوم به اسرائيل ضد جيرانها من الدول العربية ، فالمذابح التي يخلفها هذا العدوان المتكرر لم يثن امريكا عن موقفها ، رغم سقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح ، نذكر من هذه المذابح ، مذبحة ابو زعبل وبحر البقر في مصر ، ومذبحة قانا التي تكررت مرتين في لبنان والمذابح التي ارتكبت ضد الفلسطينيين في قطاع غزة ، هذه المذابح عجنت عظام الآباء مع نخاع الأمهات مع لحم أطفالهم ، والقائمة طويلة .
تاريخ اسود وحافل من الجرائم والمجازر ارتكبتها المؤسسة الحاكمة في اسرائيل ، الا ان امريكا بقيت الغطاء الشرعي لهذه الجرائم ، لقد بدأت عمليات الدعم تتدفق على اسرائيل منذ ان انتهى دور كل من بريطانيا وفرنسا كقوتين استعماريتين ، حينها تقدمت امريكا لملء هذا الفراغ في الشرق الاوسط لمواجهة النفوذ السوفياتي وعرقلة تطور حركات التحرر العربية .
يتواصل هذا الدعم اللامحدود رغم الصفعات التي توجهها اسرائيل لأمريكا كما يصفع الطفل المدلل والدته على مرأى من الآخرين ، آخر هذه الصفعات وجهها بنيامين نتنياهو للرئيس الامريكي الحالي براك اوباما اثناء انتخابات الرئاسة الأخيرة ، فقد دعم نتنياهو علناً المرشح الذي كان ينافس اوباما ، الا ان اوباما قابل هذا النكران بمزيد من الدعم وتقديم المساعدات غير المحدودة ، آخرها قيامه بالتوقيع على القانون الامريكي الذي يعزز الشراكة مع اسرائيل في مختلف المجالات الحياتية ، الى جانب ضمانه المطلق لأمن اسرائيل وحمايتها .
قبل التوقيع على هذا القانون حاول نتنياهو تحريض اعضاء الكونغرس الامريكي ضد الرئيس المذكور باعتراف الصحف الاسرائيلية والامريكية .
الا أن هذه الصفعة زادت من دعم اوباما للكيان الصهيوني حتى اعتبر بانه من اكثر رؤساء امريكا الذين قدموا المساعدات لدولة الاحتلال الوحيدة الباقية في العالم .
من حق كل فلسطيني ان يتساءل : هل هناك قدراً سماوياً  الهياً يوحي لأمريكا بالتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني ، لإقامة دولته مستقلة ، رغم ان غالبية الشعوب في دول العالم كادت ان تنسى نضالها وحروبها من اجل التحرير ، حتى في القارة الافريقية ، هناك من يحاول ايجاد المبررات لهذا الدعم المطلق ، منها قوة اللوبي الصهيوني في امريكا الذي يجر النظام من رقبته اتجاه اسرائيل ، اما السبب الثاني فتعود الى موافقة غالبية الانظمة العربية على الاستمرار في هذا الدعم وهي تعرف بأن جزءاً كثيراً من مدخراتها في البنوك الامريكية تستغل لمصلحة اسرائيل .
امريكا تعرف اكثر من غيرها بأن العرب ظاهرة صوتية ، لأن الحركة الثقافية والنفسية لهذه الشعوب مهزومة ، وتعرف اكثر بان الانسان العربي اصبح متكيفاً مع القهر ، شغله الشاغل طاعة اولي الأمر والمواظبة على الالتزام بفتاوى شيوخ التكفير وريادة دور العبادة قبل فوات الاوان ، وتعرف ايضاً أن غالبية قادة الانظمة العربية يوافقون حليفتهم امريكا في سياستها اتجاه شعوبهم التي تسير حسب سياسة مترنيخ – سيطرة النظم الرجعية على الاقطار العربية ، والاستمرار بسياسة القبضة الحديدية – لمحاربة المد الثوري لمنع ولادة عبد الناصر جديد .
لم يبق أي نظام عربي قادر على ان يقول لا لأمريكا سوى سوريا والمقاومة اللبنانية والفلسطينية ، اما بقية الانظمة فقد وجدت نفسها في حلف استراتيجي مع واشنطن تتعاون معها لضرب العناصر المقاومة ، وتجري معها مناورات عسكرية فوق اراضيها ، كما هو الامر في مصر والاردن والسعودية والمغرب والعراق ومع جيوش نواطير ” مشيخات الخليج ”
كل المعطيات تشير الى ان امريكا لن تتراجع عن دعمها المطلق لإسرائيل في المستقبل القريب ، لأن غالبية الانظمة العربية غير معنية بذلك ، ولا يهمها استمرار هذا الدعم ، فالمد السياسي الامريكي داخل هذه الانظمة يتسع كل يوم ، فقد سقطت الانظمة المقاومة لهذا المد ، منها من ازاحة  ما سمي بالربيع العربي ، مثل ليبيا ومنها من تراجع لوحده كما حدث في مصر والجزائر واليمن ،  ان واشنطن تتواجد اليوم في ربيع عمرها بالنسبة لقوة هيمنتها داخل العواصم العربية ، تزرع بذور الفتن والارهاب والتحالفات كما تريد، السفارات الامريكية في هذه العواصم  ، بمثابة الحكومات الحقيقية التي تدير دفة الحكم  ، كالسفارة الامريكية في القاهرة والرياض وعمان وبغداد والرباط وغيرها .
اعترف بعض اعضاء الكونغرس الامريكي بان نفوذ واشنطن داخل العواصم المذكورة لا يواجه صعوبة بالتعامل مع حكوماتها ، كما يواجه مثل هذه الصعوبة في العديد من الولايات الامريكية ، لأنه يوجد في هذه الولايات من يقول ” لا ” يوجد من يعترض او يتظاهر ، اما في العواصم العربية لم تعد كلمة لا لأمريكا قائمة ، من يتذكر متى انطلقت آخر مظاهرة ضد امريكا في العواصم العربية ؟؟
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تتعلم الشعوب العربية من المدرسة الكوبية في الصمود الذي استمر عشرات السنين ، لقد صمد الشعب الكوبي ضد الحصار وضد التجويع بفضل حكومته الثورية ، بفضل هذا الصمود انهارت اسوار الحصار الامريكي كما انهارت سياسة العداء لهذا النظام الذي تحدى الامبريالية الامريكية ، من المفروض ان يعطي هذا الانهيار بصيصاً من نور الامل للفلسطينيين بأن هناك قوى شعبية ووطنية قادرة على اجبار امريكا على تقدير واحترام الشعوب المناضلة ، كما يحدث اليوم في كوبا وكما حدث بالأمس في فيتنام .