فن وثقافة ….
بقلم : شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة …
حكاية امرأة سورية ، دمشقية ، كانت تقف بحزم وقوة ، حيث تدير فندقاً يحمل عنوان ” صح النوم ” ، الزمن مختلف ، لكن ما أصغر الدهشة ، الفرحة ، حين يكون الشر والمقلب هاجس ” غوار ” دريد لحام ، الذي يشعر أن غريمه ” حسني البرزان ” نهاد قلعي ” قد استطاع الحصول على حبيبته ” فطوم حيص بيص “.
لا أريد أن أغمس ذاكرتي في محبرة الماضي ، لكن وجه الفنانة السورية ” نجاح حفيظ ” أو فطوم حيص بيص ، التصق على جدران اعجابي ، حيث كانت النسخة الصادقة للمرأة العاشقة ، التي تحب ، تلف وتدور وتقدم للحبيب ابتسامتها وتقربها ، لكن الحبيب لا يشعر بها ، والأدهى كلما تقربت من الحبيب يأتي الغريم – غوار – ويضع العثرات كي يفشل التقرب بمساعدة صديقه أبو عنتر – ناجي جبر – ، ولا تهنأ الحبيبة فطوم بحبيبها حسني الذي يقع دائماً ضحية للخداع .
من شرفة النسيان ، أطل على صورة ” نجاح حفيظ ” تلك الصورة التي اقنعتني أن المرأة تستطيع أن تأمر فتطاع ، وأن تقوم على تشغيل الرجل وتستعبده ، وأن يكون لها الكيان والقرار ، والرفض والموافقة ، وفي ذات الوقت أن تكون القطة الناعمة ، الهادئة ، التي تقف أمام الرجل الحبيب عاجزة ، خادمة ، مطيعة .
” نجاح حفيظ ” ماتت بهدوء كانت جنازتها متواضعة لم يتجاوز الذين ساروا في جنازتها أصابع اليدين ، يمكن لأن الموت في سوريا يحصد الأرواح بجنون ، ولم تعد الجنازات طقساً من طقوس الحزن المكلل بالسير واضفاء الهيبة المحاطة بالتكريم .
لكن كانت الفنانة نجاح حفيظ في سنوات السبعينات عبارة عن قطعة كريستال تشع نوراً ، من خلال انتظارها للحبيب – حسني البرزان – وتهيئة الأجواء لكي ينجز مقاله الصحفي الذي كان يردد طوال الحلقات – اذا اردنا ان نعرف ماذا في إيطاليا علينا أن نعرف ماذا في البرازيل – وحتى تلفت فطوم نظره كانت تسعى لأن يحصل على أفضل الخدمات ، لكن – غوار – دريد لحام كان يهدم ويدمر العلاقة بدهائه وخططه التي يقوم بها كي يكون الفشل هو النتيجة ليتزوجها هو .
مسلسل ” صح النوم ” الذي اخرجه المخرج السوري ” خلدون المالح ” تمدد على عرش الكوميديا النظيفة حتى أصبح من أشهر المسلسلات العربية ، التي تُقدم للمشاهد فناً بدون اسفاف وكلمات بذيئة ، وعبارات يخجل منها المشاهد ، لقد قدم المخرج مع الممثلين – أبو كلبشة ، وياسين بقوش ، وعمر حجو – مسلسلاً حصد في ذلك الزمن في السبعينات اهتمام المشاهدين ، حيث كانت تفرغ الشوارع من الناس ، الجميع ينتظر ماذا سيفعل غوار بحسني ؟ وما هو مصير ” فطوم ” الحبيبة التي لا تعرف الاستقرار والزواج من حبيبها ، وبين هدنة وهدنة يمنحها غوار لهما – فطوم وحسني – يشتعل الحب الذي يؤدي الى باب المأذون ، سرعان ما يعود غوار الى مقالبه التي تفسد وتبعد الحبيبين ، فدائماً في قصص الحب العالمية والعربية هناك من يعكر ويفسد العلاقات بين الحبيبين ويعمل على التفريق بينهما .
لم تكن ” نجاح حفيظ ” مجرد ممثلة تؤدي دورها بإتقان بقدر ما كانت تجسد أحلام ومشاعر امرأة ، خجلها الذي يرتسم على وجهها حين تقف أمام حسني البرزان وتلعثمها الذي يجعلها مترددة ، ثم شخصيتها الأخرى المرأة الحازمة ، القوية صاحبة المصلحة ، حين تقف أمام غوار وتأمره بالعمل .
في نهاية المسلسل ، حين أصاب ” فطوم ” اليأس من الحب قامت باختيار أضعف الرجال ، الخادم المطيع – ياسين بقوش – الذي يعمل في فندقها ، لأنها لم تعد تثق بالرجال ، وبقي غوار يغني – فطوم فطوم فطومة – تلك الأغنية التي كانت آنذاك اغنية الموسم ، يغنيها الجميع ، حيث يتوسل اليها ويقنعها أنها حياته لا يستطيع العيش بدونها ، لعلها ترجع اليه .
بصراحة أنا انتمي الى قبيلة ما أن تشم رائحة الذكريات حتى تتسلل الى مشاعري صور الذين عاشوا فترة في ايامي وكست وجوههم خيالي وعطلت عباراتهم زمني ، حين كنت اردد كلماتهم ، ومسلسل ” صح النوم ” كان تفاحة البراءة والضحكة النقية والدهشة ، كان أيضاً عالماً من وجوه الأحبة ، أفراد العائلة ، الأقارب ، الجيران ، الأصدقاء ، يتابعون المسلسل بنهم ، لا كلام ، فقط أصوات الضحكات .
أتأمل إيقاع الزمن ، كل شيء تبدد وذهب ، فقط ما زالت أصوات الضحكات ، وقرقعة قبقاب غوار وهو يركض بعد أن ينفذ مقلبه ، وفطوم حيص بيص ، تنظر الى حسني البرزان بطرف خفي ، تعكس نظرات المرأة العربية العاشقة التي لا تفصح عن مكنونات قلبها ، تتقرب اليه وتردد – حسونتي بدك شي – ، فينظر اليها الرجل حسني، ويقول بصوته الرجولي المتأفف والمتذمر الذي لا يشعر بحبها ، لأنه لم ينته من كتابة مقاله .. لا .. لا .
اسمع هدير الزمن .. رحلت فطوم ، وتركت لنا عصر الحيص بيص .