ثأثيرالموقع الجغرافي في ثقافة الشعوب – بقلم : محمد بونوار

دراسات …
بقلم : محمد بونوار – المانيا ….
مكن موقع المغرب الجغرافي في كسب مكانة تعتبر صلة وصل بين القارة الافريقية والاروبية من جهة , وبين شمال افريقيا وجنوبها من جهة أخرى , علاوة على الربط بين دول المشرق العربي وشمال افريقيا  .
هذا الموقع الجغرافي لدولة المغرب كان دائما مغريا , وهو الامر الذي دفع بعدد من الدول  الاجنبية الى السطو على الثغور المغربية للفوز بالمعبر الذي يعتبر مهما – معبر جبل طارق – .
دون أن ننسى أن المغرب بدوره  شن هجمات انطلاقا من مكانة موقعه الجغرافي القريب من أروبا , وأخص بالذكر سفن القائد العظيم  طارق ابن زياد الذي فتح الاندلس , وبواخر يوسف ابن تاشفين الذي آزر العرب بالاندلس غير ما مرة .
الغرض من هذا المقال ليس هو التوسع السياسي , أو التبعية الاقتصادية , بقدر ماهو مدى تأثيرثقافة وعادات البلدان المجاورة التي كانت ولازالت تحيط بالمغرب انطلاقا من مكانة الموقع الجغرافي .
للوقوف على هذا التأثير لابد أن نلقي اٍطلالة على الفن والثراث والعادات والتقاليد التي تتناقلها الاجيال بشكل تلقائي .
في شمال المغرب مثلا حيث وقع تلاقح بين المواطنين المغاربة والموريسكيون الذين فروا بدينهم من الاندلس أيام محاكم التفتيش الرهيبة , يمكن ملامسة أثار الفن الثقافي الذي تأثر به سكان الشمال في الغناء والاكل واللباس والبناء والاذواق والعادات .
في مدينة الصويرة المغربية , توطدت العلاقة الثقافية بين المواطنين المغاربة والقادمين من بلدان افريقيا السوداء , فأخذ المغاربة موسيقى كناوة  والتي صارت عالمية , كما ـتأثر الافارقة بالزاوية التيجانية في التعبد والتقرب الى الله , فنقلوها الى بلدانهم الاصلية وطبقوها كما هي .
لا توجد صعوبة في العثور على أثار كلمات لازال المغاربة يستعملونها في لهجتهم من أصل برتغالي وألماني وفرنسي واسباني وهولندي وأمريكي و…
وان دل هذا على شيئ فاٍنما يدل على مدى ثاثير الموقع الجغرافي في ثقافة وعادات المواطنيين بشكل عام , وفي حياة المغاربة بشكل خاص , والذي مهد لتواجد حضارات مختلفة عبر أزمنة متباينة  .
لازال الفن المغربي يزخر الى يومنا هذا مما اكتسبته بعض الجهات خاصة التي استقبلت العائدين والفارين من بطش الاسبان
كالطرب الغرناطي مثلا المأخوذ بالحرف والنهج والميزان من غرناطة .
وطرب الفلامنكو المأخوذ من اسبانبا أيضا ,حيث تم الاحتفاظ  بالموسيقى كما هي , وعوضت الكلمات حتى تكون في متناول المستمع المغربي .
كما أن الفن المعماري يشهد على ثأثر المغاربة بما جلبه الموريسكيون الذين استقروا في عدة مدن مغربية ,نذكر منها طنجة وتطوان والشاون وسلا وفاس العرائش ووجدة .
لو كان العلم يستطيع معرفة أصول سكان أي بلد بعيدا عن أسمائهم وقبائلهم وبشرتهم لما وجدوا في المغرب خليط من الاثنيات التي لا يتصورها العقل .
الامازيغ تناسلوا مع العرب فخلفوا كثيرا , ثم جاء الافارقة من ذوي البشرة السوداء فتمازجوا مع من سبقهم , ثم جاء دور الموريسكيون , فتكونت هوية مشتركة جمعت جميع الاطياف والالوان .
يقال في المثل العربي أن الانسان ابن بيئته , والمراد من هذا المثل هو أن الانسان يحب دائما البيئة التي ولد فيها وترعرع فيها , وينطبق هذا على فصيلة بني آدم أينما تواجدت , والدليل عندنا هو عندما تموت شخصية بارزة يكون قد ترك وصية لاهله حتى يدفن بمسقط رأسه .
الموضوع يجرنا الى لب الحدث أي المثاقفة اللفضية , والتي يمكن تلخيصها في انصهار الحضارات وتبادل المعارف من خلال الاحتكاك والمعاشرة والتعايش بين الشعوب , والذي يفضي الى الاطلاع على  أراء الاخرين .
هذه الامور مجتمعة تشكل رصيد ثقافي متنوع يحكمه الموقع الجغرافي الذي يبقى هو الوازع الاول الذي يجلب الناس الى الاستوطان غالبا, أو الى الهجرة في حالات قليلة .
في العصرالجديد  وانطلاقا من تأثير الموقع الجغرافي , تأثر أبناء الوطن – المغرب – بالرخاء والازدهار الذي تنعم به دول الجوار خاصة في اروبا  .وهكذا همت جالية كبيرة  بالهجرة الى اروبا , بحثا عن حياة افضل  نتجت عنها نتائج عدة من أهما زواج المغاربة بنساء من أروبا خلفوا منهم جيلا من المغاربة يتميزون بجنسية مغربية وأخرى أروبية من طرف أحد الوالدين
وآخرا , وليس أخيرا, وبفضل الموقع الجغرافي أصبح المغرب يستقبل المهاجرين الافارقة الذين كانوا يخططون للدخول الى أروبا , فاٍذا بهم يستقرون بالمغرب بشكل تدريجي , ومن غير المستبعد أنهم سيكتسبون مكونات الهوية المغربية مع مرور الزمن ,وسوف يدخلون في لائحة سكان المغرب كما دخل من سبقهم من الافارقة .
خلاصة هذا المقال , أن الموقع الجغرافي المميز يجلب العادات والتقاليد والثقافة ونمط التفكير واسلوب العيش ,ويساعد على اختلاط وامتزاج السكان مع مرور الزمن .

محمد بونوار كاتب مغربي مقيم بالمانيا