فلسطين: عندما يكون ألأسوأ خيارا: الفيدرالية! – بقلم : ناجي شراب

فلسطين …
بقلم : ناجي شراب – غزة …
يبدو أن الحالة الفلسطينية غارقة فى مأزق لا خروج منها، ولو فى المنظور القريب، هذا التوصيف للحالة الفلسطينية يتراوح بين نعم ولا. بمعنى ان ألفلسطينيين غير قادرين على الخروج من مأزق الإنقسام الذى يتحول تدريجيا إلى درجة متقدمة من إلإستقلال، وفى هذا السياق يتم طرح خيار الفيدرالية ، والسبب فى هذا الطرح هو صعوبة الإستمرار فى حالة الإنقسام لصعوبة توفر المقومات التى تسمح بالإستمرار فى هذا الخيار السئ، مثل توفر الموارد المالية والإقتصادية وإستمرار الحصار ، وفقدان مقومات الحياة الإنسانية ،وزيادة نسب الفقر التى تجاوزت الأربعين فى غزة ، والبطالة التى وصلت لأرقام قياسية تقارب الخمسين فى المائة ، مما لذلك من تداعيات إجتماعية تهدد المنظومة الإجتماعية والقيمية التى تقود لحالة من الإنفجار الداخلى الذى قد بدا يعبر عن نفسه فى مظاهر العنف، وزيادة التوجهات المتشددة ، وبروز الحركات المتشددة المنتمية لحركة داعش، وما يؤكد هذا الخيار السئ أن كل المحاولات والإتفاقات التى عقدت لمعالجة الإنقسام والعوده للمصالحة الوطنية الفلسطينية قد منيت بالفشل، لسبب بسيط ان الإنقسام كان هدفا وأولوية ، هذا الخيار كان سببا فى دخول غزة ثلاثة حروب، لأن خيار الحرب سيرتبط بالإنقسام. أما الخيار الأسؤا فهو خيار الإنفصال والإستقلال لتشكل غزة نواة كينونة سياسية قد ترقى لنواة دولة فلسطينية ، ومما يؤكد هذا التوجه تكامل كل مقومات البنية التحتية الداخلية من أمنية وعسكرية وإقتصادية وتعليمية وإعلامية ،وقد يتوافق هذا الخيار مع رؤية إسرائيل للدولة الفلسطينية ، فالفكر الليكودى واليمينى عموما يرفض فكرة الدولة الفلسطينية فى الضفة الغربية لسبب جوهرى أن الضفة الغربية وبطبيعتها الجيوإستراتيجية ومساحتها وموقعها تشكل قلب إسرائيل ، أما غزة فهى تشكل إن قامت دولة هامشية بمساحة ضئيلة ، وتحكمها خصائص جغرافية يمكن التحكم فيها بريا وبحريا وجويا.ويفتقر هذا الخيار للمحددات الخارجية وإن كانت مستحيلة ، فليس صعبا إعلان إستقلال غزة كدولة مستقلة ، ولكن هذا يحتاج إلى إعتراف إقليمى ودولى وهو غيرمتوفر، ويحتاج لنبذ العنف والخيار المسلح مع إسرائيل، وهذا أيضا مستبعد، وتحتاج ثالثا الى تحديد حدودها مع مصرومع إسرائيل، وتحديد الحدود البحرية والوظيفة ألأمنية والعسكرية ، وهذا يتطلب شبه إعلان تصالح مع إسرائيل، كل هذه المعطيات تجعل من هذا الخيار الأسوأ بعيدا فى هذا الزمن . البديل لخيار الإنقسام والإنفصال  هو العودة للمصالحة ، ولما كان هذا الخيار الأفضل أيضا مستبعدا فى ظل الرغبة فى الإنقسام والإستقلال، قد يبرز خيار الفيدرالية كحل وسط بين خيار الرغبة فى الإستقلال والرغبة فى التمسك بالوحدة .وهنا لا بد من التوقف قليلا مع تحديد مسألة وماهية الفيدرالية وهل يصلح فى الحالة الفلسطينية ؟ وما هى إمكاناته وإحتمالاته؟ دون الدخول فى تفصيلات هذا النظام ، الفيدرالية نظام عام موجود فى العديد من النماذج فى العالم، بل إن أقوى دولة فى العالم وهى الولايات المتحده دولة فيدرالية. وهذا النظام إختيارى تطوعى بين وحداته، تفرضه عوامل كثيرة اهمها المصالح المشتركة والتواصل الجغرافى ، ويقوم هذا النظام على الجمع بين رغبتين :الرغبة فى الإستقلال ، والرغبة فى الإتحاد والوحده، وإن كانت الرغبة الثانية هى ألأقوى. ومفاد هذا النظام أن الوحدات المكونة للإتحاد لا تستطيع ان تحتفظ بذاتيتها وإستقلالها للعوامل المشتركة ، او لمواجهة تهديد معين، فتتفق فيمها بينها على التنازل عن شخصيتها الدولية للوحدة الجديده وهى الدولة الفيدرالية مع إحتفاظ كل منها أولا بإستقلالها الذاتى على إقليمها ، وممارسة سلطات معينة فى مجال الشرطة او التعليم والقضاء والإقتصاد، مع التسليم للسلطة الإتحادية بالسلطات السيادية كالجيش والدفاع والمالية والتمثيل الخارجى. وغير ذلك من السلطات التى يتم من خلال الدستور توزيعها وتقاسمها بين سلطة الإتحاد، وسلطة الأقليم. وفى الوقت ذاته تحتفظ الأقاليم  بوجود لها فى السلطات الإتحادية من خلال مشاركتها فى السلطات الإتحادية . لكن هذا النظام يفترض لنجاحه تطبيق النظام الديموقراطى لتأسيسه على الإنتخابات على المستوى الإتحادى والمستوى المحلى. وعلى إحترام التعددية ، ولعل اهم مكون الحفاظ على المواطنية الواحدة التى تعتبر كل مواطنى الإتحاد مواطنون لهم نفس الحقوق والواجبات. ويقوم هذا النظام على التدرج فى السلطة الإتحادية ، فالسمو للدستور الإتحادى ، وللسلطات الإتحادية وخصوصا فى مجال التهديدات الخارجية وألأمنية . وهنا الشخصية الدولية تكون فقط للسلطة الإتحادية . لكن ما يميز هذا النظام ان كل إقليم يحتفظ بشخصيته الداخلية ، وكأن هنا السلطة الإتحادية تساهم بالمحافظة على هذه الشخصية. وبهذا المعنى ا هل تعنى الفيدرالية الإنقسام والإستقلال؟أم أنها تضمن معنى مبطنا للإتحاد؟وبلا شك بدون هذا المعنى لا تقوم الفيدرالية ، فشرطها وجوهرها وهذا ما يميزها عن الكونفدرالية ،انها تتضمن درجة عالية من التكامل والإندماج السياسى لكنه لا يرقى للدولة الواحدة . هذا النظام يناسب العديد من الحالات والتى اليوم تصل أكثر من ثلاثين نموذجا فى العالم. ولوتعمقنا فى الحالة الفلسطينية لرأينا ان هذا الخيار الفيدرالى وعلى أهميته لا يتناسب والحالة الفلسطينية ومعطياتها ومحدداتها. فاولا هذا الخيار وعلى الرغم أنه لا يلغى مفهم الإتحاد ، وليس نقيضا له، لكنه يعترف بحالة الإنقسام والإستقلال، وفى الحالة الفلسطينية هذا الإنقسام مصطنع فرضته عوامل خارجية أكثر منها داخلية. وألأساس فى الحالة الفلسطينية وحدانية ألأرض ووحدانية الشعب، ووحدانية السلطة ، وهذا يعنى الإرتقاء بعملية الإندماج والإنصهار لدرجة الوحدة والدولة الواحدة لا العمل على النزول بها درجة أقل. وبهذا المعنى يكون خيار الفيدرالية غير مقبول. وما يستبعد هذا الخيارأيضا الإحتلال الإسرائيلى للآراضى الفلسطينية ، وعدم إكتمال اركان الدولة ، والأساس فى الفيدرالية تحقيق الإستقلال اولا ، ثم الإحتكام للإرادة الشعبية ، ومما قد يعقد الأمر اكثر فى الحالة الفلسطينية هل هذا الخيار سيتعامل مع غزة كوحدة وكينونة قائمة بذاتها، والضفة الغربية كوحدة مقابلة ؟أم يمكن ان نسمع عن وحدات وأقاليم اخرى تبدى رغبتها فى الفيدرالية. والأهم فى العملية الفيدرالية هل هناك إستعداد للممارسة الديموقراطية من إنتخابات لإختيار المؤسسات المحلية او السلطات المحلية من تشريعية وتنفيذية ورئاسة فى غزة وغيرها. كل هذه المحددات وغيرها تنفيها الحالة الفلسطينية التى من أبرز خصائها أو أساسها الوحدانية ، فالفلسطينيون لا يعانون من مشاكل إثنية او عرقية ، وأقاليم متباعدة وما هو قوائم حواجز تقيمها إسرائيل لتدفع فى إتجاه إنفصال كل منطقة عن السلطة الأم . ويبقى اخيرا ان خطورة هذا الخيار فى أنه قد يحول دون قيام الدولة الفلسطينية الواحدة. وبهذا المعنى تصبح الفيدرالية الفلسطينية الخيار الأسوأ. هذا الخيار قد يصلح فى مرحلة ما بعد الدولة الفلسطينية فى العلاقة مع الدول الإقليمية ، وحتى مع إسرائيل كخيار لإدارة وحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بملفاته المركبة التى لا حل لها إلا من خلال الحل الفيدرالى.والموضوع يحتاج إلى مزيد من النقاش.
دكتور ناجى صادق شراب
drnagish@gmail.com