شيوخ المقابر وبرمجة الاموات – بقلم : وليد رباح

سخرية كالبكاء …
بقلم : وليد رباح – نيوجرسي ….
جملة احفظها مذ كنت طفلا… فقد عودتني امي ان لا اغضب شيوخ المقابر لان دعواتهم صائبة.. ويمكن ان يصيبك احدهم بالعجز عندما يدعو الله ان يقص يدك.. لانك لم تعطه رغيفا حسن الشكل مدهونا بالزبد والعسل.. او بخلت عليه ببعض النقود .. او استبدلت قراءته باخرى لصبي يافع لا يخطئ باللغة العربية عندما يقرأ القرآن.. او لانك تخالف رأيه في خروج الجن من المقابر عندما تظلم الدنيا ويهجع الناس الى فراشهم.. او ما الى ذلك من امور ربما خفيت على العامة وعلمها شيخ (المقبرة) الذي يعتاش من وراء غيباته.
وشيخ المقبرة كما لا تعلمون هو الذي يحفظ القرآن او بعضه غيبا.. او عن ظهر قلب.. وعادة عندما يبدأ الشيخ بالقرأة فان لا شئ يوقفه حتى ينتهي من السورة.. او يتوقف في محطات اعدها لنفسه مسبقا حسب الدفع.. فان كان ما تدفعه قرشا فقد يقرأ لك جزءا يسيرا.. فان كان قرشين قرأ جرءا او بعض جزء.. اما ان كان قروشا خمسا فانه يقرأ السورة بكاملها ويختارها طويلة في العادة ويتنغم فيها ويميل رأسه ذات اليمين وذات الشمال ويعيد الايه مرات ومرات.. حتى تظن انه قرأ القرآان بكامله.
وعادة ما تأتي القراءة على قدر الدفع.. فقد حدثني صديق حديثا مازحا لكنه ينطبق على شيوخ المقابر.. فقد قيل ان امرأة توفي رجلها فاستدعت احد شيوخ المقابر لقراءة ما تيسر من القرآن على قبر زوجها الراحل.. وكانت فقيرة لا تمتلك في جيبها سوى قرشا ابيض اللون من عملة بلدها.. وجلس الشيخ للقراءة وطلب (المعلوم) فناولته القرش .. نظر اليه باستهزاء وفتح المصحف الشريف وبدأ: خذوه  فغلوه.. ثم الجحيم صلوه.. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) فقاطعته المرأة قائلة : يا شيخنا الم تجد سوى هذه الاية للترحم على روج زوجي.. فقال لها الشيخ حانقا: اتريدين ان ادخله الجنه (بقرش صاغ) على قدر الدفع تكون الرحمة.
وليس كل ما نتحددث به بيت القصيد.. فقد كتبنا هذه الكلمة لنقول ان شيخ المقبرة عندما يبدأ بقراءة القرآن الكريم يجب ان لا يأتي اي من الموجودين حوله بحركة او نأمة.. ليس بفعل احترام الجلسة او التدين.. وانما لانه يحفظ بصما ويدرج الايه تلو الاخرى دون ان يفهم لها معنى او يتدبر كلماتها.. فان (تنحنح) احدهم مثلا وهو يتلو فان عقله ينصرف فورا الى (النحنحة) فيفقد كل البرمجة التى استوعبها عقله فتبدأ (الخريطة).. فاما ان يتوقف عن القراءة كليا او يعيد السورة من اولها بعد ان يحوقل ويلعن في سريرته كل الذين كانوا حول القبر.. وقد يحاول البعض ان يعيد شيخ المقبرة الى مزاجه السليم فيهمس في اذنه عن الغداء الذي ينتظره بعد الانتهاء من التلاوة.. وعن قطع اللحم التي تنتظم فوق الارز مثل جبال الالب فينفر الشيخ في البدء ثم يحاول استعادة البرمجة ثانية ليبدأ مزاجه في الانسياب ويعود سيرته الاولى.
ومثل القراءة عند شيخ المقبرة ما يدعو به للميت عند المغادرة.. فانه يحفظ الدعاء ويتلو مثل انسياب الماء.. وقد رتب الجمل التي يدعو بها اولا وثانيا وثالثا الى اخره.. ولا يمكن ان تأتي ثانيا اولا.. او ثالثا او رابعا.. والا ضاعت البرمجة وضاع عقل الشيخ فلا بد وان يبدأ الدعاء من جديد.. ومن بداية السطر.. وربما انصرف عقله الى امور دنيوية اخرى فلا يعرف ان كان قد انتهى من الدعاء او ابتدأ به.. وهكذا تضيع الطاسة ولا يدري ما الحكاية وما البداية وما النهاية.
وربما قادنا ما نكتب الى برامج الكمبيوتر الحديثة… فالكمبيوتر يعطيك المعلومات مثلما تعطيه منذ البداية. فعقل المكبيوتر عقل متخلف يعتمد في ذاكرته على عقل اخر.. اي عقل الانسان الذي يرفده بالمعلومات.. وعقل شيخ المقابر يعطيك الدعاء والقراءة مثلما حفظها وهو طفل صغير.. بحيث لا تتغير او تتبدل بتبدل العصر والايام.. فالدعاء هو الدعاء… ومثلما هو اليوم فقد كان قبل الف واربعمائة عام على التقدير… الا ان هناك فرقا واحدا ربما اختلف فيه الكمبيوتر عن شيخ المقبرة .. فالكمبيوتر عندما يعطيك معلومات خاطئة يعطيكها ليس بفعل (النحنحة) او مقاطعة ما يكتب.. وانما بفعل هرم الاجهزة الداخلية وخرابها.. او يفعل تضارب البرامج بعضها ببعض.
وقد يسأل البعض لماذا تكتب عن شيوخ المقابر ومن الذي ذكرنا بهم في هذه الايام.. وصدقوني انني لا اقصد شيوخ المساجد في هذه الايام.. فهؤلاء عندهم الاستعداد الكافي لان يدرجوا لك معركة احد او بدر او معارك الاسلام الاولى عن ظهر قلب.. ولا يمكن ولا بأي حال من الاحوال ان يتوقفوا عندما يتنحنح او يكح احد المصلين.. فقد حفظوها عن ظهر قلب.. اما ان قلت للشيخ قبل البدء بدرسه او موعظته ان يتحدث لنا عن موضوع عصري يستفيد منه المسلمون في عصر يجيؤنا بالجديد في كل يوم فانه لا يستطيع.. لماذا..؟ لان البرمجة مختلفة.
لقد نادينا كثيرا وقلنا بان الاسلام صالح لكل زمان ومكان.. والبرامج التي وضعت في عقل الشيخ منذ الصغر او منذ دراسته الاولى او منذ قرائته وحتى اليوم لا يمكن ان تلغي ان الاسلام يطرح ايضا مستجدات لا تمت الى البدع بصلة.. انها مستحدثات العصر..
ونحن لن نطلب من الشيخ ان يتحدث لنا عن اسرار القنبلة الذرية .. بل نطلب اليه ان يحدثنا مثلا عن علاقة المهاجر بوطنه وعاداته وتقاليده او التزام رب البيت باسرته واولاده.. او هل تعمل المرأة او لا تعمل ان كان في رجلها ما يكفيها من مؤونة.. او كيفية حل المشاكل التي تنتج من الاختلاط بين الذكور والاناث في المدارس الامريكية .. او كيفية حل مشكلة الذين يدمنون على المخدرات من الشباب.. وان يستعينوا في كل ذلك باهل الخبرة.. فالدين مرتبط بالدنيا ولولا هذه الدنيا ما انزل الله الدين لكي ينظمها.
فهل نطمح في هذا… فان لم يكن فان شيوخ المقابر موجودون حولنا في كل مكان.. والسآمة والمملل مما يبدأون به قراءتهم قد يصيبنا في اية لحظة.. وهذه هو السر الذي ترى فيه معظمم المصلين نائمون في خطبة يوم الجمعه.. وشخير بعضهم يعلو على صوت الشيخ الذي يلقي خطبته.
يقينا اننا لو وجدنا شيوخ المساجد الذين يتحدثون الينا في مواضيع عصرية.. تفيد الناس في حياتهم وفي غربتهم.. لترحمنا على الشيخ ادريس شيخ مقبرة بلدنا الذي اكتشفوا تحت فرشته خمسون الف دينار جمعها من مقبرة القرية لما توفاه الله بعد عمر مديد.