سخرية كالبكاء …..
بقلم : وليد رباح – نيوجرسي ….
حدثني احد الاصدقاء اقصوصة من اجمل ما سمعت كان قد قرأ عن بعض تفاصيلها في مجلة عربية قبل ما يقرب من خمس واربعين سنة تقريبا.. ولما كانت تلك الاقصوصة تنطبق على ما يحدث في ايامنا هذه.. فاننا نعيد تفصيل الاحداث فيها مع بعض البهارات لكي يستسيغ القارئ طعمها.. تقول القصة:
في الستينات من القرن الماضي . ونتيجه للضغط العصابي الذي اصاب المجتمع الغربي..انتشرت فيه موجة (الهيبية) وهم جماعات يسيرون في الشوارع حفاة يربون شعورهم ويتخذون من الارصفة والحدائق مستقرا لهم لا يعرفون الدين والسياسة والخلق.. همهم التوالد والتكاثر والتكسب من ايدي الاخرين..واكثر ما انتشر هؤلاء في بريطانيا حيث الامبراطورية العجوز التي تجيز ان تتحدث عنها بالسوء دون ان تمس المتحدث بالسوء.. واتخذ هؤلاء من ساحة الهايدبارك مستقرا لهم ينامون فيها ويعلنون قراراتهم الخطيرة منها:
وفي يوم من الايام اقر زعيم الهبيين في بريطانيا ان يفعل (فرتيكة) صحفية يهتز لها العالم فاتصل بالصحف المحلية ومحطات التلفزيون والاجهزة الاعلامية لالقاء ما يمكن ان يقال على مسامعهم… غير ان الحضور كانوا قلة. وحتى يضمن انتباه اجهزة الاعلام القى خطابا ناريا فيمن حضر واعلن فيما اعلن… انه سيقوم وجماعته بشنق كلب في ساحة الهايدبارك واعطى لذلك مهلة شهرين لتنفيذ ذلك محددا يوما معينا وساعة معينة .. فما الذي حدث؟؟
افاق العالم من نومه على الحدث الخطير الذي سيقع.. وانهالت البرقيات من مختلف اجهزة الاعلام العالمية على الاجهزة الاعلامية البريطانية مستنكرة ما سيحدث.. ولم يتلق زعيم الهبيين برقية واحدةمنها لانه ببساطة لا عنوان له كي تأتيه الرسائل.. واخذت اجهزة الاعلام البريطانية تذيع عبر نشراتها الاخبارية برقيات جمعيات الرفق بالحيوان في انحاء مختلفة من العالم.. فاستنكرت المانيا ما سيحدث… وقامت فرنسا بشجب هذا الحدث (الاجرامي) بكل وسائل اعلامها وتابعته.. اما ايطاليا فقد اقرت ارسال مندوب عن جمعية الرفق بالحيوان لاثناء زعيم الهبيين عن عزمه… وانتشر الخطباء في امريكا على مساحة الولايات يجرمون اولئك الهيبيين ويصفونهم باقذع الصفات وقال الاتحاد السوفيتي آنذاك بان (البروليتاريا) والشعوب الغربية (المسحوقة) لن تفعل شيئا كهذا الا اذا وصلت مرحلة (الثورة) اما اليابان فقد ضحكت مما يجري وقال الامبراطور هيرو هيتو ان الكلب لا بد وان يكون يابانيا لان الغرب يتلذذ بموت الياباني وقال ماو تيسي تونج في حديث له للصحافة الصينية ان الكلب البريطاني لو قرأ كتابه عن كيفية معاملة الحيوان للانسان ما اعدم. وفي التيبت صرح الدلاي لاما أنه سيقيم صلاة خاصة على روح الكلب قبل ان يعدم لكي يضمن له الراحة الابدية وفي الهند خاف جماعة الهندوس على ابقارهم فخبأوها في بيوتهم وغدت تنام على فراشهم واقروا رمي الحجارة على كل هندي لا يستنكر هذا الحدث. واكتر من ذلك فكر زعماء السيخ بان يطلبوا الى رعاياهم حلق شعورهم الطويلة حتى لا يتشبهوا بالهيبيين . وفي اسرائيل دعا بن غوريون الى ارسال كلب عربي بدل الكلب البريطاني لان الكلاب العربية تجوب المزابل ولا تجد من يبكي عليها. في لبنان ، دعى الرئيس اللبناني شارل حلو الى اجراء محاكمة عادلة للكلب: وطير شكري القوتلي زعيم سوريا رسالة الى الزعيم عبد الناصر يقول له: ان الوحدة العربية هي السبيل الوحيد لمجابهة افعال الغرب المشينة. وبكى الملك حسين على مصير الكلب قائلا ان الغرب المتوحش لا يحسن معاملة الكلاب. اما الملك فيصل فالقى محاضرة في جامعة الملك عبد العزيز الكبير عدد فيها مناقب المسلمين في معاملة الكلاب ونسي ان يقول ان ثلاثة ملايين كلب يتكسبون من مزابل آل سعود. ولم ينسى ان يذكر الحديث الشريف ان رجلا دخل الجنه لسقايته كلبا عطشا. وان امرأة دخلت النار في هرة حبستها .. وخلاصة الحديث ان العالم في ذلك الوقت نسى كل آلامه وقساوة الحياة فيه وسخر اجهزة اعلامه لانقاذ الكلب المسكين… ومع اقتراب الوقت المحدد الذي عينه زعيم الهيبيين كان العالم يعيش على اعصابه خاصة وان الزعيم لم يلفق اي تهمة للكلب ولم يعط سببا حقيقيا للاعدام المتوقع .
وقبل اليوم المحدد استضافت بريطانيا رجال اعلام جاؤها من كل بقاع الارض يحملون اقلامهم وكاميراتهم بحيث ضاقت الفنادق عن استقبالهم فناموا على الطرقات لكي يصبحوا هيبيين بصورة مؤقته.
اما ما حدث بعد ذلك فقد صعد الزعيم الهيبي الى منصة في الهايدبارك والى جانبه كلب (اجرب) لا يساوي تعريفة في عملة ذلك الزمن: والى جانبيه مستشاريه ولفيف غريب عجيب من مساعديه والقى خطبة نارية قال فيها: انظروا ماذا فعل الكلب في هذا العالم… فقد حركه من اقصاه الى اقصاه فلماذا لا يتحرك العالم عندما يسمع بان طائرات 52 الامريكية تصب الافأ من اطنان القنابل يوميا على رؤوس الفيتناميين ثم يمنح الطيارون الاوسمة تقديرا لشجاعتهم… واقترح بان يشكل الهيبيون جمعية للرفق بالانسان ثم اعلن بعد ان شد اعصاب الناس عن عفوه عن الكلب الذي لم يقترف ذنبا. وهكذا عاد الصحافيون الى بلدانهم وقد تجاهلوا كل الكلمات التي تحدث بها عن فيتنام وتذكروا فقط عفوه عن الكلب وعن اخلاق الهيبيين الرائعة التي لا تجيز اعدام الكلاب دون ذنب جنته…