سياسة واخبار …
بقلم : د . ناجي شراب – فلسطين المحتلة …
تعانى السياسة الفلسطينية حزمة من العقد المترابطة والمتشابكة ، والتى هى اشبه بعقدة غورديان القائد اليونانى ، دلالة على كثرة العقد وصعوبة فك إحداها دون الأخرى ،فالحالة السياسية الفلسطينية لا تنطبق عليها القواعد المتعارف عليها فى فهم وتفسير حزمة ألأزمات التى يعانى منها النظام السياسى الفلسطينى.فالنظام السياسى احد ألآليات والخيارات التى أمام الفلسطينيين لإنهاء الإحتلال وقيام الدولة، ولعل أحد أهم ألأشكاليات الفلسطينية حالة الإحتلال الذى يفرض نفسه على كل التطورات والفعاليات السياسية ، وألأساس أن هناك علاقة بين ماهية النظام السياسى وحالة الدولة القائمة ، وألأولوية تكون لقيام الدولة ، ثم التوافق على قيام النظام السياسى ،إلا فى الحالة الفلسطينية فقيام النظام السياسى فى صورته الأولى كينونة منظمة التحرير ثم السلطة الفلسطينية بمؤسساتها التقليدية، وما ترتب على ذلك من إشكالية العلاقة بين منظمة التحريركمرجعية سياسية عليا، والصلاحيات التى تمارسها مؤسسات السلطة على ألأرض، وإشكالية العلاقة بين سلطة الرئيس المنتخب ورئاسة المنظمة ، كل هذه الإشكاليات أفرزت حزمة من ألأزمات الحلزونية التى يصعب التعامل معها برؤية ومنهاج أحادى. وهذه ألأزمات بعضها داخلى ، وبعضها خارجى ، وهنا الإشكالية الكبرى والمتمثلة فى عدم قدرة النظام السياسى الفلسطينى على مواجهة وإحتواء التغيرات فى البيئة ألإقليمية والدولية التى تؤثر بشكل اكبر على ميكانيزمات ومخرجات النظام السياسى الفلسطينى ، وهذه العلاقة تحتاج منا إلى مقالة أخرى . فقط هنا أركز على ألأزمات الداخلية وتداعياتها على مستقبل السياسة الفلسطينية .بإختصار النظام السياسى الفلسطينى يعانى أزمة بنيوية شاملة ومركبة وممتده، تتراوح بضعف البنية المؤسساتية وغلبة الظاهرة الشخصانية الفردانية وهى ظاهرة متجذرة تاريخيا ، فى البداية أخذت شكل الشخصانية العائلية الفردانية ، ثم الفردانية الحزبية، وظاهرة الشيخوخة السياسية ، وما زالت هذه الظاهرة طاغية فى الثقافة السياسية الفلسطينية ، ويعبر عنها بالثقافة ألأبوية ، وإختزال السلطة فى يد شخص واحد. واشكالية غياب الشرعية السياسية التمثيلية.فلم تجر الإنتخابات للمجلس الوطنى منذ أكثر من ربع قرن، وعلى مستوى المجلس التشريعى لأكثر من عشر سنوات، والشئ نفسه على مستوى الرئاسة ، وهو ما يعنى تباعد فجوة التواصل بين الأجيال ، وتداول السلطة ودورانها بين النخب المتعددة. وتمتد الظاهرة ذاتها على مستوى التنظيمات السياسية الفلسطينية ، والإتحادات والنقابات المهنية .ومن الأزمات التى تفقد النظام السياسى القدرة على الإستقلالية فى القرار أزمة القدرة الإستخراجية ،والمقصود بها قدرة النظام على إستخراج موارده الإستقلالية الخاصة به، وهنا من يقول أن الإحتلال يمنع ذلك، وإذا كان هذا الرأى صحيحا فالمسألة لها أبعادا اخرى فى الإنفاق والترشيد، ومحاربة الفساد، وفى الهدر العام للمال ، وفى غياب الوحدانية فى الموارد والإنفاق بسبب الإنقسامـ الذى زاد من الإنفاق الغير عقلانى ، ومن التداعيات السلبية لهذه ألأزمة الإعتماد بشكل مطلق على المنح والقروض وما تقدمة الدول والمؤسسات الدولية ، مما قد ينعكس على إستقلالية القرار، والحالة ذاتها تمتد للتنظيمات والحركات الفلسطينية كلها التى تعتمد على ما تقدمه لها الدول الأخرى من دعم مالى ،مما يرهن قرارتها لمصالح هذه الدول. ومن ألأزمات التى يعانى منها النظام السياسى عدم القدرة على التكيف مع التحولات والمستجدات فى بيئة النظام داخليا وخارجيا. فعلى المستوى الداخلى لحقت ببيئة النظام الكثير من التحولات والتطورات ، منها على سبيل المثال بروز دور الحركات والقوى الإسلامية كحماس التى فازت فى لإنتخابات عام 2006،وكانت النتيجة مزدوجة ان بنية النظام السياسى الفلسطينى لم تستطع إحتواء أو التكيف مع فوز حماس، وإستيعابها، ومما زاد ألأمور تعقيدا محاولة حماس إستبدال النظام السياسى القائم بنظام آخر ، وكانت النتيجة الحتمية الإنقلاب على النظام نفسه، والإستقلالية بغزة.مما جعلنا أمام نظام سياسى ببنية مزدوجة متناقضه وأحيانا متصارعة، وينطبق الوضع على بنية منظمة التحرير التى لم تعد قادرة على إستيعاب هذه التطورات المتسارعة ، .أما البعد الخارجى لهذه ألأزمة ان التحولات الإقليمية والدولية كانت أكبر من قدرة النظام الفلسطينى على التكيف معهان مما جعل النظام الفلسطينى متغيرا تابعا ن يرتهن مستقبله وإستمراره بالإرتباط بأحد هذه المحاور الإقليمية والدولية ، مما افقده هويته الفلسطينية. ومن الأزمات الحادة والمزمنة التى يعانى منها النظام ازمة الرؤية الوطنية التوافقية التى تشكل إطارا ملزما للحراك السياسى الفلسطينى ، وعدم التوافق على الخيارات السياسية وتراوحها بين خيار المقاومة والمفاوضات ، وعدم التلاقى فى هذه الخيارات، وهذه كانت أحد ألأسباب لفشل حكومة الوحدة الوطنية التى تشكلت بعد فوز حركة حماس، فمن ناحية هناك رؤية الرئاسة والتى تمثل الرؤية السياسية لحركة فتح، ورؤية حماس التى عبرت عنها رئاسة الحكومة التى سيطرت عليهـا وهذا كان سببا فى التسريع فى عملية الإنقسام.ومن ألأزمات المرتبطة بهذه الرؤية ما يعرف بالقدرة الرمزية ، والتى تعنى ان كل تنظيم له خطابه وثقافته، وشعراته السياسية ، وكل منها له تعبيراته السياسية التى تصل ليس فقد حد التناقض بل التصادم وألإلغاء، ومن مظاهر ذلك العلم، والمسيرات العسكرية ، والمسيرات الشعبية. هذه بعضا من الأزمات التى تقف وراء التراجع الفلسطينى ، والتى تفسر لنا إستمرار الإحتلال ألإسرائيلى الذى وجد بيئة فلسطينية خصبة تساعد على ذلك،ويبقى السؤال ما هو المخرج لهذه ألأزمات؟وهذا يحتاج إلى مقالة أخرى.
دكتور ناجى صادق شراب
drnagish@gmail.com