سياسة واخبار ….
بقلم : تميم منصور – فلسطين المحتلة ….
مهما حاول نائب رئيس أركان جيش الاحتلال ” يائير غولان ” التراجع والهروب أمام مطارديه من عصبة اليمين الفاشي بقيادة بنيامين نتنياهو ، رداً على خطابه الذي القاه في ذكرى الكارثة ، الا أن هذا الهروب لا يمكن أن يثير الشبهات حول مصداقية أقواله ، لأن ما قاله هو عين الحقيقة ، وقد عبر عما يجيش في صدره ، ربما منذ مدة طويلة ، قال الحقيقة التي يلمسها ويتعايش معها بصورة دائمة . ما قاله ” يئير غولان ” ، ليس حلماً أو تحليلاً فلسفياً مبهماً ، فهو يرى مثل الكثير من المواطنين الذين يعيشون من موقعه حالات الانحراف والانجراف والتدهور داخل المجتمع الاسرائيلي ، بسبب سياسة نتنياهو وعصابته ، لقد قال ” غولان ” الحقيقة وهو في يقظة وصحوة كاملة تامة ، وهو على يقين بأنه يعمل لصالح حاضر ومستقبل الدولة التي اوصلته الى هذا الموقع المتقدم بين قادة جيش الاحتلال ، وهو يعرف ان هذا الانحراف طاله لأنه يشارك في الجرائم التي يمارسها الجيش المذكور .
ان خطابه كان جزءاً من المناسبة التي تحدث عنها ومطابق لها قال : بأنه يلمس ويرى بوجود تشابه بين الأحداث والممارسات العنصرية التي شهدتها أوروبا ، وبصورة خاصة المانيا النازية عشية وقوع كارثة الشعب اليهودي ، قارن هذا المشهد بمشهد مشابه له يحدث هنا في اسرائيل ، أنها وقائع مطابقة ، هذا يعني أن الضابط ” غولان ” يؤكد بأن الكثير من ممارسات حكومة نتنياهو العنصرية المدعومة من قطاعات كبيرة من المواطنين بحق المواطنون العرب في الداخل ، والممارسات القمعية التي يقوم بها الاحتلال ، من اصراره على الاستمرار بمصادرة حرية شعب آخر وقهره ، والاستيلاء على ثرواته ، ومصادرة أراضيه لتوسيع الاستيطان ورفض هذه العصبة العنصرية القاطع ، الاستجابة لأية مبادرة ايجابية للسلام ، من أية جهة كانت ، حتى لو كانت هذه المبادرة من حلفاء اسرائيل ، مثل فرنسا والسعودية وغيرها .
جميع هذه المؤشرات هي التي أثارت قلق نائب رئيس الأركان ، وبتأكيد أنه تذكر وقارن المشاهد العنصرية التي اطلع عليها خلال مراحل تربيته الصهيونية اضافة الى الافلام الوثائقية التي لوحت بها الحركة الصهيونية ، والتي تدمغ وتدين النازيين والفاشستيين ، بسبب أعمالهم الوحشية ضد اليهود بشكل خاص ، قارن هذه المشاهد مع ممارسات كثيرة مشابهة ، تقع بين يديه وامام ناظريه وشارك في قسم منها ، بإرادته وبإرادة قوماموريه ، الصورة التي تجسدت في ذهنه ، أن اليمين الفاشي الصهيوني ، ما هو الا صورة متكررة لليمين الفاشي النازي ، بصور وأسماء ومواقع جديدة .
بالتأكيد أن خيبة أمله الذي عبر عنها وتفجرت في ذهنه فنطق بها لسانه ، قد ذكرته بقوانين ” نيرنبرغ ” العنصرية التي أصدرها الألمان ضد اليهود عام 1935 لملاحقتهم وفصلهم عن الشعب الألماني ونبذهم ، وجد أن هناك قوانين يتم بلورتها مشابهة ، وان هناك مظاهر اصبحت واقعية مطابقة ، وجد أن مشاركة حكومة نتنياهو بتدمير آلاف المساكن في قطاع غزة واستمرارها في تجويع أطفال غزة ، لا تختلف هذه الممارسات بصورها وحقيقتها عما كان يقوم به النازيون في المانيا وفي اوروبا .
انه يرى كل يوم بأم عينيه حالات الملاحقة والتنكيل وقتل روح ونفوس الفلسطينيين في الضفة الغربية ، من خلال حرمانهم من حق وأسس الحد الأدنى من متطلبات الحياة الاساسية ، وبالتأكيد أنه تذكر الاحداث في اوروبا والمانيا ، وقارنها مع ما يتعرض اليه كل يوم عشرات الالاف من العمال الفلسطينيين ، من مهانة واذلال وانتهاك لكرامتهم في طريقهم للعمل في اسرائيل ، يعترف اكثر من غيره بأن الاحتلال يمنع الفلسطينيين من اقامة مشاريع للتنمية ، يمنعهم من فلاحة اراضيهم ، يسرق ثرواتهم المائية وكافة الثروات الطبيعية ، خاصة في البحر الميت وأماكن أخرى .
لا بد الا أن هذا الضابط يسأل نفسه ، ما هو الفرق بين قوانين ” نيرنبرغ ” التي خصصت لوضع العراقيل لمنع وصول الطلاب اليهود الى الجامعات الالمانية وبين الممارسات التي تقوم بها الجهات المسؤولة في الجامعات الاسرائيلية ، لمنع أكبر عدد من الطلاب العرب للدراسة في الجامعات الاسرائيلية ، مثل شروط الخدمة المدنية والجيل ومعجزة امتحانات الدخول .
لقد حالت القوانين المذكورة الالمان من ارتياد المحلات التجارية اليهودية للتسوق ، هذه الظاهرة تتكرر كل يوم في اسرائيل ، بتشجيع من قبل عدد من وزراء حكومته ، هؤلاء يطالبون بمقاطعة الاسواق داخل المدن والقرى العربية ، كما انهم يطالبون بطرد العمال العرب من اماكن عملهم ، أو منع هؤلاء العمال التحدث بلغتهم العربية ، كما طالبوا بفرض حصار اقتصادي على المدن والقرى العربية لتجويع المواطنين العرب ، وقد تحقق الكثير من هذه المطالب أثناء الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية وغيرها .
لقد لمس الضابط ” غولان ” كغيره أن الخطاب الشعبي والخطاب السياسي داخل المجتمع الاسرائيلي أصبح خطاباً تحريضياً وعنيفاً يدعم عمليات التصفية ، والاغتيال التي تقوم بها قوات الأمن ضد المواطنين الفلسطينيين من الاطفال والنساء ، وما المظاهرة التي خرجت لدعم الجندي القاتل في الخليل مؤخراً أخيراً خير دليل على هذه الظاهرة .
الخطاب ما هو الا تغطية لمظاهر الفاشية والنازية بماركة اسرائيلية جديدة ، يرافق هذا الخطاب التعبوي التحريضي ، محاولات تقوم بها وزيرة القضاء في حكومة الابرتهايد تتنافى مع الديمقراطية ، بهدف احالة وجود جهاز قضائي مستقل ، الوزيرة المذكورة تحاول وضع حواجز امام القوانين التي من شأنها ملاحقة وخروج اجهزة الدولة عن توازنها في التعامل مع المواطنين ، وفي اقامة المشاريع المختلفة ، كما طالبت بفرض قوانين الدولة المدنية على المناطق الفلسطينية المحتلة .
لا بد الا وان ” غولان ” تساءل عن الفرق بين قوانين ” نينربرغ ” التي فرضت في حينه حصاراً على كافة الأطر التربوية والأطر الخاصة بكل النشاطات الفنية من مسرح وفنون أخرى ي المانيا ن وبين ما قامت به وزيرة العلوم والرياضة في حكومة نتنياهو ” ميرا ريغف ” عندما اوقفت دعم وتمويل العديد من المسارح العربية خاصة مسرح الميدان ، كما قطعت التمويل عن الكثير من الأطر الفنية المختلفة العربية منها واليهودية .
كيف يستطيع نتنياهو وغيره اخفاء مظاهر الفاشية المتزايدة في البلاد وهي تتسع كل يوم ، كل من يراقب الكثير من مفارق الطرق في البلاد سيشاهد قيام اوباش اليمين بشطب اسماء المدن والقرى لا تكتب بالعربية ، كما ان شعارات الموت للعرب مكتوبة أصبحت جزءاً من مناخ المجتمع الاسرائيلي ، وان هذا الشعار اصبح النشيد الوطني لدى عصابات اليمين المنتشرة في الساحات وحتى في ملاعب كرة القدم ، هل يوجد ناقوس خطر ، أو مؤشر لمظاهر الفاشية اكثر من هذه المظاهر .
لقد استغلت الحركة الصهيونية الكارثة بكل جوانبها ، وحولتها الى عامل من عوامل الانتقام في نفس كل مواطن يهودي في العالم ، كما انها نجحت بجعل جرائم النازية شأناً خاصة باليهود مع العلم بأن جرائم النازيين طالت عشرات الدول في العالم .
ان ظاهر الفاشية داخل المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة ، وداخل قطاعاً كبيراً من المجتمع اليهودي ليست جديدة ، وما اعلن عنه نائب رئيس الاركان لم يندهش الكثيرين ، لكن الجديد في تصريحه ان ما قاله يعتبر تجديداً في تاريخ الكارثة ، لأنه ربط ما بين هذه الكارثة وبين الصراع الاسرائيلي الفلسطيني .