فلسطين …..
بقلم : د . ناجي شراب – فلسطين المحتلة ….
هل مازالت القضية الفلسطينية قضية أولوية عربية ؟ وقضية شرعية دولية ؟ والقضية ألأساس لكافة القضايا التى تعانى منها المنطقة ؟أو كما يقال القضية المفتاح لحل القضايا الإقليمية والدولية؟الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب التعرف بداية على ماهية القضية الفلسطينية. فالقضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع او صراع بين طرفين، او مجرد نزاع حدود، بل هى قضية ممتدة مركبة ، مكوناتها وعناصرها تتجاوز حدود طرفى الصراع، بل تتجاوز الحدود ألإقليمية ، لتشمل الحدود الدولية، ولذلك إرتبطت القضية الفلسطينية منذ نشأتها بالتحولات الإقليمية والدولية ، وليس مستغربا ان ترتبط بنشأة كل من النظام الإقليمى العربى والنظام الدولى ذاته، وبالتحولات فى هيكلية القوة فى كلا النظامين، وبالتطورات السياسية اللاحقة التى صاحبت كلا النظامين وصولا للمرحلة الحالية التى جاءت كمخاض لثورة التحولات العربية . هذا الإرتباط هو الذى يفسر لنا التعقيدات المصاحبة للقضية ، وعدم قدرة ألأطراف المتحكمة فى القرار الإقليمى والدولى على فرض تسوية عادلة ونهائية للقضية ، وهو ما قد يذهب بعيدا فى التحليل بإستمرار الصراع قائما طالما ان علاقات القوة غير متوازنه ومتكافئة بين القوة الإقليمية والقوة الدولية وطغيان الأخيرة على القرارالإقليمى.ولعل ما تتفرد به هذه القضية ان إسرائيل وهى الطرف الرئيس فى هذا الصراع ترتبط بالقوى الدولية وخصوصا الولايات المتحدة التى تسخر قوتها العالمية فى دعمها وحمايتها وضمان بقائها ، والطرف الفلسطينى الذى يرتبط ببعديه العربى والإسلامى مما يجعل لهذا الصراع بعده العربى والإسلامى ، والأمر الأخر ان هذا الصراع يرتبط بالبعد ألأيدولوجى الذى تمثله إسرائيل بالإيدولوجية الصهيونية التى تقوم على فكرة إسرائيل الكبرى ليس فقط على فلسطين بل تمتد لما وراء حدود فلسطين ، والقومية العربية التى تقوم على فكرة ان فلسطين اساس لنجاح العروبة فى بعدها الوحدوى. وهذا يجعل صفة عدم التلاقى فى الحل ، وهى الفكرة ألأساسية فى حل اى نزاع دولى.إذن نحن امام قضية فريدة فى قضاياها ومكوناتها ومحدداتها وبيئتها.وحلها مرهون بالتوافق بين القوى اٌلإقليمية والدولية ، وهو امر مستبعد فى مرحلة التحول ،وإعادة صياغة ورسم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة.لأن مخرجات هذه الخريطة ستكون تصفية القضية الفلسطينية تحت أى شكل من أشكال التسوية التى تعمل لصالح إستمرار إسرائيل كدولة قوية. ولذلك أولوية القضية الفلسطينية إرتبطت تاريخيا بهذه التحولات والتطورات السياسية على المستويين ألإقليمى والدولى. فتاريخيا إحتلت القضية الفلسطينية مكانة محورية فى الخطاب السياسى الرسمى للنظام العربى ، وعلى المستوى الجمعى للشعوب العربية بإعتبارها قضية العرب الأولى ، وعلى إعتبار ان الخطر الذى تمثله الحركة الصهيونية يشكل خطرا على جميع الدول العربية، لإن مستقبل العديد من انظمة الحكم العربية كان مرهونا بالتمسك بالقضية الفلسطينية التى حازت على أى اولوية اخرى. بل لا نبالغ القول ان القضية الفلشطينية شكلت فى النشأة ألأولى للنظام العربى أولوية داخلية . ووصفت القضية الفلسطينية بانها قضية العرب المركزية. وقد إرتبطت هذه ألأولوية بحيوية وفعالية المشروع العروبى ، والقومية العربية. هذه الأولوية لم تعد قائمة ، وبدا التراجع واضحا مع تراجع المشروع العروبة ، وتنامى التوجهات القطرية ، ومع عجز الجامعة العربية كإطار إقليمى فى معالجة العديد من الأزمات والمنازعات العربية ، ووصل هذا التراجع ذروته مع الغزو العراقى للكويت ، والذى من أبرز تداعياته تقويض مفهوم ألأمن القومى العربى ، ولم تعد معه القضية الفلسطينية قضية امن ، وتحولت لقضية إقتصادية ، وبدا الجدل حول مفهوم العدو المشترك، وهل إسرائيل باتت تشكل هذا العدو، وخصوصا مع تنامى اطماع الدول الإقليمية كإيران وتركيا. هذا ولعب العامل الفلسطينى دورا سلبيا فى هذا التراجع بحالة ألإنقسام الفلسطينى ، والعودة لإستقطاب القضية الفلسطينية مرة ثانية ، وخضوعها لسياسة المحاور الإقليمية والدولية.ولعل من أبرز ألأسباب التى أدت إلى هذا التراجع الدور السلبى للسياسات الفلسطينية التى فشلت بالنأى عن التدخل فى السياسات العربية . وفى السياق نفسه لا يمكن تجاهل الدور الإسرائيلى فى العمل على تفريغ القضية الفلسطينية من أولوياتها ألإقليمية والدولية مستفيدة من ثورة التحولات العربية وتنامى دور الحركات الإسلامية المتشددة والمتطرفة. وزادت الأمور تعقيدا مع مرحلة ثورة التحولات العربية وبروز دور الحركات ألإسلامية الساعية للحكم كحركة الإخوان، وبروز المشروع الإسلامى الذى جاء على حساب المشروع العروبى ، وكان الفشل لهذه الثورات سببا إضافيا فيما تشهده العديد من الدول العربية من محاولات للإختراق والإستهداف بهدف إحياء المشاريع الطائفية والعرقية ، والأقليات. كل هذه التطورات إنعكست سلبا فى ضعف النظام ألإقليمى العربى الذى إنعكس بدوره على اولوية القضية الفلسطينية . واما على المستوى الدولى فلم تعد القضية الفلسطينية قضية أولوية دولية كما كان الحال فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى ، وبدأت تبرز قضايا وأولويات اخرى تعنى القوى الكبرى المتحكمة فى المنطقة ، بل إن دولة مثل الولايات المتحدة لم تعد المنطقة كلها تشكل اولوية كبرى لها ، وبدأ التحول نحو مناطق اخرى فى العالم كشرق أسيا. هذا التراجع له تداعياته السلبية على مسار القضية الفلسطينية وما آلت إليه من محاولت التصفية والتقزيم والإختزل. ويبقى السؤال كيف يمكن للفلسطينيين اولا ان يجعلوا من قضيتهم قضية أولوية عربية ودولية .هذا هو التحدى ألأكبر.
دكتور ناجى صادق شراب
drnagish@gmail.com