آراء حرة (:)
تميم منصور – فلسطين المحتلة (:)
غالبية وسائل الاعلام في الأقطار العربية مشغولة في بث البرامج الرخيصة ، وبرامج فارغة من كل مضمون فكري أو نفسي أو اجتماعي ، اهمها مناصرة أنظمة تعيش خارج حدود العصر متقوقعة في الفساد والمؤامرات .
وسائل الأعلام هذه لم تغط أو تناست اهمية انتصار الثورة الكوبية في معركتها الطويلة ضد الامبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة ، بفضل صمود ثورتها وشعبها ونظامها المرابط الاشتراكي ، اضطرت امريكا وحلفاؤها الى الاعتراف بهزيمتها ، والاذعان والاعتراف بكوبا ، كما أراد لها شعبها وقيادتها أن تكون ، جمهورية اشتراكية حمراء ، شعارها لا فرق بين طبقة وطبقة ، ولا بين مواطن ومواطن ، سقف وجودها يرتكز على الصمود والتحدي ومحاربة الفقر والجهل والفساد والرأسمالية .
عندما نقول ” كوبا ” يرتعش التاريخ ، تاريخ الثورات الحديثة ، وتاريخ امريكا اللاتينية الحديث ، عندما يرفع اسم كوبا تشرأب أعناق وجباه وقامات المناضلين في كل مكان ، لأن هذه الجزيرة الحمراء التي كانت منسية ، حطمت كل الحواجز ودمرت كل الجسور التي كانت تفصل ما بين أمريكا اللاتينية وبين تحرر الشعوب ، قادت الثورة الكوبية لمدة عشرات السنين دون ان تتعثر بسبب المد الامبريالي للولايات المتحدة وحلفائها بكافة أشكاله وأنواعه ، يكفي أنها استطاعت تحطيم وإفشال كل المؤامرات التي حيكت ضدها ، لقد صمدت سنوات طويلة أمام الحصار الخانق .
لا أحد يستطيع انكار دور الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية آنذاك في تثبيت أقدام الثورة الكوبية وصمودها ، وكاد الاتحاد السوفياتي أن يخوض حرباً عالمياً ثالثة من أجل حماية كوبا عام 1962 ، لولا التزام الولايات المتحدة بعدم مهاجمة هذه الجزيرة الصامدة.
لكل ثورة من الثورات في العالم لها مميزاتها ، وما يميز الثورة في كوبا بأن قادتها لم يعرفوا اليأس ، ولم يتراجعوا عن مواقفهم و ثوابتهم التقدمية .
الثورة لم تغيّر هويتها وفكرها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة ، رغم بقائها وحدها في الميدان لمقارعة الضغط القادم من الولايات المتحدة ، فبدلاً من الخنوع والاستسلام ، اختارت طريق التطور والنمو والانفتاح الموجه المدروس ، بعكس العديد من الدول التي اختارت السير في ركب الدول الامبريالية ، فتحولت من دول ثورية الى دول تابعة ، فازدادت شعوبها فقراً و بؤساً . ولا تزال تعيش حتى اليوم في حالة من الفوضى الاقتصادية والتفكك الاجتماعي ، كما هو الأمر في العديد من دول اوروبا الشرقية ، وأكثر من دولة واحدة في الشرق الأوسط ، والقارة الافريقية .
لقد ربطت هذه الدول مصيرها بمصير الولايات المتحدة وحلف الاطلسي ، ففقدت هويتها السياسية وأصبحت تدور في فلك الولايات المتحدة ، ومنها من ارتبط بحلف الاطلسي الامبريالي ، لقد اصبحت هذه الدول اليوم جزءاً من المحاور المعادية للأنظمة التقدمية ، كالنظام التقدمي في كوبا وسوريا وايران ، وقد انضمت الى هذا المعسكر اليوم دولاً تقدمية جديدة مثل فنزويلا ، والارغواي ، ونيكارغوا وجنوب افريقيا وغيرها .
ما يميز الثورة الكوبية أنها أصبحت مرجعية في مفاهيمها ودستورها وتجاربها للعديد من الأحزاب والقوى التقدمية في امريكا اللاتينية ، فاستطاعت هذه الاحزاب ان تصل الى سدة الحكم في أكثر من دولة واحدة في القارة المذكورة ، وسارعت الى الانضمام للمعسكر الذي تقوده كوبا في معاداة سياسة الولايات المتحدة الانتهازية .
ما يميز كوبا وثورتها أيضاً ، أنه رغم الاخطار التي كانت تحدق بمصيرها الا أنها بقيت متمسكة بثوابتها المعروفة اتجاه الشعب الفلسطيني ، فقد استمرت بدعم وتأييد نضاله من أجل انتزاع حقه بتقرير المصير .
فقد قدمت كوبا بقيادة ” فيدل كاسترو ” كل الدعم لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وقد اعتبرت الثورة الكوبية الثورة الفلسطينية بأنها جزءاً منها ومكملة لها .
جاءت هذه المساعدة قبل اتفاق اوسلو وبعده ، وقد اعترف أكثر من مسؤول فلسطيني واحد بقيمة وحجم هذه المساعدة ، آخر هؤلاء المسؤولين عضو اللجنة المركزية في حركة فتح ” عباس زكي ” فقد تحدث في إحدى مقابلاته وعلى الملأ عن جزء من المساعدات الكوبية للثورة الفلسطينية ، ذكر أنه أثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 1982 ، استجابت كوبا لطلب منظمة التحرير بإعادة جميع الطلبة الفلسطينيين الذين كانوا يدرسون في كوبا على نفقة حكومتها الى بيروت لدعم المقاتلين ، فأعادتهم كوبا بطائراتها وعلى نفقتها مدججين بالسلاح ، وقد رافقهم وزير خارجيتها في حينه و التقى ياسر عرفات عندما كان محاصراً في بيروت من قبل القوات الاسرائيلية وعملائها ، وبقي الى جانبه تحت الحصار ، حتى أعلن عن وقف اطلاق النار ، في حين فان العديد من قادة الأنظمة العربية في ذلك الوقت وعلى راسهم السادات كانوا ينتظرون قتل عرفات والقضاء على جيش الثورة والعناصر المقاومة .
واعترف عباس زكي بأنه التقى مع فيدل كاسترو الرئيس الكوبي عام 1988 ، أثناء الانتفاضة الأولى ، واعلن كاسترو في هذا اللقاء ، بأن كوبا كانت ولا زالت ملتزمة بدعم الشعب الفلسطيني ، وعبر عن اعجابه بالانتفاضة قائلاً : أنتم ادخلتم سلاحاً جديداً للعمل النضالي وهو الحجر ، وقال أن هذه الانتفاضة المميزة اجبرتني على التسمر أمام شاشة التلفاز لمشاهدة اطفالكم وهم يتحدون جلاوزة الاحتلال ، بأجسادهم وبالحجارة .
لم يتغير موقف الثورة الكوبية من فلسطين وقضيتها حتى بعد اتفاق اوسلو الذي تم تحضيره في المطابخ الامريكية ، ورغم تراجع وتنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن خيار الكفاح المسلح قبل قيام الدولة الفلسطينية ، ورغم الاعتراف بإسرائيل قبل أن تنهي احتلالها ، ورغم الانقسامات داخل الشارع الفلسطيني وارتباط قادة المعسكرين المتنازعين بالدول العربية الرجعية ، والدوران في فلك الولايات المتحدة ، رغم ذلك استمرت كوبا بدعم الشعب الفلسطيني في كفاحه ونضاله .
في آخر التصريحات للرئيس الكوبي الحالي ” رؤول كاسترو ” قال: سوف نبقى ندعم الشعب الفلسطيني مهما كلفنا الثمن ، وان اعادة العلاقات مع الولايات المتحدة لم ولن تزحزح كوبا عن دورها النضالي ودعمها للشعب الفلسطيني .
واعترف كاسترو بأن كوبا قدمت المساعدات لجميع الحركات الثورية التي كانت تسعى لكسر قيود التبعية ، وقد قاتل جنودها خارج الوطن ، خاصة في انغولا واليمن الجنوبي عندما كان يسعى للتخلص من الاحتلال البريطاني .
اليوم استبدلت كوبا المساعدات العسكرية بمساعدات انسانية ، فهي ترسل الاطباء والمهندسين والخبراء للعمل في الدول التي هي بحاجة الى خدماتهم ، وبلغ عدد هذه الدول 70 دولة ، والملفت للنظر انهم يقدمون خدماتهم مجاناً ، وعلى نفقة الحكومة الكوبية .
كوبا اليوم اصبحت في عهد جديد ، بعد ان الغيت المقاطعة وتم فك الحصار ، انها بانتظار استثمارات مختلفة من الخارج ، في كافة المجالات ، هل تفكر دول النفط العربية السير في ركب التحضر الاقتصادي والعمل على مشاركة كوبا بإقامة مشاريع حيوية على أرضها ، بدلاً من بعثرة أموالها لخدمة مصالح حكامها ومصالح الامبريالية الامريكية الصهيونية .