الحالة الفلسطينية.. والعملية الجراحية المطلوبة

سياسة واخبار(:)
بقلم: د. أشرف طلبه الفرا (::)
رغم كل ما قيل وكتب من قبل المحللين والناشطين والباحثين والكتاب حول الحالة الفلسطينية على الرغم من ادراك الجميع  موضع الخلل, وأن الحالة الفلسطينية تعج بالكثير من الأمراض السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, والآخذة بالاستفحال يوما بعد يوم دون إجراء أي عملية جراحية تضع حداً لهذه الأمراض باقتلاعها من جذورها والقضاء عليها بشكل كُلي، وخاصة ما يجري في مدينة القدس وباقي مدن الضفة المحتلة, ورغم مضي شهر على التصعيد إسرائيلي متواصل ضد أبناء شعبنا، وهناك اختلاف بين القيادات والتنظيمات الفلسطينية حول تسمية المواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الاسرائيلي, سواء أكانت أحداث غضب أو هبة شعبية كما ترغب السلطة الفلسطينية بهدف إرسال رسالة سياسية على المستوى الاقليمي والدولي بأن هناك خطر على القدس والقضية الفلسطينية، وهذا يتطلب من السلطة حراك ميداني على الأرض استكمالا لتلك الاحداث أو الهبة الشعبية بحيث تكون بعيدة عن الفوضى أو الفلتان.

أو حتى كانت هذه المواجهات انتفاضة شعبية كما ترغب الفصائل الفلسطينية كحركتي حماس والجهاد الاسلامي بحيث يجب تفعيلها وتطويرها، والاصل أن مقاومة الشعب الفلسطيني مستمرة منذ ثورة البراق عام 1929م، ولم تنتهي بل الأدوات اختلفت. وهذا أيضاً يتطلب وجود انتفاضة متداخلة ومتشابكة بين الضفة وقطاع غزة دون فصل وكأن غزة ليس لها علاقة لما يجري في القدس والضفة المحتلة. وقد تطور الأمر إلى أبعد من ذلك، وتم الاختلاف كما سمعنا عبر بعض الوكالات عن وجود خلاف بين قيادة المجلس المركزي لمنظمة التحرير من جهة وبين حركة حماس والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى بشأن قيادة هذه الهبة أو الانتفاضة وكيفية إيقافها. ولكن العبرة والاستفادة هنا في التركيز على ضرورة التوصل لموقف فلسطيني موحد في كيفية استثمارها لما يحقق آمال وطموحات الشعب الفلسطيني، وليس انحسار توجهنا في خلافات جانبية حول تسميتها أو حتى قيادتها.

والحقيقة الثابتة أن نتنياهو يستمتع بمنظر الدم حتى ولو كان دم أبناء جلدته، والسياسات التي ينتهجها وحكومته لا تدع مجالا لأي مبادرة عربية أو أوروبية ولا حتى أمريكية فالعنف الذي اتخذه نتنياهو منهجاً لن يولّد إلا عنفاً مضاداً.. ورد الفعل الفلسطيني طبيعي للغاية.. أم هل ينتظر نسور إسرائيل أن يقتلوا ويغتالوا ويدمروا المنازل ويجرفوا الأرض ويقيموا المزيد من المستوطنات ويضربوا بكل المبادرات السلمية عرض الحائط ويقف أهل الأرض الحقيقيون مكتوفي الأيادي دون أدنى رد فعل؟، وإلا لما كانت هناك حاجة للرد الفلسطيني رغم كل ظروف القتل والقهر والتنكيل اليومية التي تحدث على مرأى ومسمع من العالم دون أن يكون له رد فعل يغضب لأجل انتهاك حرمة الإنسانية على أقل تقدير.

وبالتالي فإن العملية الجراحية المطلوبة تتلخص وجود رؤية وطنية فلسطينية واضحة تبدأ بإنهاء الانقسام الفلسطيني تحت قيادة فلسطينية موحدة تعرف متى تفاوض ومتى تحدد نوع ومكان وزمان العمل المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي، مع الاتفاق العربي على تقديم الدعم المادي والسياسي اللازمين لصمود الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية في مواجهة الآثار المترتبة نتيجة التوجه نحو العمل المقاوم في حال فشل المفاوضات أو تعثرها أو عدم قيام إسرائيل بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في هذه المفاوضات.

واذا كان المجلس الوطني الفلسطيني يعتبر الهيئة التمثيلية التشريعية العليا للشعب الفلسطيني بأسره داخل فلسطين وخارجها، وهو السلطة العليا لمنظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها، فكيف لم يعقد أي دورة اجتماعات عادية منذ عام 1996م، وعليه تقضي الضرورة اجتماع المجلس الوطني في موعده المحدد دون تأجيل،  ومشاركة جميع الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الاسلامي ليتحمل الجميع المسؤولية في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، بمعزل عن الحسابات الفصائلية العبثية والضيقة، فهذه ربما هي الفرصة المناسبة لإنهاء الانقسام، واستعادة وحدة الكيان الفلسطيني، وإعادة بناء منظمة التحرير، على أن يتم ذلك على قاعدة مؤسسية وديمقراطية وتمثيلية، لا على أساس التعيين ونظام المحاصصة الفصائلي. في إطار الالتزام  بمنظمة التحرير.

ثمة ما هو مطلوب أيضاً على صعيد العمل الوطني ضرورة الاهتمام بالشباب الفلسطيني، وتعزيز فرص مشاركتهم في العملية السياسية، والاستفادة من طاقاتهم في كافة المجالات، ولعل ما يقوموا به الشباب في  القدس والضفة المحتلة من مقاومة شعبية سليمة تجاه الممارسات الإسرائيلية، حيث استطاعوا من خلالها أن يرسلوا رسالة واضحة  للمجتمع الدولي حول مطالب الشعب الفلسطيني، لخير دليل كبير على قدرة الشباب في إثبات دورهم داخل المشهد السياسي الفلسطيني.

ما زالت هناك فرصة كبيرة للقيادات الفلسطينية لمراجعة سياساتها وطرق عملها, وبناء استراتيجية فلسطينية قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية، لا سيما وأن الهبة أو الانتفاضة الشعبية الفلسطينية تقدم هذه الفرصة، وما دون ذلك سوف نظل ندور في دائرة مغلقة دون أن نحقق أي شيءٍ يخدم قضيتنا العادلة وعندها لا ينفع الندم …