سياسة واخبار (:::)
بقلم : جيمس زغبي – واشنطن (:::)
جاءت اتفاقيات أوسلو وعملية السلام التي كانت منتظرة كنتيجة لها، على وقع أحداث سياسية خطيرة كان يشهدها العالم قبل 22 عاماً مضت. وشهد الأسبوع الماضي الكثير من التطورات المحزنة. وفيما كانت هذه القضية تمثل ذات مرة الشغل الشاغل للعالم، إلا أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني كان شبه غائب عن الجلسة الافتتاحية لأشغال الجمعية العمومية للأمم المتحدة لهذا العام. فلا الرئيس الأميركي باراك أوباما ولا رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين ذكرا حتى أقل شيء عن هذه القضية في خطابيهما. وكان الأسوأ من كل ذلك سوء الفهم والحكم على الأمور الذي اتضح من خلال الكلمتين اللتين ألقاهما كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وكعادته دائماً، كان حديث نتنياهو استعراضياً دعائياً، ولم يتعرض للنزاع إلا بشكل مختصر. وخصص أكثر من 80 بالمئة من الملاحظات التي ذكرها لانتقاد الأمم المتحدة بسبب دعمها للصفقة النووية الإيرانية. ثم ما لبث أن انطلق بحديث مفعم بالتبجح والتعالي عندما قال إن إسرائيل هي “دولة الإبداع” التي تمكنت من “ابتكار” كل شيء تقريباً ببراعة فائقة، من الهواتف الذكية وحتى الطماطم الكرزيّة. ولم يتطرق رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى القضية الفلسطينية إلا في الجزء الأخير من كلمته عندما أعلن بمكر بأنه “بات جاهزاً للمشاركة في مفاوضات سلام مباشرة مع السلطة الفلسطينية من دون شروط مسبقة كائناً ما كانت”. وبعد أن أتبع هذا الالتزام بجملتين قصيرتين للتمويه، تقدم بشرطيه المسبقين عندما قال بأن التزامه بحل الدولتين يعني إقامة “دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية”.
وعلى غرار ما فعله نتنياهو، كانت إشارات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس متوقعة. وفيما يمكن اعتبار نتنياهو بأنه متغطرس يسعى وراء مصلحة ذاتية وغير صادق، فلقد كانت إشارات عباس عبارة عن عرض لسلسلة طويلة من المشاكل التي انتهت بتهديدات فارغة. وكرر مطالبة الفلسطينيين بحقوقهم وراح يعدد الخروقات التي ترتكبها إسرائيل في إطار التنكر لتلك الحقوق. ووعد عباس بإطلاق إعلان له وقع “القنبلة”، ولكنّ إعلانه هذا صيغ بلغة غريبة دفعت بالملاحظين المتابعين لخطابه للاستغراب مما ينطق به عندما قال: “نعلن أنه ما دامت إسرائيل ترفض الالتزام ببنود الاتفاقيات التي وقعتها معنا، فإننا لن نبقى الوحيدين الملتزمين بتطبيق تلك الاتفاقيات التي تنقضها إسرائيل”.
فهل كان يقصد بذلك حلّ السلطة الفلسطينية وإنهاء التعاون الأمني مع إسرائيل؟، وهل كان يعلن على الملأ إطلاق حركة مقاومة سلمية للمطالبة بإنهاء عقود من الاحتلال؟، أم أنه كان يطلق مجرد تهديد أجوف جديد؟ وجاءت ردّة الفعل الأميركية متوقعة أيضاً عندما دعت الولايات المتحدة الطرفين لعدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض مبدأ “حل الدولتين”، وكأن الإدارة الأميركية غافلة عن رؤية الحقائق الماثلة على أرض الواقع والتي يستحيل معها تحقيق أي تقدم، ومنها أن 570 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون الآن في الطرف الآخر من الخط الأخضر وفوق أرض من الضفة الغربية تزيد مساحتها عن 10 بالمئة من الأراضي الفلسطينية. كما أن المزيد من المشاريع السكنية الخاصة باليهود دون غيرهم ما زالت تُبنى بطريقة استفزازية شرق القدس والخليل في محاولة لا تتوقف لتغيير معالم المدينتين. والآن هناك محاولة خطيرة لتغيير معالم الحرم القدسي الشريف.
ويمكن القول إن الممارسات المتغطرسة والتسلطية من الجانب الإسرائيلي، والضعف وانعدام الرؤية من الجانب الفلسطيني، والتردد والإهمال من جانب الولايات المتحدة، تمثل كلها العناوين التي كانت تعالج بموجبها قضية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني في الأمم المتحدة هذا العام. وهي توضح الطريقة التي دفنت بموجبها عملية السلام بشكل غير رسمي.
ولم يكن هذا هو الطريق الذي كنّا نخطط له. ولقد كنت في حديقة البيت الأبيض بتاريخ 13 سبتمبر 1993 إلى جانب مئات المدعوين من العرب الأميركيين واليهود الأميركيين عندما رحنا نتابع حفل توقيع كل من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء إسحق رابين على تلك الاتفاقيات. وفي ذلك الوقت، كان هناك بصيص أمل. لقد كان ذلك الأمل الضئيل قائماً في ذلك الوقت. ثم جاءت سنوات التدخل التي لم تكن تصبّ في مصلحة عملية أوسلو. فلقد فشل “فريق السلام” الأميركي في إدراك الحقيقة التي تفيد بأن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني كانا يحتاجان إلى مساعدة وضغط خارجيين من أجل استكمال الجهود المشتركة لإحلال السلام. ويمكن القول الآن إن اتفاقية أوسلو كانت تحتضر ببطء خلال السنوات الماضية، والذي حدث هذا الأسبوع ما هو إلا الشعيرة الأخيرة من شعائر دفنها