فن وثقافة (::؛)
بقلم : عبد الرحيم الماسخ – مصر (:::)
20 : { فرصة }
أحيانا يجد الإنسان نفسه في ورطة فيتمنّى الخروج منها بلا خسائر , قد تكون الورطة مادية أو أدبية , المهم عند الإنسان الواعي سرعة تدبُّر الأمر وكيفية معالجته مع قليل من الخسائر إن وُجِدت , من الضائقات الكبرى الهروب من سداد الديون وإخلاف المواعيد ونقض العهود ……….. إلخ , حكوا أن رجلا كان في عهد الاحتلال يعمل شيخ حصة وكلما أرسل ضابط القسم التابع له في طلبه لم يجده حتى أنه صار في ورطة , كيف سيقابل ذلك الضابط ؟ وماذا يسوق له من الحجج ؟ وماذا سيجد من قبول أو رفض لتلك الحجج ؟, ظل الرجل شارد الفكر منذ أرسل الضابط في طلبه مرة جديدة, وقد خاف إن لم يذهب إليه هذه المرة أن يتهمه بالإهمال الجسيم فيفْصِله أو يحبسه أو … المهم ذهب إلى القسم وِرجلاه لا تكادان تحملانه من شدة الخوف , وجلس في مواجهة استراحة الضابط في انتظار لحظة خروجه إليه تلك اللحظة الفارقة في حياته والتي سيتحدد على أثرها بقاؤه في منصبه من عدمه , ظل وهو جالس يُحصي مرّات استدعائه إلى هنا وكيف أنه أصبح الآن مُطالبا بحُجّة دامغة تنفي عنه تهمة الإهمال والتسيُّب مع كل استدعاء سابق له لم يُلبِّه , ولكنه صحا فجأة على صياح ونظر أمامه فرأى الضابط وزوجته يتعاركان من الداخل وقد ظهرت رأساهما من الشباك وإذا بزوجة الضابط تضربه بكفها على عينه بشدة وإذا بالضابط المهيب يصرخ من شدة الألم المفاجئ , في الحال حضرت صاحبنا فكرة فأخرج منديله من جيبه ووضعه على عينه , وبعد لحظات خرج الضابط إليه واضعا منديله هو الآخر على عينه وصاح به مُغتاظا : أين كنت طيلة الأيام بل الشهور السابقة ؟ سأفصلك من عملك إن لم أحبسك ,, ظل الضابط يهدد صاحبنا وصاحبنا لا يرد عليه حتى امتص آخر قطرة من رحيق غضبه ثم قال له بوقار : يا سيادة الضابط العظيم أنا كنت مريضا مرضا غير عادي , لم أتمكن معه حتى من الشكوى إلى سيادتك مما أصابني , وإذ سأله الضابط :ماذا أصابك بالضبط ؟ قال لاشيء , إنما تعاركنا أنا وزوجتي فضربتني ضربة قوية بكفها على عيني و ………… لم يتركه الضابط يكمل فقد قال له : عجبا أن يكون كل النساء على نفس الشاكلة لا ينتقمن من الرجال إلا بضربهم بشدة على عيونهم ؟
21: {عدالة }
من أخطر المشاكل التي تواجه أهل الريف والزراعة حبّهم الشديد للأرض لدرجة الطمع والفناء , فتجد معظمهم متابعين لزراعات غيرهم أكثر من متابعاتهم زراعاتهم أنفسهم , ليس ذلك حبا للناس في بعض وإنما خوفا من أن يتقدم واحد على الآخر في عملية زراعية ضرورية أو تسميد أو غير ذلك من أعمال الزراعة الواجبة للحصول على الثمرة المرجوة , لم يختلف في ذلك الصغار والكبار, النساء والرجال , إنها غريزة حب الخير التي تعظم لدى هذه الفئة وتزيد مع تزايد العدد , حتى لتكاد تضيق بهم الأرض بما رحبت , ومن منا لا يتمنى الحدائق والقصور والحقول الفسيحة والأنعام؟ حدث أن شابا كان له حقل يجاوره حقل لرجل مُسِن ضعيف البصر والسمع , وكان ذلك الشيخ دائم الأذى لجاره فلا يمشي على البطَّال وإنما في حقل جاره ويحوِّل عنه ماء الري كلما غافله وينقل جذور الحشائش إلى أرضه , فكان جاره مهموما بأمره ويخاف أذاه دائما , وذات يوم وكانت زراعات الذرة الخضراء اليانعة بارتفاع ذراع , ذهب ذلك الشاب إلى حقله ظهرا فوجد جاره قاعدا على البطال يدوس زرع جاره على الحافة ويحمل من تراب حقله ويضع على ذلك الزرع ويتركه راقدا ويزحف , فجلس الشاب وراءه على البطال وظل يرفع التراب الموضوع على زرعه ويعدل زرعه الراقد ثم يدوس زرع جاره على الحافة الأخرى ويضع عليه نفس التراب الذي يحمله عن زرعه , واستمر هذا الحال حتى أوشك الشيخ على الانتهاء من مهمته الخطيرة ولم يلتفت إلى الوراء أبدا , أخيرا قام الشاب وأخفى نفسه خلف نخلة كانت في نهاية حقله , وعندما أنهى الشيخ عمله قام واقفا وهو يقول : الحمد لله هم وانزاح , ثم نظر إلى ما فعل فتعجب إذ رأى عكس ما توقّع أن يرى , رأى زرعه هو راقدا وفوقه التراب وزرع جاره على الحافة الأخرى مازال قائما , فأخذ منه العجب كل مأخذ , ولم يستطع الكلام لأن جاره خرج إليه من وراء النخلة في الحال لتبدأ المعركة الكلامية بلا غالب ولا مغلوب .
:{22 } تنزيل
اكتمل بناء المسجد بالجهود الذاتية لإخوة ثلاثة هم إبراهيم وموسى وعلي كما يحدث في القرى المصرية الفقيرة التي لا تعلم وزارة الأوقاف عنها شيئا , فاتفق الإخوة على تعيين إمام راتب لمسجدهم بالأجر الذي كان إلى وقت قريب عبارة عن كمية معلومة من الغلال من كل محصول يُحصِّلها الإمام بعد الحصاد ليكتمل بذلك معروفهم في القرية المحرومة حتى من المسجد , وافتتحوا المسجد للصلاة بعد ذلك , فكان الإمام دائما يقرأ في ركعتي جهر العشاء بسورة الأعلى وعندما يقول { إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى }يغتاظ على كثيرا لأنه يسمع اسم أخويه إبراهيم وموسى يُتلى على لسان الإمام دون اسمه هو , لكنه يصبر قائلا في نفسه : ربما يتدارك الإمام هذا الأمر فيذكره كأخويه في المرات الآتية , لكن الحال ظل على ما هو عليه , كل ليلة يصلِّي على بجانب أخويه والمسجد ممتلئ بالمصلين فيظل منتظرا أن يذكر هذا الإمام المأجور اسمه أسوًة بأخويه أو لا يذكر منهم أحدا , لكن الإمام يكرر نفس الآية فيذكر أخويه وكأنه يتعمد نسيانه هو بالذات , أخيرا أحس صاحبنا باليأس فخرج من الصلاة مغتاظا بشدة لكنه أخفى غيظه عن المصلين وجلس على مصطبة أمام المسجد في انتظار خروج الإمام الذي في العادة يتبعه ناس كثيرون في كل حله وترحاله , منهم من يسأله في أمور الدنيا ومنهم من يسأله في أمور الآخرة وهو لا يترك سؤالا إلا أجاب عنه بما يعرف أو لا يعرف , عندما خرج الإمام من المسجد ووراءه أتباعه , وقف لهم صاحبنا مضطرا و همس في أذن الشيخ , فاستأذن الشيخ من صحبه واختلى به , اطمأن صاحبنا إلى تمام الخلوة فقال للشيخ : أنا أكبر إخوتي رجالا ونساء وأنا الوحيد منهم الذي أدى فريضة الحج وأنا الذي تزعَّم فكرة إنشاء هذا المسجد وفي يدي حسابه حتى الآن وفي بيتي صندوق تبرُّعاته وبعد كل ذلك أنت تذكر أخوَي في صلاة العشاء كل ليلة وتنساني ؟ حاول الشيخ أن يعرِّفه أن إبراهيم وموسى الذين يذكرهما في الصلاة غير أخويه هو مرارا وتكرارا , لكن علياًّ أقسم أخيرا للشيخ أنه إن لم يذكره مثل أخويه في صلاة العشاء القادمة طرده من إمامة المسجد وحرمه من الأجر ثم تركه ومضى , ظل ذلك الشيخ مُتحيِّرا في هذا الأمر , ماذا يفعل ؟ إن بقاءه في هذا المسجد فرصته الوحيدة للحياة الكريمة بعيدا عن الغربة وعذابها , لا بد من عمل شيء لابد , أخيرا اهتدى للحل , وقف يصلي بالناس صلاة العشاء فقرأ بسورة الأعلى حتى وصل إلى { إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى } وصمت برهة ثم قال : وأخيهم الحاج علي ثم أتم الصلاة , بعد الصلاة تهافت الناس على الشيخ قائلين له : أنت أضفت للقرآن ما ليس فيه فلم تنزل في القرآن عبارة : وأخيهم الحاج علي , فقال : لا إنها نزلت ولكن بالعصا