مؤتمر الترويض العربي

سياسة واخبار (:::)
تميم منصور – فلسطين المحتلة (:::)
كل من شاهد قادة وزعماء الانظمة العربية يتراكضون بين اروقة وباحات الفندق الذي جمع تحت سقفه مؤتمر القمة السادس والعشرين لاحظ بان العديد من هؤلاء يتعمدون التمسح والدوران حول مندوبي السعودية وبقية دول الخليج للتبرك منهم وابداء البشاشة في وجوههم وصب المزيد من الكذب والنفاق لهم .
حقيقة بان هذه الاجواء المتلبدة بغيوم داكنة من حقبة زمن الانحطاط العربي الذي تتسع رقعته كل يوم لتشمل ارض وسماء كافة الاقطار العربية ، الكل يعرف انه من اقصى درجات الانحطاط هو ابداء النفاق لفئة مصابة بالجهالة والتخلف الفكري والاجتماعي ، أمثال قادة السعودية وبقية دويلات الخليج ، هذا هو السقوط وهذه هي المهانة ، فكل الذين ينافقون امثال السيسي ومحمود عباس وبقية القادة من بشير السودان الى سادس المغرب، يعرفون ان نفاقهم لهؤلاء الجهلة الاذلاء يأتي بالدرجة الأولى على حساب كرامة شعوبهم ، لأن الشعوب التي ثارت على طغاتها لا تقبل الركوع والخنوع لطغاة  يفقدون كل معاني الانسانية واسس الحضارة ، وما هم سوى نعاج طوعية مستسلمة تمت تربيتهم في حظائر للتدجين ، اقيمت في امريكا واسرائيل ولندن ، ان طباع التخلف متأصلة ولا يعرفون شيء اسمه ارادة شعب او شعوب ، مفهومهم لهذه الشعوب هو ابداء الطاعة لأفكارهم السلفية  ، الغيبية والموافقة على عبثهم في الحكم ، لا يعترفون بشيء اسمه نقابات او مؤسسات او اتحادات للطلاب او العمال او اتحادات للأدباء والكتاب وجمعيات ثقافية ، الممنوعات تحيط بالمواطن السعودي ، لدرجة يشعرون انهم يعيشون خارج الزمن والعصر الحالي ، كل ما يمتلكونه هو الاموال لشراء الذمم ولتسخير جيش من شيوخ الضلال كي يقوموا بتغطية انحراف هؤلاء القادة من خلال اصدار فتاوى تشعل نيران الفتن وتمزق نسيج المجتمع ، وتحاصر المرأة وتحلل كل ممارسات ملوك وامراء واعوان دول الخليج في الداخل والخارج، وفضائحهم في دول الغرب وفي البلدان العربية تزكم الأنوف .
ان  مشهد اللهث وراءهم  ومحاولة التمسح بالعباءات ذكرني بمروضي الحيوانات بكل انواعها المفترسة والداجنة داخل حلبة السيرك ، هذا المروض قادر على كسب طاعة وخنوع هذه الحيوانات من خلال استعماله وسيلتين ، الوسيلة الاولى التلويح بعصا او بكرباج يضرب بها الارض او اطراف اجسام هذه الحيوانات ، أما الوسيلة الثانية التي يستعملها المروضون قذف قطعا من اللحم في افواه هذه الحيوانات ، بعد ان تم اقتطاع هذه اللحوم من حيوانات ما هي الا ضحايا تكون مخدرة يستطيع المروض من خداع هذه الحيوانات وتدجينها والتحكم بإرادتها وانتزاع غرائزها مهما كانت طباعها شرسة .
هذا ما تفعله السعودية المدعومة بأمريكا ومن وراءها قطعان الجراء الخليجية الأخرى ، كل ما يقومون به لشراء وترويض عدد من قادة الأنظمة العربية هو قذف المزيد من فتات المساعدات بهدف السيطرة على ارادتهم وتسخيرهم مع دولهم وشعوبهم لخدمة مصالح أنظمة الخليج الفاسدة ، وخدمة المصالح الامريكية والاسرائيلية ، هذا هو وجه الشبه بين مروض الحيوانات في السيرك وبين المروضين في واشنطن والرياض وغيرها .
الشعوب العربية في دول الخليج أحق بهذه الأموال التي يتم العبث بها من أجل تأجيج الفتن الطائفية ومن أجل قمع المرأة ومحاصرة الأجيال الشابة لتشجيعها على الهجرة ، كي تتحول الى قطعان سائبة خارج حدود أوطانها وتقع في شباك عصابات الارهابين ، من القاعدة وداعش والنصرة وتحويلها الى وقود تحرق ما تبقى من مؤسسات ومرجعيات حضارية في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن .
كل من شاهد حالات الفقر والجوع والقرى العارية وزرائب العشوائيات المبنية من الصفيح والمنتشرة حول مدن مكة والمدينة وجدة وغيرها يتأكد بأن مملكة آل سعود التي تحاول تصدير القيم الانسانية لا قيم ولا انسانية فيها ، بل هي عبارة عن سجن كبير لشعب تائه لا يعرف حتى اليوم عدده الحقيقي ، حتى اليوم لم تقم احصائية حقيقية وعلمية مدروسة عن عدد سكان السعودية ، ان حجم ونوع قطع اللحم التي تقذف في أفواه العديد من قادة الانظمة العربية متفاوت بين نظام وآخر ، لأن المقياس الوحيد في هذا التوزيع يعود الى حجم النظام ووزنه النوعي في قدرته على خدمة المصالح السعودية والامريكية .
أغلق مؤتمر القمة في شرم الشيخ أبوابه ، ولكن بقي كل شيء على حاله ، فالاحتلال الاسرائيلي جاثم على صدور الفلسطينيين ، وبقيت امريكا مثل لاعب الشطرنج توزع ادوار جنودها والآت هيمنتها داخل العالم العربي بحرية تامة ، وبقيت عصابات الارهاب تنخر في عظام أمن الشعوب العربية في أكثر من قطر واحد ، وبقيت ايران تواجه خصومها بقوة وحكمة ، الجديد في هذا المؤتمر اقدام امريكا وحلفائها بفتح جبهة جديدة واشعال نيران الحرب الأهلية والعدوان الخارجي على اليمن حتى تكتمل خارطة الدمار العربي ويستمر نزيف الدماء من جسد كافة الجماهير العربية .

اليمن أصبح بقدرة قادر يهدد الأمن القومي العربي ويهدد الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ، الجديد أيضاً في هذا المؤتمر اصدار قرار بإقامة قوة عسكرية عربية مشتركة ومحاولة احياء اتفاقية الدفاع المشترك بعد أن تآكلت وعفى عليها الزمن وغابت عن التاريخ ، القرار بإقامة هذه القوة يذكرنا بقرار مشابه صدر في نهاية السبعينات من القرن الماضي بإقامة قوات الردع العربية لوقف الحرب الأهلية في لبنان ، لكن سرعان ما هربت هذه القوات خوفاً من مواجهة اسرائيل بعد اعتدائها على لبنان ، ولم يبق منها الا القوات السورية التي دافعت عن عروبة هذا البلد وقدمت الآف الشهداء على مذبح وحدته السياسية والجغرافية ، كما يذكرنا أيضاً بقرار جامعة الدول العربية عام 47- 48 بإنشاء جيش الانقاذ من كافة الاقطار العربية لمنع تنفيذ قرار التقسيم ، هناك مثل يقول ، ما أنشأ على باطل فهو باطل ، هذا يعني أن مصير هذه القوة العربية الجديدة لن يختلف عن مصير جيش الانقاذ الذي لم ينقذ احداً بل ساهم في كارثة الشعب الفلسطيني .
الجديد في هذا المؤتمر محاولاته انتشال بعض المصطلحات من ثنايا التاريخ والتي اختفت من القاموس السياسي العربي ، مثل المحافظة على الأمن القومي العربي ، من خلال تدمير اليمن واستمرار المؤامرة على سوريا والعراق والوقوف في وجه ايران لمنعها من تقديم الدعم لمحور المقاومة ، سارعت مصر للركوب فوق حروف هذا  المصطلح  اللفظي من خلال اعلامها معلنة أن مسؤولية مصر هي حماية الأمن القومي العربي ، دون أن تحدد من هو الذي يهدد هذا الأمن ، لكن المقصود هو ايران لأن اسرائيل لم تعد طرفاً معادياً .
السؤال الذي يطرح نفسه ـ كيف يمكن أن تتولى مصر هذه المهمة الاستراتيجية بعد أن حولها حكامها من السادات الى السيسي الى دولة من الدرجة الثانية أو الثالثة ..؟؟ كنا نتمنى أن ينتشلها الرئيس السيسي ويعيدها الى مكانتها الطبيعية ، لكنه أزاحها أكثر عن محور المسؤولية الأولى بسبب تناقضاته وبسبب تبعيته للسعودية ومحورها الرجعي الذي تقوده امريكا ، والذي لا يلائم فكر الثورة التي بفضلها وصل الى السلطة ونال ثقة قطاعاً كبيراً من اليسار القومي في مصر والعالم العربي .