سياسة واخبار (:::)
تميم منصور – فلسين المحتلة (:::)
لا غرابة من قيام الجهات الرسمية والشعبية في بريطانيا بإحياء ذكرى وفاة الزعيم البريطاني المعروف و ” نستون تشرشل ” الذي شغل مناصب كثيرة ، حيث خدم من خلالها بلاده وشعبه ، أهم هذه المناصب وزيراً للمستعمرات بعد الحرب العالمية الأولى ، وقائداً للبحرية ورئيساً لوزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية ، اضافة الى مناصب سياسية أخرى ، هناك الكثير من البريطانيين يعتبرون هذا الرجل اسطورة فيصبح من حقهم احياء ذكرى وفاته بالطريقة التي يرونها ، لكن الغرابة عندما نقرأ في الصحف البريطانية مشاركة شخصيات عربية رسمية من السعودية ومن دول الخليج ومن الاردن قد شاركت هذه الوفود التي قامت بوضع اكاليل من الزهور على ضريح تشرشل المتواجد داخل كنيسة سان مارتن ، بترديد الأسطوانة المشروخة أن ونستون تشرشل القائد والزعيم القوي .
هذا التصرف الأخرق له دلائل كثيرة ، أهمها ان عاهة النسيان وفقدان الذاكرة التي يعاني منها قطاعاً كبيراً من العرب لها ميزات خاصة مغايرة لكل انواع النسيان الطبيعي ، الذي يكون ايجابياً في حالات كثيرة ، أما نسيان العرب فهو كالمقبرة التي يدفن فيها الوعي الحقيقي ومعه يدفن الابداع في صنع الحوادث الايجابية .
الوفود العربية التي شاركت في ذرف الدموع وتخليد ذكرى ونستون تشرشل لا يهمها حتى لو عرفت عن الخدمات التي قدمها هذا العنصري للحركة الصهيونية ، لأن الحكومات العربية التي تمثلها هذه الوفود تقوم اليوم بالتعاطف مع الحركة الصهيونية كما تعاطف معها ونستون تشرشل في حينه ، وتقدم الخدمات لإسرائيل وليدة هذه الحركة كما قدم لها تشرشل عندما كان رئيساً لحكومة بريطانيا في مطلع الخمسينات من القرن الماضي .
ان عظمة تشرشل ودوره السياسي في محاربة النازية ، لكن هذا لم يمنحه شهادة تسقط عنه صيغة العنصرية ، فهو لا يختلف عن هتلر في مثل هذه العنصرية ، فقد التقى الاثنان حول محور واحد وهو كراهيته لكثير من شعوب العالم ، فقد كان تشرشل يحتقر العنصر الآسيوي وكان يكره العرب والسود والهنود والصينيين ، كان يبغض الزعيم الهندي غاندي ، كان يتمنى ان تنشب حرباً اهلية داخل شبه القارة الهندية بين الهندوس وبين المسلمين وقد عبر عن سعادته بعد نشوب هذه الحرب ، كما اجمع كل المقربون له بانه كان يتحيز للجنس الابيض ، لأنه يؤمن بتفوقه العنصري .
اما بالنسبة للعلاقة بين تشرشل والحركة الصهيونية ، كان من اكثر المتحمسين لهذه الحركة ، لإنها عنصرية مثله ، كان يأمل ان يكون بمقدور هذه الحركة تبديد الفكر الشيوعي من اذهان اليهود ، لأنه كان يعتبر الشيوعية عدوه الاول وشيطان من الشياطين البشرية ، عندما زار فلسطين سنة 1921 واثناء توليته وزارة المستعمرات في الحكومة البريطانية ، شاهد مظاهرة للمواطنين العرب احتجاجاً على هذه الزيارة ، فاعتقد في البداية بانهم جاءوا يهتفون له وللترحيب به ، رغم انه كان احد كبار الشخصيات البارزة التي وقفت وعملت على اصدار وعد بلفور عام 1917 ، لكن أحد مرافقيه الذين يتقنون اللغة العربية خيب اماله عندما ابلغه بأن المحتجين يشتمونه ويشتمون الحركة الصهيونية معه .
قابل خلال هذه الزيارة وفداً يمثل المواطنين العرب فقال لهم :
ان اليهود سوف يعملون على تطوير البلاد ، وأن عددهم سيبقى محدوداً وقليلاً في فلسطين ، وقال للزعماء اليهود الذين قابلهم ، لا تصرخوا بأعلى اصواتكم انكم في طريقكم لإقامة دولتكم بمساعدة بريطانيا .. أعملوا بهدوء .
كان تشرشل يفتخر بانه عمل ما بوسعه مباشرة ومن وراء الكواليس لإصدار وعد بلفور وتقديم الخدمات للحركة الصهيونية ، كان يؤمن بأن اليهود قوة عليا بإمكانهم تقديم خدمات كثيرة للعالم ، وكان معجباً بالزعيم الصهيوني حاييم وايزمن ويقول عنه ويشير اليه ” معلمي ” وقد وعده بان بريطانيا سوف تستمر في دعم الحركة للصهيونية مهما كانت الصعاب ، الغريب ان تشرشل استمر في تقد يسه للصهيونية رغم الجريمة التي ارتكبتها هذه الحركة فهي التي كانت مسؤولة عن اغتيال صديقه ( اللورد موين) في القاهرة .
هذه النبذة القصيرة التي تكشف عن فصل واحد من الفصول الخدماتية التي قدمها تشرشل للحركة الصهيونية واسرائيل ، نؤكد بأن هذه الخدمات انعكست عملياً على مصير وحياة كل طفل فلسطيني ثم تشريده من وطنه منذ ان وطأت أقدام الصهيونية تراب هذا الوطن ا لى اليوم، وما تخليده من قبل بعض جهلة هذا العصر سوى ادانة وتعرية جديدة لكافة الانظمة العربية الخارجية عن مسار التاريخ .
هذا السقوط التاريخي يذكرنا برحلة الحجيج التي نظمتها وزارة الخارجية الأمريكية يوم 22/ 2م 2013 لمجموعة من الأئمة المسلمين من عدة اقطار اسلامية الى معسكر ( اوشفتس) في بولندا للصلاة والترحم على ارواح ضحايا المحرقة اليهودية ، وقد وصفت وكالة الانباء الفرنسية هذه الخطوة بالمؤثرة ، من بين الأئمة الذين قاموا بالواجب العجيب والغريب ، أئمة مساجد من فلسطين والسعودية والبوسنة والهند واندونيسيا وامريكا ، في رأيي ان هناك طرق ووسائل اخرى للتعبير عن استنكار المحرقة ولكن ليس على نفقة وبإيعاز من وكالة الاستخبارات الامريكية .