الحب في زمن الهشك فشك

سخرية كالبكاء(:::)
بقلم : وليد رباح – نيوجرسي (:::)
في الزمن الذي مضى .. كانت السرقة عيبا والنصب والاحتيال سبة وشتيمة والغش في البيع والشراء جريمة والعيش من عرق النساء نذالة والحب في الظلام عارا وقتل الاطفال في الحرب جبنا وهدم المساجد والكنائس كفرا وشرب الخمر جنوحا .. اكثر من هذا كان التزيي بزي النساء خنوثة . ولم يكن ( التحشيش) قد ظهر بعد .. ولذا فان المجتمع العربي قد ازاله من مفرداته فلم يصم ( الحشاشين ) بالرذيله.

وكان المجتمع ينبذ اللصوص والقتلة والسفاحين فيقاطعهم .. فكنت ترى ( سارق الدجاج) من اقنانها يشار اليه بالاصبع فيخبىء الناس دجاجهم وصيصانهم او كتاكيتهم في حرز مكين حتى لا ينفذ اليها اللص الذكي الذي كان غالبا ما يتمتع بجسد ضئيل الحجم يمكن ان يمر به من خلال الطاقات الضيقة للاقنان فيرتكب مذبحة ضد الدواجن ثم يذهب الى سوق قرية اخرى لبيعها .

وكثيرا ما كان سارق الدجاج او سارق غسيل الجيران يجلس الى مقهى شعبي لكي يشرب القهوة فيلفظه صاحب المقهى ليفهمه بصريح العبارة ان سارق الدجاج والغسيل لا يشرب القهوة في مقهاه .. وعليه ان يغادر فورا .. فيضطر لص الدجاج ان يبتعد بين نظرات وضحكات الزبائن في المقهى متوجها الى مكان  (آمن) كي يشرب قهوته التي غالبا ما كان يتناولها على الطرقات كالمنبوذين .

ومع ظهور الروك اندرول .. ولبس البنطلون المحزق .. وثقافة الهشك فشك .. والاغاني الهابطه .. اصبحت السرقة مهنة شريفة والنصب والاحتيال ذكاء والغش في البيع والشراء دعاية واعلانا .. والعيش من عرق النساء مشاركة في عش الزوجية والحب في الظلام مسموحا وقتل الاطفال في الحروب مدعاة للفخر وهدم المساجد والكنائس مرغوبا وشرب الخمر مباهاة وتفاخرا والتزيي بزي النساء علامة للرجولة .. اما التحشيش يا سيدي الفاضل فقد اصبح مزاجا جميلا وتغييرا لواقع مأساوي يريد المحشش ان يعيشه بعيدا عن همومه ومشاكله ..

ومع تزايد البنطلونات المحزقه .. اصبح اللص يجلس في المقهى ليجمع حول العديد من المعجبين بغزواته ليحدثهم عن سرقاته للدجاج فحسب .. بل سرقاته للبنوك وكاشيرات السوبرماركت وخلعه الابواب بعد ان يقوده ذكاؤه الى تعطيل ساعات الانذار في هذه الاماكن ليهز له السامعون رؤوسهم لكي يشهدوا على بطولته في ما فعله .. وفي لفتة اخرى .. فان سارق الدجاج لبطولته وافعاله العجيبه يمكن ان يصبح رئيسا للوزراء  بحبك يا حمار .. اوبوس الواوا …واللص حاكما للبشر .. وغدا النصاب والمحتال يرفع عقيرته امام جمع من الناس لكي يحدثهم عن عقله الرائع المتفتح الذي اوقع في حبائله العديد من الناس السذج الذين ذهبوا ضحية عقله وتفكيره و ( فهلوته) واصبح تغيير العلامات التجارية ونهاية صلاحيات الاغذية والغش في البيع والشراء ميزة بين التجار واصحاب المهن بحيث ادرجوا تحت قوائم الابطال الذين يسممون المجتمع  (الاهبل)  ويصرفون بضاعتهم له دون ان يخسروا شيئا .. وقد تجد من يصفق لهؤلاء تشجيعا لهم على ما فعلوه .. اما مسميات عرق النساء والعيش من خلف تعبهن وجهدهن فقد اتخذ منحى آخر بحجة ان الدنيا اصبحت ( غالية) وان نقود المرأة يجب ان تصب في جيب زوجها لكي تساعده على العيش والصرف على البيت والاولاد..  وفي كثير من الحالات اصبح الزوج لا يسأل زوجته عن مصدر النقود التي تأتي بها حتى ولو كانت مصادر محرمه .. كل ما يهمه ان ( يلهف ) رزمة النقود في آخر الشهر اوآخر الاسبوع لكي يكدس المال او يصرفه من عرق زوجته ويعتبر ذلك في نظره ونظر الاخرين حضارة وتكافلا وتضامنا بين الزوج وزوجته .. وغدت الفتاة تبتهل الفرص لمقابلة عشيقها في المقاهي والطرقات والمتنزهات بعيدا عن اعين الاهل والاقارب وتسلم نفسها عند اول كلمة حلوه تسمعها ممن يريد اصطيادها .. اما قتل الاطفال في الحروب واسقاط القنابل الغبية والذكية فوق رؤوس العباد فقد اصبح انتصارا رائعا ضد الارهاب وضد الشعوب ان كانت تعادي حاكمها .. فتمنح النياشين للعساكر على ما فعلوه من قتل وذبل وترتفع قيمة الوسام والنيشان كلما سالت الدماء اكثر .. وفي غضون استشراف الامور حول عالم متغير اصبح التعدي على حرمات الله في المساجد والكنائس امرا معترفا به فيعمد من يخالفون الدين الاخر الى الهجوم على المقدسات وهدمها وتدنيسا بل وحتى تلغيمها وتدميرها ويعتبر ذلك في نظر البعض بطولة فائقه ..
شارب الخمر كانت تبتعد عنه كل فتيات القرية او المدينة لمجرد انه يشرب المنكر .. وكم من شار للخمر امضى عمره عازبا لان الزواج منه عارا وشتيمه . اما اليوم .. فان الشاربين يتبارون كم من الاقداح شربوا .. وكم من البارات زاروا.. وكم من النوادي الليلية اصبحت مستقرا لهم .. وكم من انواع المشروبات تخلط حتى تصبح كوكتيلا يلذ للشاربين ويبعدهم عن الواقع المعاش فيرفعون علامة النصر امتنانا للمنكر ولمن يشربه ِ.

المحزق يا سيدي الفاضل غدا علامة مميزة للحضارة .. واختفت الحطة والعقال والدشداشة والعمامة وكل مايميز الانسان في عصر مضى وانقضى .واصبح التشبه بالنساء يقود الناس الى التصفيق لمطرب ينعق مثلما ينعق البوم وفي اذنه حلق ذهبي يلمع تحت اضواء السهارى  وكأنه نجمة قادمة من السماء وغدت الخنوثة عنوانا للرجوله ..
اما الحشاشون فحدث ولا حرج .. حتى ان بعض الحكومات في الغرب سمحت بتداولة واصبح الحشاشون يتناولون حصتهم اليومية من صيدليات الحكومات مثلما يتناولون دواء الكحة والرشح والزكام ..
انه زمن متغير .. ولم يبق علينا في الوطن العربي خاصة .. الا ان نراجع السلطات لاستصدار رخصة للقتل .. فمن اراد ان يقتل .. عليه ان يذهب للشرطة ويدفع مبلغا من المال كرسوم لاستخراج الشهاده .. ثم يذهب لتنفيذ الجريمه ..

اغلب الظن اننا مقبلون على النهايه .. فالبداية كانت حبا وتعاطفا ورزقا وفيرا وتوادا بين البشر .. اما اليوم .. فالقنابل الذكية والغبية وليس الحضارة الجديدة سوف تقودنا الى الدمار ..