التصنيف : آراء حرة (:::)
بقلم : د . ناجي شراب – فلسطين المحتلة (:::)
قصة الديموقراطية فى تونس بدأت فى مدينة سيدى بوزيد المدينة التونسية التى عانى سكانها الفقر، وغلب عليها الطابع الريفى ، وألإهمال الحكومى وفساده وإستبداده، وبطل القصة هذا التونسى الريفى الفقير محمد بوعزيزى الذى أشعل النار فى نفسه فى 17 ىديسمبر 2010 ، وتصادف هذا اليوم وهو يوم الجمعة وما له من دلالات دينية عميقة ميزت التجربة الدينية المعتدلة فى تونس، وكان هذا الحدث ردا على إهانات حكم ديكتاتورى فقد بعده الإنسانى ، ليضع حدا لذل ومهانة الحكم ، وليؤذن بثورة عارمة فى تونس إنتقلت للعديد من الدول العربية . لكن قصة الديموقراطية فى تونس تختلف ولها أسبابها وخصوصيتها التى لا يمكن تجاهلها ، سواء على صعيد الحالة التونسية الكلية أو خصوصية حركة ألأخوان المسلمين وإستفادتها من الأخطاء التى أرتكبت فى دول اخرى كمصر.حياة بوعزيزى لم تذهب سدى ، وأثمرت نجاحا ديموقراطيا يسجل للشعب التونسى ،. ودرسا ينبغى إستلهامه عربيا وإسلاميا. وقد ينطبق على الحالة التونسية ما توصل إليه الكاتب الأمريكى فرانسيس فوكومايا فى كتابه الأخير النظام السياسى والتفسخ، والذى يستند على مقولة أن الديموقراطية هى التوجه الذى يمضى فيه التاريخ ألإنسانى ، وأن آفاق الديموقراطية ما زالت جيدة عالميا. ويعتمد فى صحة مقولته على تنامى دور الطبقة المتوسطى التى تقود عملية التغيير، وهو ما ينطبق على الحالة التونسية التى تمتاز عن غيرها بوجود هذه الطبقة ألأكثر إستنارة وإعتدالا، وإن كان من أشعل نور الثورة هو بوعزيزى الذى ينتمى للطبقة الكادحة ، لكن من قاد التغيير بعده هى هذه الطبقة . وهو ما يعنى حسب فوكومايا ان ألأتوقراطية الدينية أو الديكتاتورية العسكرية لن تدوم. ومما يلفت الإنتباه لما كتب وينطبق على الحالة التونسية أن الإسلام ليس عدوا للديموقراطية ، وأن ألأحزاب الإسلامية كانت خير مثال للقوى المطالبة بالمشاركة السياسية والكرامة ، وهو هنا يتشبث على مصداقية هذا الإستنتاج على التجربة التونسية ، حيث وافقت الأحزاب الإسلامية المعتدلة والجماعات السياسية العلمانية على دستور توافقى لا يسمح بتقديم الشريعة الإسلامية على سيادة القانون. وهذا هو الدرس الأول الذى يمكن أن نستخلصه من نجاح التجربة البرلمانية ألأخيرة فى تونس، والتى فاز فيها حزب النداء التونسى ب85 مقعدا على حزب النضة التونسية الذى يمثل الأخوان وحصل على 69 مقعدا ، بعد أن حقق أغلبية كبيرة فى الإنتخابات ألأولى بعد الثورة ، وهذا هو الدرس الثانى للديموقراطية التونسية ، انه وعلى الرغم من فوز حزب النهضة فى الإنتخابات ألأولى لم يذهب بعيدا فى التأصيل لحكم أتوقراطى مطلق، بل فهم الحالة التونسية وخصوصيتها ، وان تونس الإعتدال السياسى والدينى لا يمكن أن ينجح فيها حكما أتوقراطيا مطلقا، مما دفعه للقبول برئيس يسارى ، ومشاركة الأحزاب الأخرى فى وضع دستور يعبر عن الحالة المستجدة ، والقبول بمبدأ سيادة القانون، وعدم الإصرار على النص الدينى مما أبعد تونس عن الدولة الدينية الكاملة ، هذا رغم أن الدين يلعب دورا مهما فى تشكيل السلوك السياسى للمواطن التونسى ، لكن ما يميز التجربة التونسية هذا التزاوج بين الدين والدولة والشعب، هذا التزاوج أنتج إسلاما معتدلا من حيث التوجه السياسى ، إضافة إلى عوامل اخرى منها الإنفتاح على الثقافات الغربية ، وعدم التقوقع فى أطر تقليدية للدين وهذا ظهر فى فى فكر السيد الغنوشى ، ونائبه عبد الفتاح مورو، وهذا هو الدرس الآخر للحالة التونسيه، وهو عدم الإستعجال فى الحكم ، كما بدا فى الحالة المصرية . وعليه فإن خسارة حزب النهضة لا تعنى خسارة بالمعنى الدقيق للكلمة ، فهو لم يخسر الإنتخابات ، بل فاز بعدد ليس قليلا بل يؤهله للمشاركة فى الحكم سواء في شكل إئتلاف حكومى ،او كمعارضة سياسية قوية من داخل البرلمان ، مما يكسبه شرعية سياسية كبيرة هو فى حاجة لها فى المرحلة ألإنتقالية ، وأيضا إنتزاع عامل الخوف لدى المواطن التونسى من فوز حزب النهضة بقبوله نتيجة الإنتخابات ، مما يعنى القبول بمبدا دورية الإنتخابات ، ودحض مقولة إنتخابات لمرة واحدة التى روجت لها الأحزاب الإسلامية فى نماذج أخرى كمصر, وهذا هو الدرس الآخر من التجربة التونسية . وأما الدرس المهم من هذه التجربة التاصيل لقاعدة سياسية فى الممارسة الديموقراطية ، وهو الإقرار بان الطريق للوصول للسلطة هو الصندوق الإنتخابى وليس العنف الذى يفقد الحركات الإسلامية وخصوصا ألأخوان أى شرعية سياسية وجماهيرية بتبنيها العنف وسيلة للوصول للحكم، وهو بذلك أى حزب النهضة يؤسس لهذا المبدأ الديموقراطى . ولعل الدرس الأساس من هذه التجربة وهو الإجابة على السؤال لماذا أشعل محمد بوعزيزى نفسه؟ والإجابة إسقاط الحكم الإستبدادى السلطوى العلمانى الذى مثله حكم بن على ، وايضا رفض أى شكل من اشكال الحكم الأتوقراطى المطلقة ، وهنا الإختبار الحقيقيى الذى يواجه التجربة الديموقراطية التونسية فى صورتها العلمانية بمعنى ان تنجح احزاب اليسار والأحزاب العالمانية أن تستوعب التغيرات السياسية التى دفعت تونس للثورة ،وأن الديموقراطية ليست مجرد شعار حكم ، وليست مجرد فوز فى إنتخابات أولى ، بل هى إنجاز إقتصادى ، وعدالة إجتماعية وسيادة للقانون، وهذا يتطلب التحول للدولة لقادرة والناجحة أو السعيدة التى يشعر فيها المواطن بالقبول والسعاد ة من الحكم القائم والإبتعاد عن الفساد الذى كان سببا لقيام الثورة وسقوط الحكم السابق. ومن ناحية أخرى بالنسبة لحزب النهضة وألأخوان إدراك ان الديموقراطية تعنى التوافقية والتشاركية والإبتعاد عن الحكم الأتواقراطى المطلق، وتقديم نموذجا للحكم الإسلامى الحضارى,إدراك ان الحكم صناعة بشرية. وأخيرا لقد وضعت تونس ارجلها على طريق التغيير الصحيح فى مسيرة ديموقراطية طويلة تحتاج تغيرا شاملا فى بنية الحكم ومنظومة القيم الثقافية التى تقوم على المواطنية الواحدة ، ودولة المدنية التى تحقق هذا المبدا، م عدم إنكار اى تأثير للمحددات ألأخرى وفى مقدمتها الدين كما قال فوكومايا أن ألإسلام ليس عدوا للديموقراطية ، وهو المطلوب إثباته من قبل حزب النهضة ، وكل الأحزاب الإسلامية ، وهذا الدرس للأخوان قبل غيرهم. هذه هى الدروس والعبر التى يمكن إستخلاصها من تونس.
دكتور ناجى صادق شراب
drnagish@gmail.com