الرابط : اراء حرة (::::)
نبيل الهتاري – اليمن (::::)
تشهد ثورات الربيع العربي حاليا موجة عارمة من الثورات المضادة التي راحت مصر ضحيتها الأولى حتى الآن وكما امتدت ثورات الربيع من دولة تلو الأخرى يبدو أن ثورات الشتاء العسكري المضادة أيضاً تحاول إعادة السيناريو بشكل معاكس. وبعد الانقلاب على الحكومة الشرعية في مصر نجد المعارضة في تونس تحاول تكرار ذات المشهد ويبدو أنها قد وصلت في تنفيذ خطتها إلى مرحلة متقدمة خصوصاً بعد رفضهم لعرض حزب النهضة بحل الحكومة الذي هو أصلاً يمثل غالبيتها في البرلمان.
استقراءً للواقع تبدو حالة كل من مصر وتونس متشابهة نوعاً ما وإن كنا نأمل ألا يتكرر مشهد الإلتفاف على الإرادة الشعبية في تونس أيضاً. ولكن السؤال هنا لو استمر انتقال عدوى هذه الثورات المضادة فهل ستنجو اليمن منها على الأقل أم إنها ستكون في عداد الساقطين. أظنها ستنجو وذلك نظراً لأسبابها الخاصة التي تحتم استبعاد فكرة الإنقلاب العسكري كخيار للإلتفاف على الديمقراطية. خلال ثورة الشباب السلمية في اليمن حدث انقسام في الجيش اليمني نصفه مع الثورة والآخر ضدها وبذلك أصبح كقوتين متعادلتين على الأرض واستمر الحال كما هو حتى اكتملت عملية التسوية السياسية ومن ثم انتخاب رئيساً توافقياً للبلاد. وتفيذاً لما تم الاتفاق عليه بين كافة الأطراف قام الرئيس التوافقي هادي بإعادة هيكلة الجيش هيكلة كاملة وتغيير كافة قياداته سواءً الموالية للثورة أو الواقفة ضدها. بهذا يكون الرئيس هادي قد حاول القضاء على الولاء الشخصي في قيادات الجيش وعين قيادات توافقية ومثل هذه الهيكلة للجيش لم تحدث طبعاً في مصر وإلا لما عاد إليها العسكر من جديد في رد انتقامي بشع من الديمقراطية والإرادة الشعبية. ونظراً للتركيبة القبلية للمجتمع اليمني نجد أنه في حالة ما إذا فكرت بعض القيادات في الجيش بتدبير انقلاب عسكري فلن يكون الأمر هيناً حيث أن كثير من قيادات الألوية تقدس الولاء القبلي أكثر من أي ولاء آخر وبهذا تصبح قوة الجيش كأفعى اقتلعت القبائل أنيابها وهذا أمر لا نجد له نظير في أي دولة أخرى من دول الربيع العربي.
كذلك مما يمكن أن يجعل اليمن بمنأى عن عمليات الإنقلاب هو أن الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني يمتلك كماً هائلاً من الأسلحة وذلك ما يقارب الـ(60)مليون قطعة سلاح في بلد لا يتجاوز سكانه الـ26 مليوناً والكثير منهم ماهر أيضاً في استخدامه عند الإقتضاء. لو فرضنا حدوث انقلاب عسكري فمن الواضح جداً أن طريقة التعامل معه ستكون مختلفة تماماً عن الطريقة المصرية. عند مشاركتي شخصياً في مظاهرات ومسيرات الثورة الشبابية عام 2011 لا زلت أتذكر مسيرة مؤيدة للثورة جابت شوارع مدينة ذمار وبدلاً من رفع المتظاهرين لافتات السلمية حملوا مكانها البندقية والمسدسات مرددين(سلميه من حق ذمار) حينها لم تعترضهم مدرعات الجيش وعصابات البلطجية ولم تقتل أو تجرح أي مشارك في تلك المظاهرة خلافاً لما كان يحدث سابقاً عند خروجهم بصدور عارية.
ولعل من أهم الأسباب التي يمكن أن تجعلنا نستبعد حدوث انقلاب عسكري أو القيام بحل حكومة منتخبة ديمقراطياً هو أن الإخوان المسلمين في اليمن المتمثلين في حزب التجمع اليمني للإصلاح والمتمتعين بقاعدة شعبية كبيرة لا يبدون أي نية في تشكيل الحكومة بمفردهم وقد فعلوا هذا أيضاً في الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2006 عندما رفضوا الطعن في نتائج تلك الإنتخابات التي كانوا يدركون تماماً تزويرها .على الرغم من أن ذلك التصرف كان تصرفاً استسلامياً تجاه الظالم لكنهم آثروا تفادي التضييق على الحزب وملاحقة قادته إذا ما قاموا بأي احتجاج على نتائج الإنتخابات.
ومما يظهر بجلاء عزمهم على المشاركة النسبية في الحكومة لا التفرد بها هو تقديمهم لمقترح القائمة النسبية – مقاعد البرلمان توزع على حسب ما حصل عليه الحزب من أصوات في جميع أنحاء الجمهورية – لمؤتمر الحوار الوطني الجاري كرؤية لشكل الحكومة وبهذه الطريقة يستطيع أي حزب أن يضمن مقعدا واحداً على الأقل. أظن أن إسلاميي اليمن قد تعلموا كثيراً من إسلاميي مصر واستفادوا من دروسهم وهم بهذا يتجنبون أسباب الفشل ويأخذون بعوامل النجاح.