النقد اخلاق قبل كل شىء

التصنيف: فن وثقافة (:::)
بقلم : بكر السباتين *
مأزق النقد بين الخصومة والتراضي!
رسالة عامة في فهم الوسائل لقبول النتائج بعيداً عن التجريح!
_________________________________
من المتفق عليه مبدئياً أن الكاتب والباحث في أي مجال كان، يعبر عن أفكاره الخاصة التي يتبناها، إما في سياق دراسة موثقة حسب الأصول أو عجالة انطباعية، من خلال منظومة فكرية ينتمي إليها أو تؤثر به؛ كونها تمثل الثقافة السائدة في مجتمعه؛ فيأخذ بها لعدم تمتعه برؤيته الفكرية الخاصة، أو أنه يفتقر إلى أدواتها التقنية ومناهجها المتفق عليها في البحث. ويندرج في هذا الأمر المقال المركز والدراسة الواسعة.
أحد الأصدقاء من الكتاب الذين يمارسون الكتابة على شبكات التواصل الاجتماعي؛ وقد نشرت له رواية بعنوان (سلمى).. ويمتاز في وجدانياته بالبساطة الصوفية والسلاسة.. ولديه محاولات جيدة في كتابة الومضات النثرية ويحسن كتابة المقالة الأدبية القائمة على الموروث الديني الإسلامي في بعض الجوانب والإنساني في جوانب أخرى. إذ تعرض أخيراً هذا الكاتب للنقد والتجريح، من قبل ناقد لم يذكر اسمه، ولا حتى نص المادة النقدية التي يقول بأنه تعرض للتجريح من خلالها (كما هو دارج في مثل هذه المواقف). ويبدو أن الكاتب قد نقل نصاً فكرياً حرفياً على صورة مقتطفات مع ذكر اسم الكتاب فقط، وتركه مبهماً دون الإشارة إلى المؤلف؛ فاتهمه الناقد المجهول بالسرقة الأدبية.
ومن الطبيعي أن هذه الطريقة في اتهام الآخرين جزافاً دون وجه حق؛ يخرج الناقد من صفة العدالة والأمانة والأخلاق لابتعاده عن مبادئ النقد الجاد والبناء. إذ لا بد من التنبيه للكاتب بغض النظر عن توجهاته ومنطلقاته على قاعدة احترام الآخر، وأن لا يكيل التهم دون بينة أو دليل دامغ.

ومن هنا فقط ربما أتفهم انزعاج الكاتب الذي تعرض لهذا النقد الجارح؛ على أن لا يعامل الطرف الآخر بذات الأسلوب الجارح الذي تعرض له!!.
وما دام لم يذكر اسم الناقد موضوع هذا المقال؛ فإنه يفهم من طبيعة الردِ، التعميمَ المبهم. ويبدو أن الكاتب لديه بعض الحساسية من النقد!! ( وهي طبيعة بشرية على الكاتب تجاوزها) الأمر الذي دعاني للتحفظ عن ذكر اسم الكاتب والإشارة إليه فقط بأعماله الجميلة!.
واخترت جعل مادة هذا المقال طرحاً ثقافياً عاماً اعتماداً على تحليل المادة التي رد فيها الكاتب على ناقده؛ من أجل استخلاص العبر والتشجيع على مبدأ ضبط النفس أثناء الحوار بعيداً عن المناكفات.
نتفق جميعاً بأن الناقد في سياق هذا الموضوع قد أجرم بحق الكاتب؛ إلا إذا جاءنا ببيانات تؤكد غير ذلك.
*الكاتب يرد بذات أسلوب الناقد!! تخاصم ينبذه الحوار تحليل الرد الكاتب في رده مارس بعض التجاوزات الأقل حدة حينما وصف ناقده بأنه من زمرة “الجلادين، الذين يحملون سياطهم ويلوحون بها، وكأنهم أصحاب السيادة على الكون، وكأنهم أصحاب الحق المطلق الذي لا يأتيه الخطأ من أمامه أو من خلفه”.
ويردف في ذات الرد حرفياً بأن:
“متعهم التصنيف الجائر الذي يتم حسب أمزجتم و(رؤيتهم الضيقة) للأشياء، هم يحتفظون بخاناتٍ لا حصر لها، مُرقمة، ومرتبة حسب أفكارهم، هم يعتقدون أنهم هم فقط من يستحقون الحياة، والآخرين .. كل الآخرين إن لم تتناسب رؤيتهم وأفكارهم معهم، هم لا يستحقون الحياة، ووجودهم بالنسبة إليهم ضرب من الجنون أو الظلم، هم يعتقدون بأن معنى العدالة لا يستقيم إلا إذا مر بحناجرهم وانزلق من شفاههم ليسمعه الآخرون”. انتهى الاقتباس.
ثم يخلص الكاتب في سياق رده الانفعالي متسائلاً:”(من أين لك هذا الحق)، وكيف واتتك (الجرأة ) على أن تصدح به، على أن تعممه، ومن ثم تجعله شريعة لك وتحاول أن تفرضه على غيرك.” انتهى الاقتباس.
لا حظ بأن الكاتب استخدم كلمات تؤكد بأنه كان في حالة غضب يمكن أن يفهم في سياق التجريح الذي تعرض له من قبل ناقد غير محترف.. مثل عبارة (الرؤية الضيقة) في سياق الجملة التالية” متعهم التصنيف الجائر الذي يتم حسب أمزجتم و(رؤيتهم الضيقة) للأشياء” فكيف حدد الكاتب مستوى تلك الرؤية! وما هي مناهج البحث العلمي المتفق عليها في كل جامعات العالم التي استعان بها للوصول إلى تلك النتيجة؟ لأنها تشير إلى نتيجة يحكم بها على منجز متكامل شكل المصدر الأساسي لرأيه، وليس مجرد جزئية فيه.
كذلك عبارة ” وكيف واتتك الجرأة” ألا يستشف منها غضباً جامحاً أصاب صاحبها بينما كان بوسعه الرد على ناقده بهدوء وتوازن! لأن العبارة (لولا تفهمي لغضبه) تعبر عن فوقية الرد ذاتها التي اتهم بها الكاتب (خصمه) المجهول.
أما الدلالة الأبرز في سياق رده، فهو ما ذهب إليه الكاتب الذي أقدر قلمه الجميل، قائلاً:” إن الأفكار إنما هي تجد حياتها في الموروث الثقافي للآخرين، إن ذلك الموروث هو الرافد الأكبر لنا جميعاً صديقي، إننا نقرأ لنكتسب أفكاراً جديدة، لتتراكم لدينا الخبرات”. انتهى الاقتباس.
فأقول للكاتب معاتباً من باب اهتمامي بكتاباته، وهي رسالة أوجهها أيضاً لكل من يتعرض لنقد جائر أو منصف:
نعم! التراث يعلمنا من خلال التجارب السابقة؛ ولكن أيضاً للمعارف مصادر أخرى.. حتى التراث متعدد التوجهات فلا يحمل لوناً واحداً. كما بين لنا التراث بأن التواصل مع الآخر كان مستمراً في الحضارة الإسلامية فاستقدمت طليطلة التي كانت بوابة التواصل الإسلامي الأوروبي إبان الحكم الإسلامي في الأندلس، المترجمين الذين نقلوا تراث الفلسفة الإغريقية إلى العربية.. وتوقدت المعرفة في كافة العلوم فازدهرت الحضارة الإسلامية.

الناقد وأدواته
على الناقد أن يلتزم بالموضوعية والأخلاق حينما يلجأ لتقييم مادة ما.. بما يمتلك من أدوات، ويتمتع بخبرات تقوم على مناهج البحث العلمي وتراعي مبادئ القياس المفتوحة على كل الفضاءات دون تحيز جهوي أو أيدلوجي، مع إلمامه بموضوع البحث وتمتعه بالقدرات الفنية القائمة أساساً على: اللغة السليمة، ودلالة المفردة في النص، ونسب ما يقتبس(بالضرورة) إلى صاحبه، وهو من أهم الشروط خلافاً لما قاله الكاتب في سياق رده الانفعالي من خلال جملة”لأنني لم أشعر بأهمية ذكره” في سياق النص التالي:
” أزعجني أحدهم اليوم حين اتهمني بسرقة النصوص والأفكار، دون أن يكلف نفسه عناء قراءة العنوان الذي كتبته وهو :مقتطفات من كتاب الفتنة المقدسة.. ولم أشر فيه إلى اسم الكاتب، ربما سهواً، وربما (لأنني لم أشعر بأهمية ذكره)، وربما الأهم من هذا كله أن الكتاب مُتاح ومتوفر على الشبكة العنكبوتية، وكان القصد من وراء نشر هذه المقتطفات هو أن تعم الفائدة للجميع لا أكثر ولا أقل” . انتهى الاقتباس.
فالاقتباس الموثق الذي يشار إليه في فهارس الأبحاث والمقالات المنشورة بتبويب اسم المصدر ورقم الصفحة مع تحديد المنقول بين علامة الترقيم المناسبة (المزدوجين) يراعي حقوق الملكية الفكرية والمعنوية والقانونية لصاحب النص (المؤلف) برعاية الدوائر ذات الاختصاص، كالمطبوعات والنشر، والمكتبة الوطنية في الأردن.. يقابل ذلك في المنتجات السلعية الحاملة للعلامات التجارية التي تجيزها المواصفات والمقاييس في وزارة الصناعة والتجارة في ذات الإطار القانوني..حسب مبادئ النشر وتسويق الكتاب كسلعة تجارية وحق قانوني. من هنا تأتي قدرت الناقد الحقيقي على التقييم الفني والحكم فيما لو كان المنجز الكلي أو الجزئي منه جيد أو سيء.. علماً بأن الأحكام ليست مطلقة وتقع في سياق وجهات النظر وعلى صاحب العمل المنقود أن يتفهم مبدأ الاختلاف.
إن العالم مليء بالأفكار. والخياراتُ في محصلة الأمر ملك للجميع.. ليجتهد الكاتب فإن لكل مجتهد نصيب.. حينما يكون الآخر على حق فلا يعني أنك لست على حق.. المسألة نسبية.. أنت تكتب وعلان أيضاً كذلك.. ولكن عند التفريق بين المنهجين لا بد من التوافق على الاختلاف.. أكتب دون النظر إلى الآخرين (كيف يكونون) فلكل مشروعه وعمقه الخاص وقدراته المتميزة وثقافته وو…إلخ. والذي يطرق الأبواب لا بد أن يستقبل الضيوف ذات يوم؛ فبأي وجه سنقابلهم! بالتخاصم أم بالحوار وتقبل الآخر!؟ هذا مرهون بعمق ثقافتنا وعدم الخوف من المجهول لأن المعرفة والفكر نور يبدد الظلام.. فلا يجب أن نفكر بقلوبنا ونشعر بعقولنا!!

__________________________________________________
*فلسطيني من(الأردن)
رابط المؤلف:
<http://www.bakeralsabatean.com/cms/component/option,com_frontpage/Itemid,1/> http://www.bakeralsabatean.com/cms/component/option,com_frontpage/Itemid,1/