. شاعر العودة هارون هاشم رشيد في ذمة الله – بقلم : بكر السباتين

ضاءات عربية .. ابداعات عربية .. فلسطين
بقلم : بكر السباتين – الاردن \ فلسطين ….
من منا لا يعرفه وصوت العودة في شعره الحماسيّ يقظٌ فينا منذ نعومة أظافرنا ونحن على مقاعد الدراسة في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين.. الشاعر الكبير هارون هاشم رشيد في ذمة الله.. وقد ترك للمكتبة العربية زهاء العشرين ديواناً حتى أطلق عليه الشاعر عز الدين المناصرة بشاعر القرار 194 كونه من أكثر المستخدمين لمفردة العودة..
فكنا نردد أشعاره في صبانا ونحن نُسَمِّعُ قصائدَه المحفزة على الصمود والعودة في حصة المحفوظات.. لا بل كان مدرس اللغة العربية في مدرسة الأنوروا بحي الإشرافية، الأستاذ المرحوم حسني عدوان يردد بعض أشعاره على مسامعنا من باب استعادة مشهد المأساة الفلسطينية في أذهاننا وتحفيزنا على الثورة.. ولا ننسى ما كانت تصدح به فيروز من أغاني تعبر عن نكبة فلسطين من خلال أشعار الراحل الكبير التي تجدد في وجداننا أحلام العودة فاقترن اسمه بكل مدن فلسطين السليبة التي اتسعت أشعاره لأسمائها الحية في ذاكرة لا تبور.. وتعتبر قصيدته: مع الغرباء التي غنتها فيروز، المكتوبة عام 1951 والتي تحمل اسم ديوانه الأول ( الصادرعام 1954)، من أجمل ما كتب في يافا، لحرارتها المترعة بالدموع السخينة وجمال صورها وصدق مشاعرها الطفولية، حيث يقول فيها :
أبي…
قل لي بحق الله
هل نأتي الى يافا؟
فأن خيالها المحبوب
في عيني قد طافا
أندخلها أعزاء
برغم الدهر.. أشرافا؟
أأدخل غرفتي.. قل لي
أأدخلها، بأحلامي؟
وألقاها، وتلقاني!
وتسمع وقع أقدامي!
أأدخلها بهذا القلب؟
هذا المدنف الظامي.
لقد تغنى بشعره كل من: فيروز، فادية كامل، كارم محمود، ومحمد فوزي.
إنه شاعر الخيمة والبيارة والعودة، تنثال من قصائده مزامير الغربة والحرقة والمعاناة، وإن كانت خاتمة القصيدة عنده تستشرف الفرح والتفاؤلية وتبشر بالعودة وتبرمجنا على الإيمان بحقوقنا وتعكس فينا قوة نبرتها التي لا تلين. وهو من أوائل وأكثر الشعراء الذين حملوا المدن والرموز الفلسطينية في قصائدهم خاصة يافا. ولكثرة ما غنى يافا في أشعاره، ظنه بعض الكتاب أنه من مواليد يافا، وهو ابن حارة الزيتون في غزة. ولقد غنى شعراً لمن يحملون الهمّ الفلسطيني.. قرابة السبعين قصيدة وأنشودة، تجسد مزامير الأرض والدم، وتنشد يومياً في الحزن والصمود، وتبشر بثورة الحجارة وأحلام العودة.
ونعت وزارة الثقافة الفلسطينية، الشاعر الوطني الكبير هارون هاشم رشيد، الذي وفاته المنية في مغتربه في كندا اليوم 27 يوليوا 2020 عن عمر ناهز (93 عاماً) قضاها مناضلاً ومكافحاً ومثقفاً كبيراً.
وقالت الوزاة في بيانها على لسان وزيرها عاطف أبو سيف: إن رحيل الشاعر الكبير هارون هاشم رشيد، خسارة للثقافة الوطنية الفلسطينية والعربية، وتخسر فلسطين رمزاً من رموزها الإبداعية وعلماً من أعلامها النضالية الكفاحية، الذي كرس حياته وعمره من أجل الحرية والخلاص والعودة.
وقال أبو سيف: عزاؤنا بالفقيد الكبير ما تركه من أثر وإرث كبير في الثقافة والشعر والوعي، للأجيال التي تحفظ اسم المناضل والشاعر، الذي رهن حياته من أجل قضايا شعبه ووطنه.
وكانت وزارة الثقافة الفلسطينية، اختارته شخصية العام الثقافية في العام 2014 تقديراً لدوره الفاعل والكبير في سبيل إعلاء قضية شعبنا الفلسطيني الثقافية والسياسية.
الراحل الكبير، شاعر فلسطيني، من مواليد مدينة غزة، حارة الزيتون، عام 1927م، وهو من شعراء الخمسينيات الذين أطلق عليهم اسم شعراء النكبة أو شعراء المخيم، ويمتاز شعره بروح التمرد والثورة وكان يشغل منصب مندوب فلسطين المناوب بجامعة الدول العربية.
التقت به مجلة المجتمع الكويتية في يناير 2007.. وطرح عليه سؤال “أين تجد نفسك الآن.. في أشعارك.. أم في عملك السياسي.. أم في قصائدك المغناة.. أم في خنادق المجاهدين؟” فأجاب بكل عفوية ابن المخيم المتحفز دائماً على المواجهة:
تجدني في كل قصيدة وأنشودة، وتجدني في كل حجر رمى به طفل أعزل ليواجه “الميركافا” و”الأباتشي” و”صواريخ الليزر”.. ولقد غنيت معه قديماً..
وكان قد عبر عن ذلك من خلال أشهر قصائده التي قال فيها:
“أنا لن أعيش مشرداً.. أنا لن أظل مقيدا
أنا لي غد، وغداً سأزحف ثائراً متمردا
أنا لن أخاف من العواصف وهي تجتاح المدى
ومن الأعاصير التي ترمي رماداً أسودا
أنا لي غد، وغداً سأزحف ثائراً متمردا
وطني هناك ولن أعيش بغيره متشردا
داري هناك وكرمتي تهفو ويهفو المنتدى
سأعيده وأعيده وطناً عزيزاً سيدا
وأزلزل الدنيا به وأسير جيشاً أوحدا”
وترك هارون هاشم رشيد للمكتبة العربية عشرين ديواناً ورواية واحدة وثلاث دراسات وجاءت على النحو الآتي:
أولاً: دواوينه:
– مع الغرباء – الديوان الأول (القاهرة 1954م). وقد اختار منها الاخوين رحباني عندما زارا القاهرة بدعوة من إذاعة صوت العرب عام 1955 قصيدة جميلة هي حوارية بين فتاة فلسطينية من اللاجئين واسمها ليلى وبين والدها بالإضافة لقصيدة سنرجع يوما وجسر العودة فغنتهما فيروز وتم تسجيلها بالقاهرة ضمن باقة من 48 عملا تم إنتاجها في تلك الرحلة.
– عودة الغرباء (بيروت، 1956م).
– غزة في خط النار (بيروت، 1957م).
– أرض الثورات ملحمة شعرية (بيروت، 1958م).
– حتى يعود شعبنا (بيروت، 1965م).
– سفينة الغضب (الكويت، 1968م).
– رسالتان (القاهرة، 1969م).
– رحلة العاصفة (القاهرة، 1969م).
– فدائيون (عمّان، 1970م).
– مزامير الأرض والدم (بيروت، 1970م).
– السؤال – مسرحية شعرية (القاهرة، 1971م).
– الرجوع (بيروت، 1977م).
– مفكرة عاشق (تونس، 1980م).
– المجموعة الشعرية الكاملة (بيروت، 1981م).
– يوميات الص
مود والحزن (تونس، 1983م).
– النقش في الظلام (عمان، 1984م).
– المزّة – غزة (1988م).
– عصافير الشوك / مسرحية شعرية (القاهرة، 1990م).
– ثورة الحجارة (تونس، 1991م).
– طيور الجنة (عمان، 1998م).
– وردة على جبين القدس (القاهرة، 1998م).
ثانياً:- أعماله الروائية:
سنوات العذاب (القاهرة، 1970م).
ثالثاً:- الدراسات:
– الشعر المقاتل في الأرض المحتلة (صيدا، 1970م).
– مدينة وشاعر : حيفا والبحيري (دمشق، 1975م).
– الكلمة المقاتلة في فلسطين (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973م).
وأتقدم إلى عائلته وإلى جميع المثقفين والكاتب والشعراء الفلسطينيين بالتعازي والمواساة، برحيل شاعر العودة والحرية هارون هشام رشيد.. ولتصدح قلوبنا بشعره المحفز على العودة والصمود حتى تحرير البلاد من دنس الصهاينة المتجبرين على حقوقنا التي دافع عنها الراحل الكبير حتى وفاته.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.