تهب الرياح من كل اتجاه : هكذا افكر انا – بقلم : ادوارد جرجس

آراء حرة …
بقلم : إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك
ذهبت إلى إحدى دور السينما تحت إلحاح من أحد الأصدقاء بحجة إنني يجب أن أرى الجديد في عالم الفن في مصر ، ولأنني لم أشاهد السينما في مصر منذ فترة طويلة قبلت، للأسف أمضيت أكثر من ساعتين وأنا أشاهد أحد الأفلام لممثل شاب جميل ، لكن ماذا يريد أن يقول الفيلم أو مخرجه أو حتى ديكوراته حتى الآن لا أعلم ، وربما أعرف بعد مرور عدة أشهر مثل الصعيدي الذي لا يضحك على النكتة إلا بعد مرور عدة أيام ، وقد تكون مجرد لمحة سريعة أن أقول أنه بالرغم من فخامة دار السينما إلا إن عادة قزقزة اللب لا تزال تحتل مكانها وبالتأكيد قشوره تندفع من الفم لتلتصق بأي شئ في طريقها !!! . هذا الفيلم الذي لم أخرج منه بأي مفهوم  سوى ضوضاء الموسيقى التصويرية ، أعادني إلى سينما زمان وبمعنى أصح إلى الفن زمان . كم أسفت أن أبناء الأجيال الجديدة لا يعرفون نجوم الزمن الجميل ، نعم من الطبيعي أن تحدث عملية ” إزاحة ” لكل قديم كلما مرت السنون ، لكن لصالح من يتم الآن إزاحة نجوم ونجمات ” زمن الفن النجوم ” . الحقيقة في كل هذا ليس البكاء على تاريخ مصر السينمائي الذي يغيب عن أذهان المصريين الآن رويدا رويدا وهو أمر جدير بالبكاء ، لكن أبكي حقا على ما كان يمثله هذا الفن من أهمية ، وما كان يلعبه من أدوار وما كان يحمله من قيم ، فنحن ننسى غالبا تلك الموارد التي عرفنا الوطن منها ورأينا الوطن فيها وأحببنا الوطن من خلالها ، ننسى كيف بكينا مع أغنية ” بلادي يا بلادي أنا باحبك يابلادي ” في فيلم ” العمر لحظة ” ، وننسى تلك الحماسة التي كانت ترفعنا إلى سماء الوطنية في ” وطني حبيبي الوطن الأكبر ” ، وننسى تلك الحالة من الزهو والفخار التي كانت تدب في أوصالنا جميعاً حينما نسمع ” أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع رأسه بعدي ” ، وننسى تلك المنظومة الراقية التي كانت تتسرب إلينا من أفلام ” الزمن الجميل ” من حب الخير وكراهية الشر والعمل على نجدة الملهوف وإغاثة المظلوم ، ننسى تلك الضحكات الصافية التي كانت تجرها إلى قلوبنا أفلام إسماعيل ياسين ، وننسى هذا الغضب المصحوب بالحب كلما رأينا ” في بيتنا رجل ” ، وننسى تلك الرومانسية الحالمة المشبعة بالروح النضالية التي زرعها فينا فيلم ” رد قلبي ” ، وننسى أن حالة الرفض لكل ما هو زائف دخلت قلوبنا على يد ” سواق الأتوبيس ” أو ” كتيبة الإعدام ” . ننسى أيضا من ضمن ما ننسى أننا لم نر الوطن إلا في تلك الأغنيات ، ولم نشاهده في مراحل كفاحه إلا من خلال تلك الأفلام ، ولم نعرف ملامحه أو تاريخه إلا من خلال هذه المشاهد ، فبماذا نضحي ؟ ، ولصالح من ننسحب ؟ ، وكيف ولا نشعر بالعار ونحن نرى وطننا ومعالمه ورموزه ينسحبون من حياتنا يوما بعد يوم ، حتى نصير أغرابا ويصير الوطن غريبا ، ونتحول إلى كائنات بالية يسكنها الموات ؟ . سألني صديقي بعد أن خرجنا ، ماذا أعجبك في الفيلم ، ابتسمت قائلا ” صوت قزقزة اللب ” .
edwardgirges@yahoo.com