اراء حرة ….
بقلم : إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك ….
وكانت حرب اكتوبر وكنت ضابطاً بالقوات المسلحة في ذلك الوقت ، السادس من اكتوبر عام 1973 وذكريات مشرفة ومؤلمة في ذات الوقت ، مشرفة وقد نَكَس الصهاينة رؤوسهم وانكسر شموخهم الذي بدأ في الخامس من يونيو والذي من باب التدليل أُطلق عليه نكسة وهو في الحقيقة لم يكن سوى هزيمة مرة وذكريات مؤلمة والموت يحصد ألاف الشباب خلال حرب الاستنزاف وحتى يوم الانتصار ، شهداء ذهبوا عند ربهم وبدمائهم رفعنا الهامات وعادت راية مصر ترفرف فوق ما سلبه العدو . السادس من اكتوبر لم يكن محض صدفة ولا مقامرة ، بل كان خطة محسوبة بكل دقة وباليوم والساعة والأمانة تقول أن التاريخ لن ينسى للرئيس السادات هذه القفزة الجبارة فوق الغطرسة الصهيونية والأميركية معاً ، نعم عقلية داهية عرفت كيف تخطط وتضرب الضربة التي جعلت من خط بارليف أضحوكة بعد إن قارب أن يوصف بأنه أُعجوبة ثامنة . إن مجرد المقارنة بين ما حدث في الخامس من يونيو عام 1967 والسادس من أكتوبر عام 1973 يكشف الفارق الكبير بينهما ، فبالرغم من اننا في 1967 كنا نملك زمام الأمور إلا أن عشوائية التخطيط والاستهانة الغير مبررة أدت إلى هزيمة غير متوقعة وفي وقت لا أحد يفكر فيها أو يخشاها ، بعكس ما حدث في اكتوبر من تكتكة حربية تُدَرس حتى الآن في الكليات العسكرية . لا أحد يصدق أن رصاصة كانت يمكن أن تخرج في ذلك الوقت ، كنت أمزح مع أحد جنودي ونحن نقف على ضفة القناة في منطقة القنطرة وهو يسألني أجازة لمدة 48 ساعة لأنه تزوج منذ فترة قريبة ولم يمض مع زوجته سوى عدة أيام ، كنت على وشك الموافقة عندما رأيت جندي اللاسلكي يجري في اتجاهي لأن قائد الكتيبة يطلبني ، إستعدوا بالقوارب المطاطية ، وما هي إلا لحظات حتى امتلأت السماء بضجيج يصم الأذان والنفاثات تمضي كالسهام في اتجاه العدو ويتبعها من الأرض من خلفنا صواريخ ” فهد ” تدك مواقعه ، في ثوان اختفت السماء والأدخنة تتصاعد لتقول أن سيناء تحولت إلى جهنم وصدرالأمر بالعبور ، وكما تغطت السماء بالأدخنة اختفت مياه القناة أسفل القوارب المطاطية ، لم ولن أشاهد ما شاهدته في ذلك اليوم والجنود يتسلقون خط بارليف بخفة ومهارة عجيبة بالرغم من أن بعضهم كان يحمل الأسلحة الثقيلة ، فوق خط بارليف توقفنا لنلتقط أنفاسنا وننظم أنفسنا ونستعد لملاقاة جنود العدو ، كدت أصاب بالذهول وأنا أجد الطريق خاوياً ، سرت وأنا أنظر نحو الجنود ووجدتهم جميعاً يسيرون كما لو كنا في نزهة ، البعض أعاد سلاحه إلى كتفه والبعض أخرج الراديو الترانزستور ليسمع ما تقوله الأخبار ، سرنا عدة كيلومترات وأتت الأوامر بالتوقف ولم نطلق طلقة واحدة ، وقد يسأل البعض كيف ؟ سأجيبه هذه هي عبقرية السادات ، لقد كان السادس من اكتوبر هو ” عيد الغفران ” عند اليهود ، والعاشر من رمضان ، فلم يتوقع الصهاينة الهجوم ، كان هذا هو اليوم الأول والليلة الأولى من حرب أكتوبر المجيدة . مجرد كلمات ، نعم لا شماتة في الموت ، لكن هل المطلوب أن نقدم العزاء عند رحيل من اغتسلوا بدماء الشهداء ؟! هل هي سياسة ؟! فكري الذي احترمه يقول أنها تعاسة !!!!
edwardgirges@yahoo.com