فن وثقافة (:::)
بقلم : شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة (:::)
في أحدى المدن الأوروبية ظهر فجأة على أحد جدران البيوت خيالاً لرجل علق على مشنقة ، لم ينتبه أصحاب البيت لخيال الرجل المعلق ، لكن أحد المارة أنتبه وقام بالتقاط صورة للخيال الذي تحول الى حديث أهل المدينة ، وقد تبين أن الأرض التي أقيم عليها البيت كانت قديماً ساحة معدة للشنق ، وقد حير الظل الذين يؤمنون بالأرواح والأشباح والخوارق ، لأن اسقاط خيال على جدار لم يحدث أبداً .
اذا كان خيال الرجل المشنوق قد أدهش أهل المدينة الأوروبية ، فخيال انتفاضة السكين لم تدهش الشارع السياسي والاجتماعي ، التوقيت كان جاهزاً لعرض مسرحية المفاوضات الفاشلة – الثوب الأبيض الملطخ بالدم – والذي لم يحجز تذكرة لعرض المسرحية ، كان يعرف في أعماقه أن النار تحت الرماد وأن المسألة فقط تنتظر اغلاق باب المسرح حتى يبدأ العرض الدموي .
أي محلل اسرائيلي يحاول أن يرتدي ثوب البراعة وقراءة المستقبل ويتخلى عن عنجهيته يعرف أن هدوء اليوم قد يتحول الى عاصفة غداً ، يعرف أن لا بد أن يجف حبر التوقيعات وتتمزق الأوراق ، لكن المفاجأة أن يصاب المجتمع الاسرائيلي بالدهشة ، أن لا يحاولوا قراءة ما بين سطور الاغلاق والحواجز والبطالة والضيق والخنق والفقر والأفق الضيق ، ومصادرة الاراضي وبناء المستوطنات وسرقة المياه واقتحام وتهديد المسجد الأقصى ، والأهم الاستخفاف الكامل بالقيادة الفلسطينية وامتصاص آخر نبض من كرامتها وعزتها ووجودها ، ومسح وجهها عن خارطة الاحترام السياسي ، حتى حولت اسرائيل القيادة الفلسطينية الى محلول لتنظيف عدساتها اللاصقة الملونة ، فكلما قامت بفعل عسكري وكان هناك رد فعل فلسطيني تلجأ الى محلول السلطة لكي تنظف نظرها الاحتلالي .
ثقافة السكين ، هبطت على الشعب الفلسطيني من خلال قراءة موسوعات الاحتلال والقمع والكبت والتعنتر العسكري عالفاضي والمليان ، لا احترام لقراهم ومدنهم لا احترام وكرامة لشيخ وشاب وطفل وامرأة وعجوز ، من خلال الخوف والمداهمات والجوع والفقر والحرمان والمطاردة والأسر ، من خلال السنوات التي يزرعونها أملاً فيخرج الثمر لعنات واستيطان والأدهى فرق المستوطنين التي تنتهك حرمة الأرض والبيوت والبشر ، اهانات وحواجز اذلال .. ولم يحاول أي من المسؤولين الاسرائيليين قراءة دستور الحياة – وماذا بعد – الى متى ؟؟؟
اعترف أن الوضع الدموي قد لا يخضع للقراءات السياسية ، وأن الجالس في قصره ليس كمثل الجالس في بيته المهدد بالهدم أو أرضه بالمصادرة ، وأن ( كلام القرايا يختلف عن كلام السرايا ) لكن حين تفرض السنوات وجعها واحتلالها وغرورها وتلقي بظلالها على الواقع الذي يزداد صعوبة ، وكلما انتظروا بزوغ الأمل ، يأتي من يحرق ويهدم ويدنس ويصادر ويقلع شجر الزيتون ويسرق المياه ، قد تتبعثر الصفحات وتجبر ساكني القصور السياسية على النزول الى ساحات ساكني أكواخ الشعب .
خلال هذه الأيام الدامية وسيطرة السكين على المشهد اليومي ، حتى أصبحت أنظر الى السكين كنفق جديد ندخله حسب أوامر سيد الاحتلال ، لم نشهد صوتاً صارخاً يقف ويقول آن الاوان أن نجلس ونفكر بإيجاد الحلول ، هناك تغاضي ومحاولة تجاهل الآخر ، كأنه ليس موجوداً ، أو كأنه ولد هكذا وعليه أن يتحمل ؟ ولم يتعلموا من كتب التاريخ أن للشعوب قدرة على الاحتمال والصبر ..!! وأن ميزان حرارة صمتها وسكونها قد يتحول يوماً الى سكين يطعن به الذي يجبره على الصمت ..! كم يهودياً سأل نفسه ..كيف لشاب يتمتع بالجمال والاناقة يسعى للموت ، يأتي وهو يحمل التصميم على الطعن ثم يُقتل .؟ كم يهودياً تساءل لماذا يندفعون هؤلاء الشباب نحو الموت بهذه الطريقة المفتوحة دون خوف ، على الملأ وأمام الرصاص ؟ وهو يعرف أن السكين لا تقاس بالسلاح الجاهز وعلى أهبة الاستعداد ؟
رقصة السكاكين مرحلة جديدة على الوسط اليهودي ، حتى أصبحت ظلاً للخوف الكامن في كل مكان ، ليس وراء شجرة وجدار فقط ، بل قد تنطلق الرقصة في أي لحظة وفي أي مكان ، واذا كما يقولون هناك بعض التضخيم والتزييف في الصور والسكاكين والوضعيات من قبل الاسرائيليين ، لكن هناك مرحلة انطلقت لا يستطيعون حذفها ، حتى الخوف صرخ حين مرت احدى السيارات التجارية في شارع في مدينة القدس ملصق عليها صورة سكين ضخمة تقطع حبة البندورة ، فطلب الجمهور نزع الملصق الضخم لأنه يؤثر على مشاعرهم ، ويخيفهم ، فكان نزع الملصق ، وقد تتحول السكاكين في المحلات التجارية الى قسم خاص يراقبه أحد رجال الأمن ، ويصبح شراء السكين مثل شراء الممنوعات ، وبالطبع لن يعود الصبيان الذين يبيعون الملاقط والسكاكين وفوط المطبخ الى البيع والتنقل بحرية في الطرقات وعلى المفارق ، لأن السكاكين ستكون مراقبة .
عندما فتحت جارور مطبخي ووجدت السكاكين مكومة من الصغير الى الوسط الى سكين ذبح الخراف التي يشحذها زوجي دائماً ، أيقنت أنني قد أكون أقوى من القبة الحديدية التي ينصبونها كلما أرادوا استعراض عضلاتهم الصاروخية .
من راقب صفحات التواصل الاجتماعي في الوسط اليهودي يعرف أن ارتفاع وتيرة الحقد ضد العرب في ازدياد ورفع منسوب التحريض والكراهية واطلاق شعار الموت للعرب أصبح من كلاسيكيات اليمين الذي يتوج أقوله وأفعاله الوزراء والمسؤولين ورجال الأحزاب .
صحيفة ( هآرتس ) أكدت مواقع التواصل الاجتماعي تحمل كمية مخيفة من الحوارات والتعليقات والعبارات التي تطالب الموت للعرب ، وأن الخطاب التحريضي كان هو السائد في جميع الصفحات ، حتى وصلت بالبعض أن كتبوا ( كراهية العرب ليست عنصرية بل قيم ) .
لا أحد يصغي ..! لا أحد يريد أن يسمع آهات وأوجاع الآخر ! لا يريد أن يعرف أن في النهاية لا بد أن تتحقق أحلام الشعوب مهما طال الزمن ..!! لا يعرف أن القوة لا تأتي بالهدوء ..!
في مدينة ميلانو الايطالية هناك قانون يجبر المواطنين على الابتسام في كل الاوقات والا دفعوا غرامة مالية ويستثنى من ذلك أوقات الجنازات وزيارة المرضى في المستشفيات .
واسرائيل تريد من الفلسطينيين الابتسام دائماً للاحتلال حتى لو صادر وحرق وضرب وداهم واعتقل .. ابتسموا فالاحتلال حلو ..