شجرة العائلية تنمو وتزدهر في تربة الانتخابات

اراء حرة (:::)
بقلم :  تميم منصور – فلسطين المحتلة(:::)
الأسرة ، العائلة ، الحمولة ، القبيلة ، جميعها أطر بشرية ومركبات اجتماعية و جزءاً لا يتجزأ من قاموس حياتنا اليومية ، وعلى مر الأزمنة السابقة ، لقد خصصت كتب علم الاجتماع مساحات كبيرة للأسرة وتاريخها ونشأتها وتطورها ، من دراسات وأبحاث ومقالات ، جميعها أكدت أنها  هي النواة الأولى للحمولة وحتى القبيلة ، فالحمولة او القبيلة عبارة عن دوائر من الأسر تلتقي حول محور الرابطة العصبية ، ونجد أن قوة هذه الرابطة متفاوتة بين حمولة وأخرى ، فمنها ما تكون خيوط الترابط دقيقة وضعيفة بسبب القدم وتعدد الأجيال ، ومنها ما يعود ضعفها الى وجود خميرة من الوعي الفكري الاجتماعي ، ومنها ما زال يتمسك ويمد الجذور ليكبل الاجيال بالحمولة أو القبيلة ، ثم تستيقظ بسرعة لتقطف ثمر تماسكها .
جذور الشجرة الحمائلية داخل مجتمعنا تدخل في دور السبات بين كل دورة ودورة من انتخابات السلطات المحلية ، باستثناء القرى والمدن التي يتواجد فيها احتراباً بين الحمائل خاصة في قرى النقب ، ولكن مع اقتراب هذه الانتخابات تعود البراعم لتزهر من جديد ، بسبب تحرك عصارة الانتخابات داخل فروعها ، وخلال المعركة الانتخابية تزداد فروع شجرة العائلية صلابة ، وتزود نفسها بالأشواك والحراشف كي يهابها الآخرون .
هذا ما يسمى بلغة العائلية ” تلاحم حمائلي ” وهو خوض معركة الانتخابات دون الرجوع الى قاعدة فكرية وبرنامج سياسي ، ينعكس على خدمة المواطنين جميعاً ، في موسم الانتخابات ترفع شعارات ليست حضارية من قبل غالبية الأطر العائلية ، أما أن تكون هذه الشعارات مأخوذة من نبع القوة والاستمراية تأثراً من هزيمة سابقة ، أو لإثبات ذات ووجود الحمولة في قدراتها على التأثير والهيبة والهيمنة أو لخدمة مصالحها .
من المؤسف أنه من بين الذين يحركون دولاب العائلية ، خاصة في موسم الانتخابات للسلطات المحلية هم الشباب المثقف والاكاديمي ، الذين جّيروا الحمائل من أجل خدمة مصالحهم الخاصة ، وبات من المؤكد بأن ازدياد عدد الاكاديميين والمثقفين داخل مجتمعنا لم يضعف من شوكة العائلية والتعصب ، بل ازداد الارتباط بالحمولة بوجهه السلبي ، رغم أننا نعيش في دولة تهضم حقوقنا وتحاول تمزيقنا وتشتيتنا وتصادر ليس فقط الأرض والذاكرة ، بل تصادر حقنا في العيش ، لكن مجتمعنا مصاب بداء العائلية  ، هذا الداء الاجتماعي المقلق لأسباب كثيرة ..نذكر منها :
1- انعدام المفهوم الثقافي الذي يقدس خصوصية الفرد ، وبالتطلع الى قدراته الذاتية قبل التطلع الى انتمائه الأسري أو العائلي ، كما أن ثقافة الرابطة والعلاقة بين المواطن على أساس فردي أو حركي أو حزبي وفكري لا زالت في طورها الأول ، فغالباً ما تكون الرابطة العائلية أو الطائفية أقوى من كل الروابط الأخرى .
2- ضعف الاحزاب السياسية العربية والحركات الوطنية المختلفة ، لأن هذه الأطر لا تملك الاليات التي تساعدها على مكافحة آفة العائلية خاصة في مواسم انتخابات السلطات المحلية ، ولا نبالغ اذا قلنا بأن غالبية هذه الأحزاب تقطر وراءها العديد من الأطر العائلية للوصول الى غاياتها ، أو تقطر نفسها وراء هذه الأطر وتصبح جزءاً منها ، فتفقد بريقها الحزبي وفكرها التقدمي المناهض للعائلية .
3- ان غالبية المواطنين العرب الذين يعيشون داخل قراهم ومدنهم ، يعانون من الفراغ الاجتماعي بسبب عدم توفر المؤسسات والأطر التي تنتشل الاجيال الشابة من هذا الفراغ ، ففي ظل وجود هذا الفراغ يزداد العنف الذي سريعاً ما  ينتقل من الأفراد التي ترى في  الحمولة  قوة ودرعاً حديدياً خاصة عند  الصدام ، وهذا بدوره قابل لتقوية التلاحم داخل أفراد الحمولة اما للدفاع واما للانتقام أو للحماية .
4- الذي يزيد من صلابة عود العائلية زواج القرابة وهو بمثابة الرئة التي تحافظ على روح التأطير الحمائلي بكل مفهومه السلبي لأنه يزيد من التلاحم بين أبناء الجد الواحد ، كما يقلل من الانفتاح باتجاه الأطر والعائلات الأخرى ، ويزيد من التعصب الأعمى المبنى على اساس انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً – ناهيك عن المردود السلبي لهذا الزواج من الناحية الصحية –  .
5- عدم اقامة قرى ومدن عربية جديدة على اراضي الدولة ، وهي بغالبيتها صودرت من المواطنين العرب ، كما هو الأمر في المجتمع اليهودي ، هذا بدوره يؤدي الى تراكم الاجيال فوق بعضها البعض في جيتوات داخل المجتمع العربي ، لأنه لا يوجد هجرة محلية ومن الطبيعي ان تتوارث هذه الاجيال التعصب للحمولة وتزيد من قوة وجودها وفرض هيبتها .
6- هذا السبب خاص بالمواطنين العرب في اسرائيل وله علاقة بمعادلة تركيب الاسم الشخصي للمواطن ، نظام التسجيل في الدولة مغايراً لما هو متبع في بقية دول الشرق الأوسط ، من حيث الاسماء في الوزارة المختصة بذلك ، هذه الاسماء يتم تسجيلها حسب الطريقة الاوروبية ، وهذا متبع أيضاً في المجتمع اليهودي ، الاسم يبدأ بالحمولة او الجد الأول يليه الاسم الشخصي ، حتى لو كان الجد الأول بعيداً أو مجهولاً ، وحسب هذا التقويم في تسلسل الاسماء يسقط اسم الاب والجد وحتى الجد الثاني ، وعندما يرتبط حوالي الف مواطن في قرية معينة او مدينة او أي تجمع سكاني باسم جد واحد ، يصبح هذا عاملاً مساعداً لالتفاف افراد هذه الحمولة حول بعضهم البعض ويرى افرادها بأنهم اقارب يتحتم عليهم التكاتف خاصة في معركة الانتخابات ، خاصة انتخابات السلطات المحلية .
7- انتخابات السلطات المحلية نفسها وبالطريقة والاسلوب التي تتم به داخل قرانا ومدنا تبقى الحاضنة التي يفقس تحت اجنحتها ما يسمى بالتعصب العائلي على الخير والشر وان مساحة هذه الحاضنة آخذة بالازدياد ، نتيجة رفع سقف الحمولة حين تصل لرئاسة السلطة المحلية ، فالعائلة العربية تجد الفخر بهذا الانجاز ، لأن انجازات العائلة مفقودة ، وكرسي السلطة انجاز هام وقيمة عليا .
هذه هي الحوافز التي نلتقي على فوهتها  حمم العائلية ، العشائرية ،  في رأيي أنه لا يمكن اطفاء هذه الحمم الا السباحة في بحيرة الوعي والتلاحم الوطني والقومي ، السباحة مع التيارات السياسية الوطنية البعيدة عن الأطر العائلية و الطائفية ، والا فأن هذه الحمم سوف تتفجر بين الحين والآخر ، ستقذف لهيب التمزق والضياع وتقلل من نجاعة سلطاتنا المحلية التي تعاني أصلاً من فشل وتقاعس وضعف وديون وغياب الخدمات .. الخ وما دام رؤساء هذه السلطات رهائن بأيدي الأطر الحمائلية والعائلية