دراسات (:::)
تميم منصور – فلسطين المحتلة (:::)
قبل أن يعلن رئيس اتحاد الرياضة في فلسطين جبريل الرجوب التراجع عن قراره بطرد اسرائيل من صفوف المنظمة العالمية لاتحاد كرة القدم – الفيفا – بشكل مفاجىء ، دون أي اعتبار لتداعيات هذا القرار الانهزامي لدى الفلسطينيين ، والذي أكد من خلاله حالة التخبط والتراجع التي تعاني منها القيادة الفلسطينية في رام الله ، وبأن هذه القيادة اصبحت مجردة من أي دور أو صيغة ثورية تمثل شعبا يرزح تحت الاحتلال ، وقد أكد هذا القرار بأنه تخاذل جديد ، يعيد للذاكرة التراجع عن التصويت في مجلس حقوق الانسان لصالح تبني تقرير ” غولدستون ” حول المجزرة الاسرائيلية في غزة عام 2009 .
لقد كان واضحاً خوف اسرائيل وقلقها من أية عملية لإقصائها من منظمة الفيفا ، والدليل على ذلك حالة الارتباك التي عاشها المسؤولون في حكومة الاحتلال والمؤسسات التي لها علاقة بعضوية اسرائيل في منظمة الفيفا ، كما ان الاعلام الاسرائيلي كان مجنداً لساعات طويلة قبل أن يتنفس المسؤولون في اسرائيل الصعداء بعد قرار الرجوب الانطوائي .
كان من بين الذين تحدثوا بأسلوب عنصري عن محاولة الفلسطينيين اقصاء اسرائيل من منظمة الفيفا ، رئيس اتحاد كرة القدم في اسرائيل المدعو ” عيني ” لقد سخر من الفلسطينيين واتهمهم بأنهم غرباء عن كرة القدم خاصة والرياضة عامة ، فهم لا يملكون النوادي الكروية ، وأن تاريخهم مظلم في هذا المجال ، هذا الموقف العنصري يؤكد بأنه لا ينظر الى الرياضة الا من باب السياسة واستمرار الاحتلال لملاحقة كافة الأطر والكوادر الرياضية لدى الفلسطينيين ، لقد كان في تصريحاته مجرداً من كل المفاهيم والمبادىء التي تنادي بها الرياضة بكل فروعها ، مبادىء الآخاء والمحبة والتعاون بين الشعوب ، وقد دعمه في الكثير من مواقفه العنصرية بكل أسف عضو الكنيست من حزب المعسكر الصهيوني زهير بهلول فقد ضم صوته الى صوت سيده رئيس اتحاد كرة القدم الصهيوني عندما قال :
يجب ان لا نخلط بين السياسة والرياضة .
أن هؤلاء الأقزام في عالم التاريخ الرياضي لا يعرفون صفحات الحركة الرياضية في فلسطين بشكل عام ، ولعبة كرة القدم بشكل خاص في عهد الانتداب البريطاني والفترات التي سبقته ، لو عرفوا جيداً هذا التاريخ لما تجرأ عيني وبهلول وغيرهم على الكلام باستخفاف .
يشير الدكتور عزت طنوس في كتابه ” الفلسطينيون ماض مجيد ومستقبل باهر ” أن أول مباراة في كرة القدم بين بلد وآخر في الشرق الأوسط جرت في عام 1912 ، حيث قدم فريق لكرة القدم يمثل الكلية السورية الانجيلية في بيروت – التي عرفت فيما بعد بالجامعة الامريكية – الى مدينة القدس في ربيع تلك السنة ليلعب مع فرق كرة القدم التي كانت متواجدة في مدينة القدس وهذه الفرق هي :
أ- سي – أم – اس الشباب المسيحية .
ب- فريق مدرسة سان جورج .
ت- فريق منتخب مدينة القدس .
وقد فاز الضيوف في المباريات الثلاثة ، اما في المباراة الرابعة فقد هزموا أمام فريق مدرسة سان جورج ، وفي سنة 1913 ذهب فريق منتخب مدينة القدس لمنازلة فريق الكلية السورية في بيروت ، ولعب اربع مباريات ، فاز في واحدة ، وهزم في احدى المباريات وتعادل في مباراتين .
وكانت مدرسة سان جورج في القدس أول مدرسة عربية في فلسطين تولي أهمية للرياضة خصوصا لعبة كرة القدم ، ولقد بلغ عدد من شاهدوا احدى المباريات في كلية سان جورج خمسة آلاف متفرج سنة 1910 من بينهم عدداً من السيدات المحجبات ، وكان من شأن ذلك ان ازداد حماس شباب فلسطين لممارسة لعبة كرة القدم .
كان من بين اشهر لاعبي القدس في كرة القدم قبل الحرب العالمية الأولى واسرعهم ” شريف النشاشيبي ” و” عزت طنوس ” مع بداية تأسيس الأندية كان يوجد في فلسطين في أواخر العهد العثماني أندية ثقافية محدودة العدد ، لأن سلطات الحكم العثماني المستبدة كانت تمنع قيام وافتتاح نوادي جديدة .
أما النوادي الرياضية فقد بدأ تأسيسها بعد ذلك ، وقد دأبت السلطات العثمانية على تشتيت اعضاء هذه النوادي واعتقال النشطاء فيها .
من أقدم النوادي التي تم تأسيسها النادي الارثوذكسي في يافا ، فقد تأسس سنة 1920 ، أي بعد غروب شمس الامبراطورية العثمانية ، انضم الى عضوية هذا النادي العديد من شباب المدينة من مسلمين ومسيحيين ، وكان اول مقر لهذا النادي يقع في حي العجمي أمام المدرسة الارثوذكسية ، وكان ملعب التنس التابع لهذا النادي يقع في شارع ” البطمة ” يمارس فيه الأعضاء مختلف الالعاب الرياضية ، كان هذا الملعب وملعب البرية الملعبين الوحيدين في مدينة يافا ، اضافة الى ملعب الملكان الواقع في شارع يافا – تل ابيب ، أما بالنسبة لتأسيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم فقد تأسس هذا الاتحاد سنة 1928، وانضم الى الاتحاد الاوروبي لكرة القدم سنة 1929 ، وقد سيطر على هذا الاتحاد في فترة الانتداب الفرق اليهودية بدعم من الموظفين البريطانيين ، لهذا السبب كانت مشاركة الفلسطينيين العرب في نشاطات هذا الاتحاد محدودة ، من بين الاندية اليهودية التي كانت مشاركة فيه نادي ( هبوعيل تل أيبب ) الذي لا زال قائماً حتى اليوم ، ونادي ( مكابي تل أبيب ) الذي لا يزال يعتبر من النوادي الكروية الهامة في اسرائيل ، لقد لعب هذان الناديان اكثر من مرة مع الفرق المصرية ، خاصة في سنوات الثلاثين من القرن الماضي ، وكان لكل ناد من هذين الناديين ملعباً دولياً خاصاً به ، وكان ملعب ( هبوعيل ) الكائن في شارع يافا – تل ابيب يستخدم في بعض المناسبات الرياضية والمهرجانات التي تقيمها فرقاً عربية ، نذكر من هذه الاحتفالات قيام المفتي امين الحسيني بتقديم الكأس لبطل فلسطين في لعبة التنس الأرضي.
بعد ثورة 1936 انقطع الاتصال بين الفرق العربية والفرق اليهودية واستمر الانقطاع حتى سنوات الحرب العالمية الثانية ، لكن خلال الحرب عادت النشاطات الرياضية المشتركة بين العرب واليهود خصوصاً في كرة القدم ، فقد جرت مباراة في كرة القدم بين النادي الرياضي الاسلامي وفريق هبوعيل تل ابيب .
كان الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يمثل فلسطين في هذه اللعبة دولياً ، من خلاله جرت مباراة حاسمة بين فلسطين ومصر ضمن تصفيات كأس العالم سنة 1934 لأن المنتخبين كانا في مجموعة واحدة .
لقد حاول الفلسطينيون فيما بعد أن يسجلوا اتحادهم العربي المستقل دولياً في كرة القدم الذي تأسس سنة 1944 لكن تعذر عليهم ذلك ، رغم الجهود التي بذلها سكرتير الاتحاد ” عبد الرحمن الهباب ” وزملاؤه اعضاء الاتحاد الرياضي الفلسطيني ، وقد عرضت سلطات الانتداب اقتراحاً سنة 1945 ينص على اقامة فرق عربية ويهودية مشتركة ولكن بنسبة معينة تكون ممثلة في الاتحاد ، الا ان القيادة السياسية الفلسطينية رفضت هذا الاقتراح … يتبع