ادعاء احتكار المعرفة والتفكك الاجتماعي ورفع عتبات التحمل الاجتماعي-السياسي

دراسات (:::)
د.أ. تيسير الناشف – نيوجرسي (::؛)
يمكن أن تكون للآراء (أو الأفكار أو الخواطر) مسافات مختلفة بينها وبين الحقيقة أو بينها وبين الرأي الأقرب من الحقيقة وأيضا يمكن أن تكون للأوصاف مسافات مختلفة بينها وبين صحة الوصف أو بينها وبين الوصف الأقرب من الوصف الدقيق أو الوصف الحقيقي. ويمكن أن أي فكرة من الأفكار المطروحة لا تتضمن أي ذرة من الحقيقة. ويستند المرء لدى إصدار رأي من الآراء استنادا مباشرا أو غير مباشر إلى نفسه وعقله والظروف السياسية والاقتصادية والنفسية المحيطة به.
اختلاف رأي امرئ عن رأي امرئ آخر في وصف الحقيقة يجب طبعا ألا يجعل المرء ساخطا على المرء الأخر أو مستاء أو شاكيا منه أو مخاصما له ، وذلك لأنه يكثر المختلفون في الآراء  في تحديد هوية الأشياء أو طبيعتها أو تشخيصها. واختلاف أصحاب الرأي في تشخيص شيء من الأشياء يجعل مواقع المختلفين في التشخيص على أمداء متفاوتة من المسافة الواقعة بين كل منهم وبين تشخيص ذلك الشخص أو الشيء.
وأحيانا كثيرة لا يكون الناس أصحاب الآراء المختلفة (والتناقض أو التضارب نوع من أنواع الاختلاف) على دراية كاملة أو ناقصة بمدى الاختلاف فيما بين آرائهم في تشخيص الحقيقة أو الشيء.  ويمكن القول إن حصة المختلف في الرأي في امتلاك معرفة الحقيقة الشيء أو تشخيصه الدقيق هي بنسبة اقتراب أو ابتعاد صاحب الرأي المختلف من حقيقة الشيء. وربما بعبارة أخرى أقول إن الحقيقة قد تكون متشاطرة بين أصحاب الأراء في طبيعة الشيء. وقد تكون حقيقة شيء ما  مجموع الآراء أو معظمها أو القليل منها في حقيقة ذلك الشيء.
ينبغي القول إن جميع هذه الآراء يحتمل احتمالا كبيرا أنها لم تصب الحقيقة، وذلك لأننا لا يمكن أن نفترض بأن جميع الذين أبدوا آراءهم هم جميع الذين كان لهم رأي في الموضوع. والسبب الثاني لعدم شمول أو تغطية جميع الآراء لحقيقة الشيء هو أن الناس الذين أعربوا عن آرائهم والذين لم يعربوا عن آرائهم تتغير آر}هم باستمرار بمرور الوقت، ومرور الوقت، كما هو معروف، ينطوي على ظروف حياتية يحتمل أن تكون مختلفة ومستدعية لآراء جديدة.
يمكن للمرء أن يكون له رأي، ولكن ينبغي له – من منطلق افتراض المساواة في الحق في امتلاك الرأي – أن ينطلق أيضا من افتراض أن للآخرين أيضا حقا في امتلاك الرأي المختلف. وحينما يُعْرَف أين تكمن الحقيقة يمكن للناس كلهم أن يعرفوا هذه الحقيقة وينبغي لهم أن يحترموها.
هذه الصفة – أي صفة إدراك المرء لحق الآخرين في امتلاك الرأي المختلف أو المخالف – أكثر شيوعا في بلدان غربية وأق شيوعا في بلدان أخرى.
وإذا تمثلت الحالة في ما عرضناه، وهي أن البشر ذوي الآراء يختلف بعضهم عن بعض في مدى قرب رأي كل واحد منهم من الحقيقة أو مدة بُعد رأي كل واحد منهم عن الحقيقة وأن لرأي كل واحد منهم شطرا في معرفة الحقيقة أو في عدم معرفتها، فلِمَ يستاء المرء إذا رأى أن آراء الآخرين تشبه أو لا تشبه رأيه. إن رؤية المرء أن آراء الآخرين تشبه أو لا تشبه آراءه رسالة شخصية ذاتية لا ينبغي للمرء أن يتخذها. ينبغي لصدر الإنسان المشارك في الواطنة أو في الإنسانية أن يتحمل اختلاف الآراء في الحقائق والقضايا.
إذا قبلنا عن طيب خاطر اختلاف الآراء في حقيقة ما أو في قضين ما وإذا اتخذنا سلوكا وفق ما يستلزمه هذا القبول كان ذلك بمثابة خطوة هامة نحو وضع بعض أعمدة بناء الديمقراطية وإقامة العدالة الاجتماعية والسياسية.