فلسطين .. فن وثقافة ….
مهند إبراهيم أبو لطيفة – الاردن …
من أصيل تراثنا العربي الفلسطيني والكنعاني، الثوب الفلسطيني المطرز بألوان الكرامة وعبق التاريخ الحضاري والثقافي، بما يمثله من تميز، والذي كان منتشرا على إمتداد بلاد الشام وبالطبع على امتداد الوطن الفلسطيني. تعكس الخامات وشكل التطريز والألوان هذا التنوع في حياة شعبنا الفلسطيني وبالتالي أنماط حياته المختلفة من المدينة للريف للبادية، وأيضا المستوى الإجتماعي والطبقي، وتعكس تناسقية ألوانه ورسوماته شخصيته الثقافية.
تعود أصول هذه الزي إلى الزمن الكنعاني، الذي كان يغلب عليه إستخدام الأشكال الهندسية في الأزياء للجنسين، والألوان القرمزية والأرجوانية، وهناك بعض الرسومات التي وجدت تُظهر نوعية الملابس التي كان يرتديها الرجال والنساء في فلسطين قديما، وكُتبت حولها سلسلة من الدراسات، كما إهتمت بإحياء التراث الفلكلوري الفلسطيني الخاص بها عدد من المؤسسات والجمعيات، وكتب عنها بعض الرحالة الذين زاروا فلسطين في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وبالرغم من أن الإحتلال حاول ويحاول إغتصاب هذا التراث ونسبته لنفسه ، وكأنهم في بولندا وشرق أوروبا كانوا يعرفون هذا الزي؟، إلا أن الإهتمام الفلسطيني بالحفاظ عليه وتأكيد هويته يقاوم في هذا المجال، فهو من ثرواتنا القومية، كباقي مجالات الصمود والمقاومة ضد الكيان الغاصب.
يستحضر الثوب الفلسطيني إلى الذاكرة وإلى الذهن ، أهمية أن نعي كفلسطينيين، أن رمزية هذا الثوب من أهم ما يجب أن نتمسك به على صعيد بناء الشخصية الوطنية والوعي المجتمعي العام، ومن أهم هذه الدلالات: أن نؤكد على أنه عنوان للكرامة لأنه يمثل اللباس التقليدي للمرأة الفلسطينية بكل ما تمثله، وأنه إمتداد للوطن المفقود بفعل الإحتلال، وأنه يعكس مختلف أنماط تفكيرنا وشخصيتنا والتي يجب أن تجمعنا وتوحدنا في وطن واحد، نتقبل بعضنا البعض على الصعيد الوجداني والفكري والسياسي، وبالتالي التأكيد الدائم بدون ملل أن الوحدة الوطنية، هي فعل مقاوم في حد ذاته، طالما إرتبطت بأصالة الدفاع عن وجودنا وحقوقنا الوطنية.
كلما أنظر لثوب “جميلة علي” وغيره من الأثواب الفلسطينية، أشعر بالفخر الدائم أن القدر جعلني فلسطينيا، فأرى فيه وفي أخوات جميله علي عظمة أن نتعلم الكرامة منهن، وأن نعيش ونموت لأجل فلسطين التي سكنت في قلوبهن واستوطنت في وعيهن برغم الظروف القاسية وحياة المنفى والإغتراب. يُعلم هذا الثوب أن العمل من أجل فلسطين واجب وأمانة، وأن الإنتماء لأرضها وسمائها إمتياز، ويعلم أيضا أن من حافظ على هذا التراث لأجيال بعيدة، يُحمل الأجيال القادمة مسؤولية عدم التنازل – تحت أي مسمى- عن حبة رمل من أرض فلسطين.
من أثواب الفلسطينيات، أمهات وأخوات الشهداء والأسرى والجرحى والمناضلين، نتعلم أن الحرية لا تأتي سوى بالإلتزام ، بالصبر والصمود والتحدي، كما كانت نساء فلسطين ينسجن ويطرزن أثوابهن لتخرج في هذه الأبهة والجمال والرُقي.
يجتهد السياسييون في تقييمهم للأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، وتتعدد دوافعهم وحساباتهم وتختلف منطلقاتهم ودرجات مصداقيتهم ، ولكن ثوب جميلة علي يبقى هو الأطروحة الأولى الأكثر صدقا وكرامة وأصالة: أخرجونا منها وإليها يجب أن نعود، سلبونا حقوقنا وعلينا أن نستردها بسواعدنا كاملة غير منقوصة ، وكما ذرفت جميلة علي الدمع المقدس الغالي على وطنها ، عليهم أيضا أن يذرفوا الدموع.