بعض التحولات المؤدلجة في المجتمعات العربية ، قراءة خارج النص – بقلم : سفيان الجنيدي

دراسات …..
بقلم : سفيان الجنيدي – كاتب فلسطيني يقيم في امريكا ..
لعله ضرب من الخيال و مضيعة للوقت وللجهد إذا ما حاول المرء أن يجد أي انجاز للحكومات العربية المتعاقبة في آخر خمسين عام، عبثا تحاول وبلا طائل بل الانكى من ذلك أن الحكومات العربية لم تخفق في تحقيق أي من خططها الاستراتيجية فحسب، وإنما ورثت كل حكومة وريثتها امراض ومشاكل إجتماعية لم تكن موجودة في المجتمعات العربية اصلا مما ادى إلى إحداث شرخ وتصدع في المجتمعات العربية يصعب معالجته وترميمه، وعند الوقوف على اسباب بعض هذه التحولات في المجتمعات العربية يجد المرء ان للحكومات العربية اليد العليا في إنتشارها وتفشيها، فبالاضافة إلى عدم نجاعة وفشل سياسات الحكومات العربية الذريع، وسوء التخطيط الاستراتيجي وعشوائيته من جهة اخرى، يجد المرء أن الحكومات العربية عمدت في بعض الأحيان إلى وضع و إستحداث سياسات كان الهدف منها إحداث شرخ في النسيج الاجتماعي وضرب المنظومة الاخلاقية وتشويه ثوبات الامة المكونة لكينونة الانسان العربي وشخصيته لمآرب وغايات تعلمها الحكومات العربية و يعقوب والانسان العربي على حد سواء، ولعل من اهم الظواهر والتحولات والتي تفشت في المجتمعات العربية في آخر عقدين ظاهرة العنوسة والتشكيك في ثوابت الامة ومحاباة رأس المال على حساب شرائح المجتمع الاخرى.
ظاهرة العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج
تعد هذه الظاهرة من اخطر الآفات الاجتماعية والتي اصبحت تؤرق وتقض مضجع كل عائلة عربية فالبكاد تجد بيت عربي يخلو من شاب او إمراة عانس، و عند الوقوف على معدلات العنوسة في الوطن العربي، يصاب المرء بالصدمة والذهول والدهشة لارتفاعها المضطرد ولما لهذه المؤشرات من آثار وخيمة على النسيج الاجتماعي وعلى مجمل المنظومة الاخلاقية في المجتمعات العربية، وحسب دراسة اجرتها الاذاعة الهولندية ( هنا امستردام ) عام ٢٠١٨ تجاوز عدد النساء العانسات في كل من الجزائر والمغرب وتونس قرابة ١٢ مليون وفي مصر نحو ٨ مليون عانسا و في السعودية مليوني عانس وجاءت نسب العنوسة في الوطن العربي كما يلي : بلغت نسبة العنوسة في لبنان زهاء ٨٥%، وفي الامارات ٧٥%، وفي سوريا والعراق قرابة ٧٠% وفي تونس ٦٢% وفي الجزائر ٥٠% وفي كل من الاردن والسعودية حوالي ٤٢ % ونحو ٤٠ % في كل من مصر والمغرب، في حين بلغت في الكويت وقطر زهاء ٣٥ % وفي اليمن ٣٠% وتذيلت فلسطين القائمة حيث لم تتجاوز نسبة العنوسة فيها 7%.
وبالتحقق عن الاسباب التي ادت إلى انتشار وتفشي ظاهرة العنوسة، نجد أن معظم علماء الاجتماع يرجع إنتشار ظاهرة العنوسة إلى اسباب إقتصادية مفادها البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع المهور وهذا التفنيد صحيح إلى حد ما ولكنه لا يخبر عن القصة برمتها ، حيث انه مما لا شك فيه انه بجانب العامل الاقتصادي ، ادت بعض العوامل والتي لا تقل اهمية عن الجانب الاقتصادي إلى انتشار وتفشي ظاهرة العنوسة وفي مقدمتها تغاضي الحكومات العربية عن انتشار الرذيلة في المجتمعات العربية متمثلة في إنتشار بيوت الرايات الحمراء إضافة إلى التغريب الثقافي والفكري والتي تعيشه الامة العربية من خلال تغلغل القيم الغريبة من قبيل المثلية الجنسية والافلام الاباحية والتي يتم التركيز وتسليط الضوء عليها في ابواق الاعلام الحكومي وعبر الفضائيات المحسوبة على بعض الحكومات العربية وفضائيات رجال الاعمال المحسوبين على الحكومات العربية وعلى آخرين، إضافة الى العادات والموروثات الاجتماعية المغلوطة من قبيل عدم سماح العائلات العربية لعقيلاتهم بالارتباط من شاب عربي او مسلم من بلد عربي شقيق آخر، إضافة إلى التشريعات والقوانين في بعض الدول العربية والتي تحرم وتجرم زواج وارتباط الشاب العربي المغترب من فتيات البلد ( المواطنات ) ونجد ذلك ماثلا في دول الخليج العربي ناهيك عن تعطيل بعض الدول العربية لقانون تعدد الزوجات، إضافة إلى موافقة معظم الدول العربية لمعاهدة بكين لحقوق المرأة والتي من اهم إفرازاتها السلبية إستحداث معظم الدول العربية إجهزة حماية الاسرة والتي اصبحت تشكل هاجس عند غالبية الشباب العربي ، من جهة أخرى إنتشار الحروب في المنطقة والتي ادت إلى تغير خارطة النسيج الاجتماعي في الدول العربية فأصبح عدد النساء يفوق عدد الرجال باضعاف مضاعفة، وبدرجة أقل عزوف بعض الفتيات عن الزواج من أجل تحقيق الذات من خلال متابعة التحصيل العلمي.
ونظرا لفداحة وجسامة الآثار المترتبة على المجتمعات العربية من تفشي ظاهرة العنوسة من قبيل إنتشار الرذيلة، وتصدع المنظومة الاخلاقية إضافة إلى تشيخ وهرم المجتمعات العربية على المدى البعيد، يجب أن تتظافر جهود جميع افراد المجتمعات للتخلص من هذه الآفة فيجب على ولاة الامور التخفيف في المهور وتقنين الزيف الاجتماعي غير المجدي من قبيل الحفلات المبالغ في تكاليفها والتي تثقل كاهل الشباب العربي بديون يمكن الاستغناء عنها بسهولة، من جهة أخرى على الانسان العربي ضرب الموروثات القبلية الهزيلة عرض الحائط من قبيل النظر بدنيوية للشاب العربي المغترب. بالاضافة إلى التطرق المستمر لهذه الظاهرة بتناولها بالكتابة والبحث من قبل علماء الاجتماع والمفكرين إضافة الى الدور التنويري لرجال الدين الاسلامي والمسيحي، ناهيك إلى دور المنظمات الاجتماعية والخيرية في محاولة رأب الصدع في النسيج الاجتماعي، ويستطيع رجالات المال والاعمال في هذا المضمار أن يساهموا مساهمة فاعلة من خلال إبداء قليل من المواقف الوطنية والإنسانية من جهة ومن جهة أخرى رد الجميل والمعروف لابناء الدول التي احتضنتهم وقدمت لهم البيئة الخصبة و المثالية لتكوين ثرواتهم الطائلة، وفي هذا المقام لا نسأل رجال الاعمال ان يتنازلوا عن نصف ثرواتهم تقليدا لمليارديرات الغرب والذين تنازلوا عن نصف ثروتهم لابناء اوطانهم حين عصفت في بلادهم النكسات المالية، ولكن نتمنى عليهم أن يظهروا بعض من اللفتات الانسانية
ظاهرة التشكيك في ثوابت الامة
الرأي والفكر ليس حكرا على احد دون سواه، ومن مآثر الديمقراطية كفل حرية الرأي والرأي الاخر، والاكثر من ذلك ان كل انسان قابل للنقد ولكن البناء، بل الاكثر من ذلك أن البشرية عبر كل الحقب التاريخية لم تجمع وتتفق على الذات الإلهية المقدسة، وليس في ذلك عيب او مثلبة او غضاضة، فمن شاء فليكفر ومن شاء فليؤمن، بل أن القرآن الكريم أكد على حرية الايمان والاعتقاد والفكر، فتجد في آي القران الكريم أنه لا إكراه في الدين، لكن المؤسف والمحزن أن تتاح كل وسائل الاعلام والقنوات الفضائية لفئة دون غيرها، فتجد السياسات الحكومية الخبيثة تسهل منابرها وابواقها الاعلامية لبعض المتحذلقين والذين ينتقدون و يهدمون الثوابت التاريخية للامة ،فالقرآنيون يشككون بالاحاديث النبوية الشريفة، وغيرهم يتهجم على الصحابة وآمهات المؤمنين ليل نهار، ومنهم من يشكك بوجود موسى عليه السلام وبمعراج النبي الاكرم، ومنهم من يتهجم ليل نهار على علماء الحديث وفي مقدمتهم العالمين الجليلين البخاري ومسلم، وآخر يقر ويثبت بوجود هيكل سليمان ويؤكد على الاحقية التاريخية لليهود في فلسطين التاريخية، ناهيك عن اولئك الذين ينشرون الرذيلة و يدعون إليها من قبيل المثلية الجنسية غير آبهين بالمنظومة الاخلاقية في المجتمعات العربية والتي تشكل شخصية الانسان العربي وكينونته.
وفي هذا المقام لا بد من إثارة بعض التساؤلات غير البريئة والتي لا مناص من طرحها:
لماذا يتم حجب اصحاب الرأي الاخر من علماء و دعاة و مفكرين من الرد على شبهات اولئك الامعات؟!
ما هي الغايات المخفية من نشر هذه الشبهات في المجتمعات العربية بين الحين والاخر؟!
هل أضحى هنالك خطوط حمراء بالنسبة للحكومات العربية بما يتعلق بالمسائل الاجتماعية والدينية والوطنية، ام أن كل المسائل والمواضيع في الوطن العربي أصبحت مباحة لكل من هب ودب للخوض فيها.
نود أن نشرك القارئ الكريم في التطرق إلى هذه التساؤلات، لكننا لا ننتظر أي ايجابات من المسؤولين في الحكومات العربية حيث أن نواياهم الخبيثة لم تعد خفية عن كل ذي بصر او بصيرة.
إشكاليات رأس المال في المجتمعات العربية
كل في محرابه يصلي ويبتهل ليل نهار أن يزدهر الاقتصاد الوطني في كل الدول العربية، فهذا مطلب جميع الجماهير على إختلاف ثقافاتهم وطوائفهم واختلاف انتمائتهم الحزبية و العقائدية، لكن – في هذا المضمار – الملفت للنظر من جهة، أن جل التشريعات والقوانين في الوطن العربي يتم تفصيلها لفئات دون غيرها، و من جهة أخرى ضآلة مردود هذه المشاريع على الاقتصاد الوطني وتشغيل الايادي العاملة وتقليل معدلات البطالة في الوطن العربي لا بل في كثير من الاحيان تكون هذه المشاريع بابا للفساد ونهب خيرات الامة ومقدراتها، وقضايا احتيال رجال الاعمال – كثيرة لا يمكن إلإحاطة بها – وحصولهم وإنتفاعهم وتهريبهم لقروض بنكية بمئات الملايين، ناهيك عن نظام الضرائب في الوطن العربي والذي في معظم الاحيان يحابي رجال الاعمال على حساب غيرهم ، فتجد نظام الضرائب في معظم الدول العربية يحتوي على ثغرات لمساعدة رجال الاعمال للتهرب الضريبي كما ان نظام الضرائب لا يأخذ بعين الاعتبار فرض ضرائب متزايدة لتتناسب طرديا مع مداخيل الشريحة المخملية في الوطن العربي.
التحولات المؤدلجة في الوطن العربي كثيرة ويصعب مناقشتها في مقال واحد، إلا أنه يقع على كاهل الشعوب العربية مجابهتها ومحاربتها ونبذها والتصدي لها ورأينا مدى نجاعة و فاعلية مقاطعة البضائع الفرنسية، لعلنا ايضا مضطرين للتصدي للتشريعات الحكومية المؤدلجة بالطرق السلمية من قبيل العصيان المدني للذود عن منظومتنا الاخلاقية ومكتسبات الامة . سفيان الجنيدي – كاتب فلسطيني