فن وثقافة ….
بقلم : راوية وادي – فنانة فلسطينية تقيم في كندا ..
هاجتْ قلوبهمُ التي اعتنقت الصمتَ طويلا، و قدْ ترعرعت و تربت أن الصبرَ دواءُ للمعضلات الثقيلة. و علت حناجرهم بالزعيقِ و قد أُمروا بالهمسِ تأدباً، و الرأسَ منكساً إجلالاً عندما يبدأُ الكبارُ الحديثا.
ثاروا كالعاصفةِ تكتسحُ الأخضرَ و اليابسَ، يقلعون الظلَ مع الشجرِ، ويهدمون البيوتِ و يفتتون الحجرَ. يظنونُ بأنفسهمِ أسوداً أفاقت بعد طولِ سباتٍ، يطالبون حقهمُ من الفرائسِ … أو دونها الممات.
قالوا لهم: تغييُر الحالِ من المحالِ، فإلزموا الأمرَ و الطاعةَ، و ارضوا بما يأيتكم من الفتات. الأمرُ قد نفذْ .. و الصكوكُ وقعت و الأوطانُ رهنَ الإيجارِ الى زمنٍ ليسَ له ميعاد. ابقوا إن شئتمْ بالرضا بالقليلِ …. أو ارحلوا … و ليسوا يستطيعون الرحيل.
في سواعدهم قوةٌ لبناءِ ارمٍ ذاتَ عمادٍ، و في العقلِ لا زال للحكمةِ موقعاً و قوة … تطالبهم بصنعِ الأمجاد، و في القلبِ رغبةً في العطاءِ و احياء البلاد. و لكنهم يعيشون في بيتٍ بلا وتدٍ و لا سقفٍ … كمن عاشَ في ظلِ سحابةِ صيف. و ناموا و أحلامُ العصافيرِ تُمنيهم.. بصبحٍ مشرقٍ … و رزقٍ يومٍ يسير …. و لكنهم يفيقون ليدركوا أن ليسَ لهم أجنحةٌ تطير … و علي البسيطة يمشون ساخطيين … و على أمانيهم البسيطة يبكون.هربوا فى العتمِ كالمذنبين، ارتادوا البحرَ فبلعهم، و مشوا الفيافي جوعى، و الى مجهول ٍ جديد تاهوا… و الى ديار ما أرادتهم غير عبيدٍ ….. أجبروا أن ينيخوا مطاياهم.
تاهوا و تاه معهم الغد، و صنعوا منهم الوحش و الصعلوك و الوغد … ترى من المجرم و من الجاني؟ … من نزعَ القلبَ من الصدرِ … و زرعَ مكانه صفوانِ؟ من أحلَ سفكَ دمِ الأهلِ و الخلانِ؟ من تاجرَبشرفِ الأوطانِ .. و بالغلمانِ و الصبايا الحسانِ؟ من نزعَ من الإنسان أسمه و كينونته و أبدله بصفاتِ الحيوانِ؟
أجيبوا عن أيِّ سؤالٍ … علنا تفهم … و أن أجبتم … فلا زلنا لا نفهم … أشىءٌ غير الدولار و الدرهم و الدينار! إن فهمت فقدرك ليلٍ كموجِ البحر سدولهُ … و ليس لك من رفيقٍ سوى الصداعِ و الأرق .. فهذا زمنُ رجالٍ من ورق … و بعض أوطانٍ لم تعدْ موجودةً إلا على الورق.