رئيس البارغواي ماريو عبدو : يؤزم علاقة بلاده مع تل ابيب – بقلم : بكر السباتين

ابداعات عربية …..
بقلم : بكر السباتين ….
من أصول فلسطينية يؤزم علاقة بلاده مع تل أبيب.. فهل دمه فلسطيني أكثر من عباس!؟
ما الذي يجبره على اتخاذ مثل هذا القرار!؟
وهل من زعيم عربي يحذو حذوه!
كيف نفهم علاقة الأجيال الفلسطينية الصاعدة بقضيتهم!
الوجود الفلسطيني التنموي والضاغط على الشارع في أوروبا والأمريكيتين فاعل أكثر منه في بلادنا العربية وتحديدا الشرق الأوسط؛ رغم أنه لا يختلف اثنان على أن الفلسطيني يعتبر شريكاً تنموياً في الاقتصاد العربي لا بل هو عموده الفقري في بعض العواصم، لذلك تجد تنامي التفاعل الشعبي الإيجابي في أوروبا ينسجم مع الدعوات التي تقاوم التطبيع على صعيد الشعوب المغبونة والمغرر بها، بحيث أخذت تتشكل في أوساطها منظمات مدنية تطالب بمقاطعة البضائع القادمة من الكيان الإسرائيلي المحتل، يعزز ذلك وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت نوافذ الشعوب على الحقيقة بعيداً عن الإعلام الموجه.
ويتجلى ذلك أكثر في تشيلي والسلفادور وهندوراس والبارغواي حيث شهدت تلك الدول تنامي التعاطف الشعبي والرسمي مع القضية الفلسطينية، وتشكلت في سياق ذلك اللوبيات الضاغطة باتجاه دعم الموقف الفلسطيني أممياً.
إن اللوبيات الفلسطينية التي شكلتها الجاليات الفلسطينية القوية في تلك الدول أوصلت رؤساء من أصول فلسطينية ليتبوءوا سدة الرئاسة فيها.. وهذا الأمر سيبدو عادياً لولا وجود فرق بين أولئك الرؤساء الذين غيروا من سياسات بلادهم لأجل فلسطين خلافاً لما يدور في المشهد السياسي العربي المهين، هذا إذا علمنا بأن أجدادهم هاجروا فلسطين قبل النكبة بعقود أي على هامش تداعيات النكبة عام 1048؛ ورغم ذلك ظل الإحساس بهويتهم الوطنية الفلسطينية يتناما، وتتبلور محدداتها المعنوية فيهم، دون أن يتعارض ذلك مع الهوية الجديدة لبلد الإقامة، والنتيجة كانت أن إحساسهم بالهوية الفلسطينية تجاوز الإطار المعنوي باتجاه الفعل والتأثير على أرض الواقع، من خلال اللوبيات الضاغطة ضد سياسة الفصل العنصر للاحتلال الإسرائيلي ومقاومة النفوذ الإسرائيلي في عموم القارة الأمريكية اللاتينية.
وسوف نتطرق في سياق هذا الموضوع إلى بروز الهوية الفلسطينية في بعض دول أمريكيا اللاتينية في إطار اللوبي الفلسطيني الضاغط على سياسات تلك البلاد وربما بشكل متفرد.
فقد أسس المهاجرون الفلسطينيون الأوائل جذوراً داعمة للقضية الفلسطينية في الدولة العميقة لتلك البلاد، وتجدر الإشارة هنا إلى تجربة كل من هندوراس وتشيلي والسلفادور وأخيراً البارغواي.
ففي هندوراس (بليز) الموجودة في خاصرة المكسيك بالبحر الكاريبي، تسيطر على البلاد ست عائلات فلسطينية متنفذة في كل القطاعات التنموية، مثل عائلة ناصر وقطان وفاكوسية وحنظل ومتري وعصفوره ودبدوب وغيرها من العائلات الفلسطينية الرأسمالية التي استطاعت إيصال كل من الفلسطينيين: الرئيس السابق لهندوراس كارلوس فاكسويه من بيت لحم ونائبه وليام حنظل. وسندرك أكثر مدى نفوذ تلك العائلات من خلال إيصالها لأكثر من نصف النواب ذوي الأصول الفلسطينية إلى البرلمان..
ولو تتبعنا سطوة تلك العائلات ذاتها في السلفادور بأمريكا الوسطى ستجد أنها دعمت الرئيس السابق في السلفادور انطونيو ساكا وهو من بيت لحم ومنافسه شفيق حنظل الفلسطيني والزعيم التاريخي لثوار جبهة فاربواندومارتي وأحد القادة الرئيسيين للجبهة، وزعيم الحزب الشيوعي، واحد أبرز القادة في القارة اللاتينية..
وكذلك الحال بالنسبة لتشيلي التي يسيطر الفلسطينيون عليها اقتصاديا وثقافياً بامتياز حيث يمتلكون أهم ثمانية بنوك من أصل عشرة والتي بفضلهم تعتبر تشيلي من اهم الدول المستقرة تنموياً وأمنياً على صعيد العالم..
ومؤخراً، شهدت الانتخابات الرئاسية في البارغواي فوزاً كاسحاً للمرشح اليميني “ماريو عبدو بينيتيز” (46 عاما)، مرشح حزب “كولورادو” الحاكم منذ العام 1947، برئاسة البلاد وهو من جذور فلسطينية تعود إلى عكا، وكان أول قرار اتخذه هو تصويب ما ذهب إليه رئيس باراغواي السابق من نفس الحزب “هوراسيو كارتيس” الذي توجه إلى الكيان الإسرائيلي لافتتاح السفارة الجديدة في أيار الماضي بالقدس. فقام عبود بإعادة السفارة إلى تل أبيب يوم الأربعاء الماضي في قرار مستفز جريء، الأمر الذي أدى بنتنياهو ليرد عليه بإغلاق سفارة الكيان الإسرائيلي في الباراغواي..
فهل يجرؤ الزعماء العرب على اتخاذ قرارات مماثلة تتعلق بالقضية الفلسطينية تتسم بنفس المستوى من الجرأة والمسؤولية! فما مصلحة الرئيس عبود إذن في اتخاذ مثل هذا القرار الذي قد تظهر له تبعات سلبية ضد نهجه في السياسة الخارجية؛ لولا إيمانه الموروث بالحقوق الفلسطينية من منطلق كونه ابن مهاجر فلسطيني.
إن الانتماء للقضية الفلسطينية والمبادرة إلى الدفاع عنها يتجاوز المستوى النخبوي ليتجلى أكثر في المستويات الشعبية لدى أبناء الجاليات الفلسطينية وخاصة الأجيال الجديدة. والقصص الفردية في هذا الشأن لا تعد ولا تحصى.. فأثناء انشغالي بالتجهيز لندوة حول ذاكرة المدن الفلسطينية التي ستعقد السبت القادم في دارة (أبو بكر) بعمان، توطئة لإقامة مؤتمر يحمل نفس العنوان برعاية رجل الأعمال الفلسطيني الدكتور طلال أبو غزالة، روت لي مقدمة الجلسات في الندوة أعلاه، الشاعرة أمال القاسم عن ابنها محمود أبو زريفة ابن الخمس عشرة سنة والمقيم في إحدى ولايات الشمال الأمريكية والمنتسب لإحدى مدارس المتفوقين فيها نظراً لتميزة المبهر في الرياضيات، كيف أنه اختلف في الصف مع معلمته الخمسينية اليهودية على اسم خارطة فلسطين حيث أصر محمود على أن اسمها فلسطين خلافاً لما هو مكتوب عليها، واحتدم الموقف بينهما، المعلمة منتفخة الأوداج تملي عليه الاسم بينما هو يتحداها يعينيه الرافضتين، وإزاء ذلك حولته المعلمة الحاقدة إلى الإدارة لمعالجة الموقف، ورغم كل ذلك ظل محمود مصراً على أن عنوان الخارطة هو فلسطين السليبة.. هو محمود ذاته صاحب الهدف الذهبي الذي أنقذ موقف فريق مدرسته في دوري مدارس شمال أمريكا لكرة القدم..
وكذلك الحال بالنسبة لشقيقه الأكبر عبيدة ابن السادس عشر، إذْ بوغت هذا الشاب ذات يوم في غرفته من قبل ضيفتهم الأمريكية الأصل وكانت تعمل طبيبة في إحدى المستشفيات، وسيدة كبيرة بالسن، توراتية الهوى والروح، مكممة الضمير لا ترى إلا ما يلوح لها على أفق الرواية الإسرائيلية، والتي أصيبت بالذهول الشديد وهي تجد في منزل مضيفها غرفة شبابية ذات طابع فلسطيني بامتياز وقد علق صاحبها عبيدة على جدرانها كل ما يمت لفلسطين بصلة.. فخارطة فلسطين علقت فوق سريره مباشرة إلى جوار الكوفية الفلسطينية المرقطة، وصور أخرى لحنظلة، تلك الشخصية التي ابتكرها الشهيد ناجي العلي كأنها شاهد على عمق الصلة بين الحقوق الفلسطينية المنهوبة وهذا الجيل الفلسطيني الفتي المتمسك بهويته.. ولكن ما أثار دهشتها وجعل فرائصها ترتعد أن عبيدة كان يعلق في صدر غرفته الجميلة بندقية كأنها حقيقية؛ فركضت مهلوعة إلى المطبخ حيث مدبرة المنزل الأمريكية، التي تلقفتها بالأحضان وأخذت تربت على كتفها بحنان مهدئة من روعها وهي تستمع إلى لهاث صوتها المتحشرج:”في آخر الممر توجد غرفة إرهابيين” ولم تهجع إلا حينما شرحت لها خلفيات الموضوع: ” باختصار شديد هؤلاء يعشقون فلسطين، هذا كل ما في الأمر”.. وكأنها غضت السمع عن نداء قلب عبيدة الذي كان يهتف عالياً باسم الضحية، معبراً عن هويته التي تتعرض للإلغاء: ” غرفتي تمثلني.. وفيها تنتعش ذاكرة فلسطينية لا تبور” .
ومن هنا يمكن فهم سر تلك العلاقة الجماهيرية المتصاعدة في وسط الأجيال الفلسطينية الجديدة في العالم، وخاصة امريكا اللاتينية حيث الأعلام الفلسطينية ترفرف في كل مكان ومن غير مناسبة.