الحمار يستعيد مجده…قصة : نبيل عودة

القصة …..
قصة: نبيل عودة – الناصرة ….
كان للجمعية الثقافية التي يديرها سامر حمار جميل، رفيع الصوت في نهيقه، لدرجة أن أعضاء الجمعية كانوا يسمونه تيمنا ب “الحمار المثقف”، الأمر الذي جعل أزهار زوجة مدير الجمعية ونائبته في إدارتها، تعترض على هذه التسمية، التي تلحق بالمثقفين والمثقفات من أعضاء الجمعية إهانة مباشرة، إذ ستصبح صفه المثقف أو المثقفة تماثلاً مع صفة يحملها حمار، وهذا أمر لا يرضاه الله ويشكل وصمة غير مريحة للجمعية وأعضائها، وللصورة التي سترتسم عنهم في الوسط الثقافي، خاصة وان نقاد غير نبلاء، يوجهون سهاما سامة ضد الجمعية وإدارتها، ويجب تلاشي موضوع وصف الحمار بالمثقف قبل ان يلحقهم كلام وقعه سيء على الأذن.
تسمية الحمار بالمثقف أشعلت الخلاف بين أزهار وزوجها سامر الذي لم يقتنع بوجهة نظرها الثقافية، لأن الحمار حمار، حتى لو نشأ في جمعية مثقفين أو لقب بالحمار المثقف. المثقفون والمثقفات من أعضاء الجمعية لا يتشبهون بالحمار حتى لو تشبه الحمار بهم، فهم لا ينهقون إلا إذا غضبوا وفلتت براغي دماغهم.
سامر طلب من زوجته العصبية أن تغلق موضوع الحمير من البحث المتكرر في اجتماعات الجمعية، لأن القضايا الثقافية المطروحة أهم من موضوع الحمار، لكن بغياب مواضيع هامة ليبحثها المجتمعون، وندرة القضايا الثقافية التي يلم بها أعضاء الجمعية، كانت مشكلة تسمية الحمار بالمثقف، أو سحب هذه التسمية منه، هي الشغل الشاغل منذ تأسيس الجمعية، يبدو ان ذكاء الحمار كان شديدا، إذ كان ينهق بقوة أثناء بحث موضوعه وكأنه يقول لهم ان لي رأيا يجب ان تأخذوه بعين الاعتبار.
الزوجة أزهار والنائبة للرئيس بنفس الوقت، قدمت مداخلة ثقافية بارعة، ادعت فيها انه رغم اختلاف نهيق الحمار عن نهيق أي عضو من أعضاء الجمعية، فانه من الصعب إقامة الدلائل المشتركة بين نهيق كاتب منضوي تحت لواء الجمعية أو نهيق الحمار، مؤكدة ان المشكلة هي في التسمية فقط وليس بالفعل العملي أو بالصوت. ان التشابه غير قائم حقا، لكن التسمية مؤذية، ان يصير الحمار أيضا مثقفا في جمعية سامر وأزهار الثقافية، أي ان الفرق بين الحمار ومثقفي الجمعية بات نسبيا .. وربما القيم التي يتمسك بها الطرفان هي قيم نسبية كذلك. لكن من الصعب فهم قيم الحمار، بينما من السهل فهم قيم مثقفي الجمعية، مما يخلق تشابها في صفة المثقف التي يحملها الحمار وغير الحمير في نفس الجمعية.
ربما في المستقبل يقوى الخجل فينتفض العُقال ولا يبقى من أعضاء الجمعية إلا مديرها ونائبته والحمار ثالثهما، فأي جمعية هذه لا تميز بين حمار وبني بشر؟ الخوف ان تصبح حالهم بائسة وتتبهدل ألقابهم الأدبية.
الحمار حمار ولا يحتاج إلى صفة مثقف. هذا هو الحل الأمثل ولينهق محتجا، النظام أقوى من الحمير…لأنه من ناحية أخرى، من غير المجدي استعمال لقب متشابه بين الحمار والمثقفين من أعضاء الجمعية، حتى لا يلحق الضرر باسم الجمعية وتصير حال سامر وأزهار قائدان لمثقف واحد هو حمار بنفس الوقت ..
ما جعل سامر يصر على رفض مواقف نائبته (في الاجتماع وليس في البيت) أهمية الحمار للجمعية، إذ انه يشكل مصدر دخل لاستمرار نشاط الجمعية وهنا الإشكالية. الحمار هو مصدر الدخل والاستمرار، أي العامل الاقتصادي الحاسم، بدونه لا تقوم قائمة لرئيس الجمعية أو نائبة الرئيس أو الرئيس الفخري .. أو أي شخصية معتبره وذات لقب كبير في الجمعية الثقافية.
الأمر الذي يتردد سامر من طرحه، حتى لا يعلق وتنتف شواربه، هو ان ما يقوم به الحمار تعجز عن القيام بمثله مائة من أمثال أزهار…
سامر يخرج كل صباح باكراً، يبحث عن كل ما يمكن أن يباع، من هنا قطع حديد أو نحاس أو ألمونيوم، من هناك بعض الحطب، من حاويات القمامة بعض القناني الفارغة، يعود آخر يومه مرهقا، أحياناً كثيرة ينسى أنه مثقف وليس مجرد مسئول عن جمعية وحمّار!!
للأسف يتهامس البعض أنه لم يسجل في سيرته الذاتية إلى جانب ألقابه الثقافية المتعددة أنه حمّار أيضاً. لكن أزهار عنيدة منذ عرفها، لا تتوقف عن الشكاوى والإلحاح لأن تنزع صفة المثقف عن حمار الجمعية. حتى الحمار بات يرتعد غضبا كلما سمع صوتها وكأنه لشدة مفهوميته قد استوعب من يقف الى جانبه ومن يقف ضده. فهي تصر بإلحاح انه من غير المعقول أن يكون زوجها سامر محسوباً على المثقفين ويسوس حمارا، هذه إهانة لهذا الجنس النادر من المثقفين الذين تستقبلهم الجمعية على الرحب والسعة ويضر بمستقبل الجمعية. بناء على طلب أزهار عقدت الجمعية اجتماعات كثيرة للتداول بصفة الحمار: هل هو مثقف لأنه تابع لجمعية المثقفين؟ أم هو مثقف لأن صوته لطيف حين ينهق وليس كأصوات الحمير المزعجة؟ أم هو مثقف مما تعلمه من تكرار السمع في الندوات والأمسيات التي يستمع إليها مضطراً وهو يلتهم العلف ويتجشأ مثل المثقفين المعجبين بقصص أزهار وكتاباتها؟!
رغم كل الأسئلة الفلسفية حول مدى ثقافة الحمار، لم يجرؤ أحد ان يمتحنه بقضايا الثقافة، خوفا من ان يظهر الحمار متقدما ثقافيا عن ممتحنيه. أي حتى الجانب النسبي سيكون لمصلحة الحمار!!
في إحدى الندوات خرجت أزهار عن الموضوع، غافلت رئيسها في الجمعية وعبدها في البيت، طرحت موضوع الحمار متسائلة: هل يصح أن تحمله الجمعية لقبا لا طاقة له به؟! إلا يعتبر لصق صفة المثقف بالحمار إهانة لأبناء جنسه من الحمير التي تخدم الشعوب ويخدم فرد من جنسها جمعية الثقافة؟!
سامر حاول إسكات زوجته خوفاً من أن يسمع الحمار احتجاجها، فيغضب ويعلن تمرده وإصراره على إسقاط النظام، ويطالب بترحيل سامر وأزهار، فالحمار، مهما كان حمارا، لا يمكن ان يقبل سحب اللقب الذي إعتاد عليه مقرونا باسمه. يكفي انه مستغل ومهان كل نهاره وليله، فهل يبلغ الجحود بأزهار ان تحرمه من لقب لا يسمن ولا يغني؟
وهذا ما حذر منه سامر. قال:
الويل من رد فعل الحمار على استمرار النق حول ألقابه المحترمة والاستهتار بها فهو أبو صابر، ابن شنة، ابن دلام، أبو زياد، الجورف، العرد، العكموس، الكسعوم، المكراف، النخة، الكباص، العلج، القيدار، الجلعد، الأخطب، الصعل، الصلصل، المصلصل، الهمهيم، الدبل، النهاز، الكندر، الكندير، الكنادر، القلح، القلد، المغض ، المجلح والمحلاج وهناك أسماء أخرى للحمار تجعل المثقفين من أعضاء جمعية الثقافة، يشعرون بالغيرة من الحمار وكثرة ألقابه في لغة العرب، ولولا قيمته الاستراتيجية للشعوب العربية لما أطلقوا عليه كل هذه الأسماء والألقاب، بينما هم بالكاد يضيفون لأسمائهم لقب كاتب او شاعر، فهل يضير الحمار أن يحمل لقباً جديداً بعد كل هذه الألقاب التي حملها إياه البشر؟!
في التصويت قرر أعضاء الجمعية أن ما منح للحمار من ألقاب لا يمكن استردادها، لأنه بعد فحص هذه الإشكالية في القانون، تبين ان الحمار إذا توجه للمحكمة الوطنية العليا ستنصفه وتعيد له ما صار يعتبر صفة ملازمة له في الجمعية الثقافية. لذا يقترح سامر اتخاذ قرار يقول ان الجمعية فخورة بوجود حمار مثقف في جمعيتهم، وأن اللقب يساهم في تشجيع الحمار على الخدمة بصبر والتزام. تخيلوا أن يرفض غداً نقل بعض الحديد للبيع، من أين ستجد الجمعية أثمان القهوة والشاي وبعض المصروفات الضرورية لنائبة الرئيس أزهار؟!
لكن أزهار لم تقتنع وحولت نقدها ونقها على الحمار إلى زوجها سامر متجاوزة صلاحياته بصفته الرجل صاحب القول الفصل.
وضعت أزهار خطة جهنمية لجعل زوجها العنيد يقبل أخيرا بوجهة نظرها.
كانت تتأخر عن إعداد وجبات الطعام، فيعود المسكين مرهقاً ولا يجد أمامه إلا كسرة خبز بدون أدام، حتى بات يحسد الحمار على شعيره.
حتى الماء صار مشكلة، فالسيدة أزهار تغلق قاطع المياه وتخبئه حتى لا يستحم زوجها بعد يوم شاق. لكن المياه للحمار لا تنقطع، فصار سامر يشاطر حماره ماء الشرب، فهو حمار لطيف وجميل ونظيف.
حتى كانت واقعة لا تنسى، كان يتأهب للخروج بحماره في يوم عمل جديد، التقط رغيف خبز طيب الرائحة دون أن تلحظه زوجته، لكن عندما اكتشفت أزهار نقصان رغيف واحد خرجت عن أطوارها. اندفعت نحو زوجها والحمار صارخة غاضبة، أمام صمت زوجها لم يصبر أبو صابر، فأطلق العنان لقدميه الخلفيتان بضربة معلم أصابت رأس أزهار، فخرت مضرجة بدمائها، فحمد سامر ربه سرا وقبل الحمار من شفتيه.
في الجنازة الكبيرة، بعد انتهاء خطابات وقصائد الرثاء، لاحظ الشيخ أن النساء يقتربن من سامر ويوشوشنه، وهو يهز رأسه موافقاً. لاحظ أيضا أن الرجال أيضا يقتربون منه ويوشوشونه يهز رأسه رافضاً وتكرر ذلك في خيمة التعازي أيضاً.
الشيخ لم يفهم لماذا يقول برأسه “أجل” لكل السيدات المثقفات، ويهز برأسه “لا” لكل الرجال المثقفين من أعضاء الجمعية.
هذه الحركة الغريبة التي يرقبها سيدنا الشيخ منذ يوم الدفن وصولاً إلى أيام التعازي، أقنعته أن في الأمر سراً ولا بد أن يكشفه. تمنى من الله ان لا تكون وراء هذه الحركات فضيحة أخلاقية.
يعد انتهاء أيام العزاء اختلى شيخنا الجليل بالسيد سامر، بعد المقدمات والمواعظ عن الأخلاق والسيرة الحسنة فاتحه في الموضوع:
–        لاحظت يا أبني أن جميع عضوات الجمعية تحدثن معك أثناء الأجر وأثناء العزاء وأنك هززت رأسك موافقاً، لم تهز رأسك رافضاً لأي منهن، لكني لاحظت أن جميع الرجال أعضاء الجمعية أيضاً تحدثوا إليك ولكنك هززت رأسك رافضا بقوة ، فهل تفسر لي يا سامر سر ما رأيت؟
قال سامر:
– يا سيدي الشيخ الموضوع بسيط، النساء جئن إلي ليقولوا كم كانت السيدة أزهار زوجة صالحة وإنسانة طيبة، طباخة ممتازة، أديبة عالمية، مثقفة كبيرة سنشعر بنقصانها وأجبت أجل هذا صحيح… شكراً.
وتوقف سامر. حثه الشيخ:
–  وماذا مع الرجال الذي هززت لهم رأسك بالرفض.
– آه يا سيدي الشيخ، الرجال كان يسألون بإلحاح إذا كان الحمار للبيع!!.
[email protected]