الجالية العربية …
بقلم : وليد رباح ….
في زمن الرق و العبودية.. زمن الانتكاسات و الهزيمة و الوجع.. يبرز في الامة (اي امة) من ينظر لها ويبرز لها اخطاؤها و تأخرها.. و قد يكون هذا التبرير انسانيا في تعامله من الناس. ولكنه دوما يندرج تحت قائمة الخطأ..
ولا يشك ابدا ان كل امة تستمد عظمتها من تاريخها.. فكل الامم في هذا العالم لها اضاءات تاريخية تسير على هديها و تحاول دوما ان تعود الى الوراء لتذكير الناس بما كانت عليه تلك الحضارة.. و لم تشذ عن هذه القاعدة سوى الولايات المتحدة الامريكية التي ليس لها تاريخ أبيض اللون مثلما هو تاريخ كل امم الارض.. اذ قامت الولايات على جثث الموتى من الهنود الحمر.. وعلى بناء حضارة ( سريعة) سوف يسجل لها الزمان انها تآكلت سريعا مثلما نمت بتلك السرعة الفائقة.. و سيكون الزمان شاهدا على ذلك..
أما ما يعنينا في هذا الامر فهي الحضارة العربية.. تلك التي شمخت في زمان ما حتى طاولت السحاب و عمت ارجاء المعمورة.. و لكنها أخذت في التآكل في عصور الزمان المتأخرة حتى غدت ذيلا لأمم الارض ممن تتباهى بحضارتها و تسير على هديها..
واذا ما كان التغني بالماضي من الامور الطبيعية عندما يدب الوهن في الامة.. فان( سرعة البديهة) عند بعض الكتاب و المنظرين قد جاوزت اسباب التعسف لتعطي لنا صورة مقلوبة عن الاوضاع العربية فتحيل كل الانجازات العظمية للامم الحديثة وتردها الى اصولها على أنها عربية..
فشكسبير يتحول فجأة الى اسم عربي اصله عربي يدعى (الشيخ عبير) وجيرالدين الامريكية او الانكليرية اصل اسمها عربي هو( جبير الدين) و ناحوم جولدمان ذلك الصهيوني العريق يتحول اصله فجأة الى عربي فيقال بان اجداده كانوا من المسلمين ثم تهودوا وان اسمه الحقيقي هو( نعيم الذهبي) بمعنى انه من عائلة الذهبي العربية.. و قس على ذلك اسماء مشاهير هذا العالم.. اذ يعمد بعض الكتاب ممن منحهم الله عقلا متخلفا ان يردوا اصولهم الى اسماء عربية.. وتلك لعمري آية في الغباء لم يشهد التاريخ العربي لها مثيلا عبر عصوره المتفاوتة..
و لم يقتصر الامر على الاسماء.. بل رد البعض من (البلهاء) اصول اللغات في العالم الى الاصول العربية.. وكأننا نحن المتمزين في هذا العالم و الاخرون كومة من الزبالة يجب ان لا يعتد بها..
صحيح ان اللغة العربية انتشرت مع الانتشار العربي على رقعة هذه الارض.. ودخلت بعض اللغات اسماء عربية كثيرة كالاسبانية مثلا عندما اخذت السكر و الجبر و القميص و البنطلون من اللغة العربية.. ولكن هذا الامر يعتمد على اننا فرضنا هذه الكلمات ايام كنا مستعمرين لبعض الدول مثل اسبانيا مثلا.. ومن يعتبروننا فاتحين لنشر الدين الاسلامي هم من الاغبياء.. لاننا كنا (امبرياليين مستعمرين) بكل ما تحويه هذه الكلمة من معنى.. و لم يكن لنا في الاندلس لا ناقة ولا جملا.. وانما هو الغزو و التوسع و لو انهما اخذا في طريقهما كلمة ( نشر الدين الاسلامي) الذي توسع معناه حتى غدا مشجبا لغزونا للعالم القديم في ذلك الزمان القديم..
وقد يغضب هذا القول بعض الذين يرون لنا حقوقا في البلدان التي تحررت من ربقة ( الاستعمار العربي)، فاذا ما سلمنا بذلك.. فاننا نسلم ايضا بان لليهود حقا في فلسطين لانهم حكموها فترة قصيرة من الزمان.. وكانوا في احتلالهم لها مستعمرين كما كنا مستعمرين ايضا في اسبانيا.. ثم خرجوا منها بعد تحريرها كما خرجنا من اسبانيا بعد ان تكالبت علينا قوى اروبا لتخرجنا من ديار ظننا اننا سنقيم امبراطورية ابدية فيها.. و خلاصة القول اننا لو اتبعنا المقولة و الحيثيات القديمة فاننا يجب ان نطالب بجزء من فرنسا وجزء من الصين و بعض اجزاء الهند.. ولوجب علينا ان نطالب الامريكيين بالرحيل عن امريكا لانها تعود للهنود الحمر.. و تلك لعمري رسومات جديدة لعالم جديد يمكن ان يقلب موازين القوى لصالح فئة دون الاخرى..
و لا نريد في هذه العجالة ان نبتعد كثيرا عن موضوعنا.. فالعالم يتشكل وفق معايير القوة و الضعف.. وها هي (اسرائيل) القوية تعيد امجادها التي بنتها على الاوهام مثلما بنينا اوهامنا في الاندلس.. و لكن الفارق بيننا و بينهم انهم ظلوا ثلاثة الاف عام وهم يطالبون بالارض التي حكموها فترة قصيرة من الزمن.. اما نحن ( فبكينا) ملكا لم نحافظ عليه مثل الرجال..
وتاكيدا لهذا القول فان الدولة ( الوحيدة) التي تدافع بحرارة عن المشروع الصهيوني في فلسطين هي امريكا.. لان تجربتهما متشايهة تماما.. فالامريكيون (نظفوا) الولايات المتحدة من الهنود الحمر.. و تحاول اسرائيل اليوم ان تنظف ( الفلسطينين) من بلادهم تاكيدا للتجربة الامريكية.. ولذا فان امريكا لا تريد لتجربة اسرائيل ان تفشل. فان فشلت .. فهذا يعني فشلا للمشروع الامريكي في احتلاله للولايات المتحدة الامريكية.
الاسماء العربية تظل اسماء عربية.. و الاسماء الغربية تظل على حالها غربية. و يقينا ان (زعرنة) بعض الكتاب في رد كل ما هو جيد و جميل الى العرب معناه اننا افلسنا و لم يبق لنا الا ان نجبر حضارة الاخرين الى حضارتنا.. و تجيير اللغات الى اللغة العربية معناه ان لغتنا قاصرة عن السير في ركاب العلم و المعرفة.. و اننا نعزي انفسنا بان اصول لغات هذا العالم كلها (عربية) وتلك مقولة بلهاء لا يأخذ بها سوى البلهاء..
فشكسبير كان انكليزيا.. وجيرالدين هي جيرالدين الغربية.. و ناحوم غولدمان هو ذلك الصهيوني الذي ساهم في اذلال العرب.. ولغتنا لم تكن يوما الا لغة حية و ستظل حية الى أن يأخذ الله الارض ومن عليها لأنها لغة القرآن.. ويقول المولى عز وجل (أنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) وطالما ان الذكر قد ورد الينا باللغة العربية.. فهذا يعني انها ستظل حية الى الابد.. ولن يضيرها ان كان البعض قد اخذ عنها او لم يـأخذ..