ساعات يوم الحساب – بقلم : نبيل عودة – بقلم : نبيل عودة

آراء حرة …
بقلم : نبيــل عــودة – الناصرة ….
ديماغوغ: لامع وفارغ!!
أنتظر مثل آلاف المواطنين المخلصين والقلقين على ما يجري في وطننا وشرقنا الحبيب، موعد إلقاء رئيس حكومتنا الرشيدة النظيفة اليدين والساقين والجيوب العليا والدنيا، السيد بيبي نتنياهو خطاباته. لعلّ أعجوبة تحصل ونستمع الى طرح لحلّ مشكلة الشرق الأوسط التي كانت تسمى المشكلة الفلسطينية .. او النزاع الاسرائيلي فلسطيني وأصبحت نزاعا أخطبوطيا تمتد أطرافه المؤلمة الى مختلف انحاء الأرض .. وبات الطرف الآخر يُسمى الإسلام المتطرف او داعش او القاعدة أو ما شئتم من تسميات رديفة.
اعترف أني معجب بالقدرات الخطابية لبيبي نتنياهو، وأعشق الاستماع اليه حتى لو لم تعجبني مواقفه، وأكثر ما يعجبني بخطاباته ديماغوغيته بخلط الأوراق، لدرجة انه يمكن القول انه استاذ الفن الديماغوغي في السياسة. وهو فن يحتاج الى مستوى كبير جدا من الذكاء، او من التغابي، الذي يعتبر ذكاء فطريا أيضا… ودائما يفاجئ الاعلام ببدع ديماغوغية جديدة، لدرجة أني لو كنت مديرا لمعهد جامعي للعلوم السياسية، لجعلت من خطابات بيبي نتنياهو الديماغوغية مادة دراسية مركزية في علوم السياسة او فن الديماغوغيا!!
طبعا هذا جانب واحد، اما الجانب الثاني في فن الخطابة لبيبي نتنياهو، فهي قدرته على ان يكون خطيبا لامعا جدا، وفارغا جدا بنفس الوقت، وهي ميزة نادرة جدا، حتى في الخطاب الصهيوني الذي زيف تاريخ الشرق الأوسط وفلسطين، وجعل الخرافات والأساطير منهجا لتشريد الفلسطينيين من وطنهم والاستيلاء على ارضهم وسائر ارزاقهم، بحجة اسطورية اسمها وعد الرب.
بحثت في الطابو فلم اجد ذلك الوعد. . اذن أين سجل القدير وعده ..؟ ربما في الطابو الأمريكي ؟.. او البريطاني؟ لا أحد يعلم. طبعا الأهم ليس وعدا لا شهود عليه كما يشترط القانون .. بل خطابات نتنياهو حيث ان لمعان خطاباته يضاهي فراغها رغم انها تثير هزة بدن موازية لعشر درجات بسلم ريختر ..  خاصة قوله في تحيته بافتتاح السفارة الامريكية في القدس انها خطوة نحو السلام .. لكنه لم يوضح إذا كانت خطوة للأمام ام للخلف!!
لو كنت محرّرا لصحيفة او لموقع اعلامي بالشبكة العنكبوتية، لوضعت عنوانا ضخما: «خطابات بيبي نتنياهو: عظيمة ولامعة بقدر ما هي فارغة».
طبعا ارجو النظر الى اعجابي الكبير في موقفي وتقييمي لرئيس حكومتنا، الذي يعشق الغواصات والطائرات والسيجار الكوباني الفاخر والشمبانيا الوردية والبيضاء وأشياء أخرى كثيرة لم يكشفها الاعلام الإسرائيلي، ربما بسبب سريتها الأمنية ..؟
خطاباته الفارغة، لكن اللامعة جدا في الأمم المتحدة مثلا، وخاصة وقفته الصامتة لدقائق معدودة مبحلقا بممثلي الدول. ظنَّ بعضُهم أن مكروهًا ألمَّ به وشلّه عن الحركة .. وحرّرهم من سماع جمله المكررة والتي حفظوها عن ظهر قلب، اعاد الى ذاكرتي قصة رواها لي استاذ الفلسفة حين كنت طالبا في الاتحاد السوفييتي في سبعينات القرن الماضي. طبعا انا لا اكرر قصته، انما أحرّفها وأقلب مضمونها لأطبّقها على واقع مختلف نعيشه في أيامنا ..
ساعات يوم الحساب ..
يقال ان يوم الحساب لزعماء العالم يختلف عن حساب الناس العاديين. فرؤساء الدول سيجري لهم استقبال يليق بمكانتهم السابقة على الأرض، قبل ان يقرّر القديرُ المكان المناسب لهم، في الجنّة او جهنّم، او ربما منعا لحدوث قلاقلَ سياسيةٍ في جهنّم، سيحتفظ بكبار المشاغبين في منفى خاص يسمى “محمية الزعماء الطبيعية” حيث يكونوا بعزل تام عن أهل الجنّة، كي لا يصيبوهم بجراثيم فسوقهم .. كذلك لا بد من ابقائهم بعيدين عن أهل النار حتى لا يثيروا القلاقل والاحتجاجات والمطالب بالتغيير واسقاط نظام الاستبداد الجهنمي، والسبب ان القدير تدخّل مرات كثيرة لإعادة النظام الى جهنّم حين وصل اليها الفاسقون من قادة دول، زعماء أحزاب، رؤساء نقابات، اعضاء برلمانات ووزراء… فنظموا أحزابا سياسية ونقابات عمالية ولجنة متابعة، وكاد الشيطان يفقد سيطرته على النظام، لذلك تقرر بعد المشاورة عزل هذه الفئات المشاغبة عن بقية الخلق داخل محمية طبيعية لا يخرج منها أحد ولا يدخلها احد .. ويجري تسليمهم للعقاب في جهنم بالتدريج وبدون ارسال أكثر من واحد في كل مرة .. لكن المشكلة التي يجري بحثها بشكل طارئ ان عددهم يتزايد والمحمية تضيق بهم.
هذا من جهة أولى، من جهة ثانية حتى يجري الضبط الدقيق لأقوال الزعماء، ومدى مصداقيتهم، وتقييم نوع العذاب الذي يستحقونه، اقيمت في السماء غرف خاصة لوزراء الدول وقادة الأحزاب، حيث امتلأت حيطان الغرف وأسقفها بساعات، بمعدل ساعة لكل شخصية، وأوكلت المهمة الى جبرائيل، الذي كُلَّف من القدير بمهمات عديدة سابقا مثل التبشير بميلاد ابن الله يسوع المسيح، واعتماد الأنبياء .. وإنزال النصوص الدينية، مرة بالسريانية ومرة بالعبرية وآخرها بالعربية الفصحى .. وأصبح خبيرا بخلق الله، لذلك أوكل برصد هذه الساعات، التي تتحرك عقاربها كلما تفوّه صاحب الساعة بوعد كاذب، او بكلام لا يقصد ناطقه الالتزام به، او بموقف سياسي يقلب الحقائق بفن سياسي يسمى بعلوم السياسة “ديماغوغيا”، أو بخطاب لامع وفارغ .. او بمشروع من مليارات الدولارات لتخفيف التمييز في الميزانيات الذي تعاني منه الأقليات، إذا تبين مثلا انه مجرد مشروع ورقي غير قابل للتنفيذ، كما هي حال وعود حكومات إسرائيل للأقلية العربية المميز ضدها.
مثلا توفي قبل سنوات زعيم سياسي هام لحزب ثوري، اثناء الجولة التي نظمها له جبرائيل في “المحمية الطبيعية” شاهد في غرفة حزبه ساعات كثيرة معلقة على الحيطان والسقف، تفاجأ من كثرتها، وقال: ان ساعة واحدة تكفي، لماذا هذا التبذير؟ من سيدفع تكاليفها؟ لكن جبرائيل شرح له ان لكل قائد من قادة حزبه توجد ساعة خاصة به ترصد كلامه، وكلما كذب أحدهم تدور عقارب ساعته مسجلة ساعات كذبه بالمقارنة مع ساعات صدقه، وعلى العموم مصداقية زعماء الأحزاب والدول هي صفر كبير، تجعل عقارب الساعة تدور .. اما الكذبة ثقيلة الوزن فتجعل عقارب الساعة تدور بسرعة كبيرة. سأل الزعيم: واين ساعتي؟
اشار جبرائيل الى ساعة في وسط سقف الغرفة وقال: هذه ساعتك!!
يبدو ان بها خلل، قال الزعيم، وأضاف: انظر ان عقاربها تدور بسرعة؟ وانا لم اكذب منذ وفاتي قبل أسبوعين، الا تعلم يا جبرائيل ان الميت لا يتكلم؟
شرح له جبرائيل ان أكاذيبه كانت كثيرة جدا لدرجة ان الساعة لم تنته بعد من مهمة تسجيل أكاذيبه كلها .. وان الأمر كما يبدو سيستغرق عدة أيام قبل ان تنتهي ساعته من تسجيل أكاذيبه وعندها تتوقّف العقارب عن الدوران!
قال الزعيم: في السياسة الكذب هو جزء من الشرعية السياسية، ومن فن السياسة وأضاف: كلهم يكذبون، والصدق في السياسة يقود الى الفشل…  أجابه جبرائيل: هذه التبريرات تليق بألعاب صبيانية، لا يمكن تسويقها في السماء، وأضاف: تعال معي لترى ساعة وزير المالية .. كيف تدور بسرعة مروحه هوائية. أخذه الى غرفة أخرى وأشار الى ساعة معلقة في سقف الغرفة، ورغم ان الجو في المحمية الطبيعية في الجنة لا يحتاج الى مروحة للتبريد، فكل شيء مضبوط بدقة بإذنه تعالى.
شرح جبرائيل: هذه ليست مروحة تبريد انما ساعة وزير المالية، تدور بسرعة مروحة هوائية لأن كل وعوده تتلاشى بعد التصريح بها.
وهنا سأل الزعيم السياسي عن ساعة رئيس الحكومة نتنياهو ..
أجاب جبرائيل: خصّصنا لها مكانا خارج الغرف لأن سرعة دورانها تحدث ضجة كبيرة، ضجيجها لا يمكن احتماله داخل الغرف المغلقة، لذا وضعت ساعته بساحة المحمية .. أخذه الى النافذة وأشار الى ساعة في ساحة المحمية، قال له انظر الى سرعة دوران عقاربها، انها تقارب سرعة دوران المحركات النفاثة!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- ديماغوغيا: ترجمت للعربية بكلمة “غوغائية” وهي تدل على مجموعة الأساليب والخطابات والمناورات والحيل السياسية والكذب التي يلجأ إليها السياسيون من اجل تنفيذ أفكارهم واستمرار تزعمهم.
[email protected]