قصيدة غراء محفورة بالذاكرة وعصيّة على النسيان..؟؟!! اختارها : طلال قديح

منوعات …..
طلال قديح  – كاتب فلسطيني من السعودية …
ما أجمل أن يعود الإنسان إلى الماضي فيقلب أوراقه ويعيش معها وقتا ممتعا  تتعانق فيه  ذكريات الصبا فيعيش مع الأصدقاء والزملاء لحظات ممتعة غنية بما يملأ النفس حنينا للقاء وتطلعا لمعرفة أخبارهم السارة ولا سيما أن الكثير قد حلقوا في عالم الإبداع وتسنموا مكانة مرموقة في العطاء  يشار إليهم فيها بالبنان.
ومن نافلة القول: إن أقرب الأصدقاء إلى القلب هم زملاء الدراسة لأنها منزهة عن الغرض وتتسم بالصدق والوفاء.
ومن جميل الصدف أن يكون هناك عدد لا بأس به من زملاء الدراسة في جامعة بيروت العربية، ونظرا لأن عددنا لم يتجاوز  ضعف أصابع اليدين فقد توطدت العلاقات ونمت وتطورت حتى بعد تخرجنا وتفرقنا في بلاد متعددة.
ولعل أبرز هؤلاء الزملاء الشعراء الأخ حسن علي حمادة من طرابلس لبنان الذي لم ولن أنساه لحظة واحدة فقد كان نعم الأخ ونعم الصديق، وشاعرا متألقا طالما أتحفنا بقصائد غراء تتدفق بمشاعر صادقة وعاطفة جياشة، ولا أنسى كلمة الخريجين التي ألقاها في يونيو عام 1966 التي حفرت بالذاكرة وهو يقول: لا أقول وداعا بل إلى اللقاء في درب العمل والجد والعطاء.
وفور تخرجه هاجر إلى الأرجنتين ومكث هناك بضع سنين، ولم ينقطع الاتصال بيننا عن طريق الخطابات على الرغم من طول المدة التي تستغرقها الرسائل آنذاك..
وسعدت كثيرا بأن أتلقى منه رسالة تتضمن هذه القصيدة  قبل أكثر من خمسين عاما حينما كنت أعمل مدرسا بوادي الدواسر جنوب الرياض على أطراف الربع الخالي..وما زلت أحتفظ بها مكتوبة بخط يده كأثمن كنز أدخره وأعتز به.
وهأنذا أنشر القصيدة  كأفضل هدية للقراء..
طيري بنا للشمس وارتفعي  فوق الجبال وكل مرتفع
طيري بنا، إن لم أجد أفقا لك خلف الشمس   أخترع
إني نشرت هناك أشرعتي  لا تفزعي لو طرت أن تقعي
وحبال صاريتي معلقة بالشمس ، فوق الظن فاندفعي
يا أنت  يا ذاتا مجنحة   إن تصطدم بالطود  ينصدع
طيري سفينة عالم عجب ما للبحار خلقت  والترع
أفديك لاهثة بلا تعب   كحمامة  تبكي بلا  وجع
ضاقت عليك الأرض  منتجعا  فالجو دونك  خير منتجع
ما عاد بعد اليوم مزرعة    للريح والعقبان  والبجع
إن ضاق يوما عنك  فارتفعي لك من سمائي ألف  متسع
وإذا رأيت الريح عاصفة بالطير ، فلتأكل بلا شبع
ما  أنت يا غولا  به جشع  إن تفزعي من عاصف جشع؟!
****   ****     ****   ****
طيري بنا  عودي  إلى جبل ما عاد عنه  إلى غيره ولعي
عودي ازرعيني عند دالية  في بقعة من أطيب البقع
في ضيعة هناك زرعت على  درب المجرة زهرة الضيع
ماذا ينال  الدرب من قدمي  ومعي صلاة من أب ورع؟!
عودي بنا لا شيء يمنعني    الله في قلبي وأنت معي
وهكذا يبلغ شوقه إلى لبنان وحنينه إلى الجبل مهد طفولته وملعب صباه-ذروته، فلم يجد بدا من العودة فلا غربة- مهما كانت المغريات- تغني عن الوطن الذي تنبض بحبه القلوب وتهفو له دوما النفوس مهما طالت الأيام وبعدت المسافات..فكيف إذا كان هذا الوطن لبنان وطن الحب والجمال والعطاء الذي أنجب فحول الشعراء والمفكرين والعلماء ليظل اسمه منارة تتلألأ صباح مساء!!
سقيا لأيام لبنان التي سلفت   مضت كأنها سكرات الوصل في الحلم