في حوارٍ معها … ( الجزء الثامن ) – بقلم : د . سمير ايوب

منوعات …
بقلم : د. سمير محمد ايوب – الاردن …
شئٌ لم يَنتهِ ، وشئٌ لم يبدأ بعد !
صديقةٌ مثقفةٌ متقاعدةٌ متأملة ، عملت مُطولا في الشأن العام ، داخل بلدها وخارجه . مقيمةٌ في البعيدِ من الوطن العربي . مع أول فناجيلِ قهوتي الصباحية ، برفقة الكثير من الفيروزيات ، صبحَ هذا اليوم ، هاتفتني مطولا . في ثنايا حوارنا قالت : بشغف تابعت الجزء الخامس والسادس والسابع من حواراتك معها . واتفق معك تماما ، أن  الكثير من العلاقات الانسانية ، وما يلفها من مشاعر نبيلة حميمه ، بات يجتاحها ، عواصف صادمة للروح والعقل ، ومتغيرات متسارعة على مختلف الصعد . فيبدو المشهد ، بما يمور فيه من صراعات وتمزقات وازمات ، مترنحا في حالة سيولة لزجة تامة . الأرض تميد بأهلها . القيم تضطرب فوقها . وفوضى شاملة تجتاح كل دهاليزها . فهل بات الكل يا شيخنا ، مستغرقا بسلبية العجز ، لا حول له ولا قوة ، منتظراعلى أبواب علاماتٍ كبرى ، لقيامة دَنَت قبل أوانها ؟
قلتُ مهموما : إزاء هذا المشهد المجنون ، تحارُ أفضل العقول . وتفقد بصيرتها وقدرتها المستنيرة ، على رؤية الاحداث ، وما وراءها ، وما كان قبلها ، ومن ثم تفسيرها وإدراكها وعقلنتها ، والكشف عن ثيماتها العميقة المتخفية .
يمكن تتبع حيرة الفكر إزاء ما نسمع وما نرى ، في ذلك السيل المتدفق من التفاصيل . سباقٌ محمومٌ بين طرفي الإختِصام ، في صياغة وإبتداع وفبركة أسبابٍ لتوصيفِ المعاش ، ومنحه مُسمياتٍ ومعانٍ ، يريدوننا تصديق تمويهاتها المُراوغة .
أدرَكْتْ أن عدوى الحزن والهم قد أصابتها هي الأخرى ، بعد أن قالت : أعرف يا صديقي ، الكثيرَ من تلك التوصيفات  المطروحة للتداول الفج ، في بازارات التخاصم وبورصاته ، عناوينٌ لتورياتٍ كبيرةٍ مُتأتأة ، مثل : القيم الإستهلاكية الشكلانية ، تفكك المنظومة الأسرية وتراتبيات المجتمع ، التفسخ الأخلاقي ، البُخلُ المادي والعاطفي والإيماني ، نهاية عصر الرجال ، إنتهاء صلاحية المرأة . وأكثرها بشاعة ، إرتطام وصدام مصالح صغرى عابرة ، شعارها أنا ومن بعديَ الطوفان . وغير ذلك من توصيفاتٍ متنوعة ، ذات أبعاد نفعية فوضوية .
أكملتُ ما تفضلت به رفيقة الهم : وسط هذا الإرتطام الظاهر على السطح ، المزدحم بالركام والرؤى المتنافرة ، تُطِلُّ بواطن الواقع وقيعانه ، بتوصيفٍ مختلفٍ لما يشهد سطح المشهد . توصيف مثير جدير بالتامل . أُسميه المسكوت عنه . جُلُّه قِوى لا يمكن الإفصاح عنها  ، بالكثيرٍ من الصراحة . تتحكم في بنى وصور ومضامين وإتجاهات وتبعات الإرتطام ومتفرقات الإختصام .
أزماتٌ عميقةٌ في قلب العلاقات ، فيها دلالاتُ إنهيارٍ أو أفول . ليس فيها بشارةٌ لميلادِ جديدٍ ، قد يبزغ من هشيم الواقع الغارب .
قالت ضيفتي : هنا يكمنُ سؤالي يا شيخنا . قل لي من فضلك ، لِمَ تُصابُ العلاقات بهذه الأزمات المثيرة للفزع دفعةً واحدة ؟ أنابعةٌ هي ، من الإخفاق على المواجهة ، أم من نجاح الصمتِ والخجلِ والجهل ؟
قلت : للحديث أكثر من بقية يا سيدتي ….