قراءة في مجموعة : هؤلاء لا يأكلون الشوكولاته – بقلم : محمد رجب

اصدارات ونقد …
بقلم : محمد رجب – كاتب مصري …
(أميرة الوصف ) كما ورد فى تعريفها الشخصى على صفحة التواصل الاجتماعى كاتبة روائية وقصص قصيرة ،كما أنها محررة صحفية ، والمتتبع لمنشوراتها على صفحتها الخاصة يجد أنها تتمتع بروح جريئة فى آلية  الكتابة فهي تكتب كما يتراءى لها من وجهة نظرها للحياة والتعامل مع الأحداث بتلقائية يجعل كلماتها تلمس الروح وتفتح آفاقا جديدة للرؤية لأشياء قد تبدو عادية ولكنها تتفاعل معها وتعطيها أبعادا أخرى،  و- من وجهة نظري- أن هذه مشكلة شريحة كبيرة لجيل شباب الكتاب الذين تعودوا على التغريد والتعليقات على المنشورات للأصدقاء والمنشورات الخاصة على صفحاتهم حيث أنهم فى هذه التغريدات والتعليقات يعبرون عن أنفسهم بصدق وتلقائية ولكن عندما يكتبون عملا إبداعيا يرتدون عباءة الأديب ويبحثون عن قضايا كبيرة للكتابة عنها ولا يطلقون العنان لطريقتهم اليومية فى الكتابة للتعبير عن قضاياهم وتفكيرهم فإذا بهم يبحثون عن الزخرفة الأدبية والجمل المجانية ، فى حين أن لو انتبهوا لوجدوا جماليات أخرى للكتابة الإبداعية لها بلاغتها الخاصة ، حيث أنه من الأفضل أن يكون لديك شيء تقوله من غير تقنيات القصة، عن أن تملك التقنيات وليس لديك شيء تقوله،  لماذا هذه الشريحة  لاتعتبر القارئ صديقا يشاركها طزاجة اللغة؟!
قرأت المجموعة القصصية لأميرة الوصف  (هؤلاء لا يأكلون الشوكلاتة ) كمن يسمع لمحطة إذاعية فى نسيم ليل صيفى يبحث عن أغنيته المفضلة ولكن تائهة بين المزيج من الموجات الأخرى التى تبث أشياءً جميلة فى سياقها كمقطع موسيقي حالم يأتي من البعد، ففضاء ( أميرة الوصف ) الإبداعي يستوعب كل المؤثرات الابداعية  فقط لو ضبطت مؤشرها الإبداعي.
المجموعة القصصية (هؤلاء لا يأكلون الشوكلاتة ) مجموعة فى مجملها جيدة تتمتع بالصدق الفني من خلال عرض بعض القضايا الانسانية المهمة، فازت مؤخرا إحدى قصصها وهي” عزيزى أنا ” بجائزة اذاعة ال BBC عن أحسن قصة قصيرة.
ولن تستطيع  كتابة قصة قصيرة جيدة دون أن يكون في داخلك قصة جيدة .
القصتان  “أحيانا لا يذوب السكر” و ” أبي لا تتركني معهم ” جاءتا على موجة واحدة من  الإيقاع كأحد السمات التى تتناسب مع التقنية الفنية للقصة القصيرة .

” المائدة ” و”هنا يرقد العجوز الغامض” قصتان متشابهان فى المعنى ومختلفتان فى الصياغة، فالكلب هو من ينهى القصتين عندما يتبع غريزته الحيوانية فى الانتقام من ذبابة كانت تضايقه  ويقلب المائدة أثناء تدليل صاحبه على المائدة الثرية بكافة أطايب الطعام والشراب فى الوقت الذي يحرم صاحبه منها الآدميين ويفضل كلبه عليهم ، والكلب الآخر فى قصة  “هنا يرقد العجوز الغامض” الذى فضله صاحبه على أسرته وأخذه معه فى رحلة التحدى للموت إلى أن أكله هذا الكلب بدافع غريزة الجوع .
الفرق بين التكثيف والتلخيص.
إذا كانت القصة القصيرة هي فن التكثيف فهناك فرق بين القبض على لحظة حياتية عابرة، وعلى الكاتب أن يستغني عن كل ما يمكنه الاستغناء عنه من الألفاظ والعبارات، وكل ما من شأنه أن يثقل النسيج القصصي، ويبدو حشوًا يرهل النص، ويضعف أثره الجمالي وبين تلخيص أحداث وقعت بالفعل من خلال نسيج سردي كما جاء فى قصة ” وعد” التى عرضت الكاتبة حياة وعد بداية من صباها مرورا بعملها عند المحامى الكبير( الذي أيقن أن دور وعد لن يتوقف على أعمال نظافة مكتبه فحسب وإنما آمن  أن سوف يكون لوعد وظائف أخرى!) حتى مقتلها على يد صبي الجزار بعدما لمع ذهبها فى عيونه كما ورد فى القصة.

العنوان الذى حرق النص والعنوان الذي استدعى نصا.
فى قصة “صرخة شهرية” قد تكتفي القصة  بتصوير لحظة شعورية واحدة نتجت من حدث تم بالفعل أو متوقع حدوثه، ولا يدهش القارئ إذا انتهى من القصة، ولم يعثر بها على حدث؛ إذ يمكن أن تكون مجرد صورة أو تشخيص لحالة أو رحلة عابرة في أعماق شخصية،ولهذا تتضح أهمية الحدث وأهمية أن يكون فعلا قويًا شديد التركيز والسلاسة وشديد التعبير أيضًا عن الحالة النفسية لأبطال العمل؛ لأن القارئ إذا لم يجد هناك حدثًا هامًا وفاعلا فسينصرف عن متابعة العمل؛ إذ إنه فقد الحافز المهم وهو الحدث.. إن الحدث هو ما يمكن أن نعبر عنه في أقل عدد من الكلمات، فلو جاء هذا التعبير عن القصة بأكملها فى العنوان فقد احترق النص التي تحته فـ ” صرخة شهرية ” هي العنوان والقصة معا!
أما قصة “هل يركع القمر” عنوان شاعرى داعب خيال الكاتبة كومضة سحرية أبت ألا تتركه يمر هكذا دون توثيقه بقصة جاءت على نفس موجة الخيال الشاعرى الحالم للعنوان بلغة لا تقل عذوبة عن هذا الخيال الشعرى للعنوان ولكن هذه المناجاة الخيالية قد استهلكت كثيرا وتوقف استدعاء مثل هذه الصور المجانية  بعدما اكتشف الإنسان المعاصر حقيقة القمر.
التمرد الجميل والدعوة للحياة.
دعوة للتمرد لكسر الركود المزمن والبحث عن فضاء آخر أكثر سعة للفروع بعيدا عن الجذور حين أعلن “جورج ” بن “أدوارد “الطباخ الذى تداعب أذنه نغمات الكمان وسط ضجيج أدوات المطبخ آتية من حلمه القديم بأن يصبح عازفا للكمان فيعلن أخيرا أن” الحلم لا يورث ولتذهب النسخ المكررة للجحيم”
وفى قصة ” أيها الألم أنا كافرة بك ” ضربت هدى بطقوس صباحها عرض الحائط” رغبة فى الحياة فى مقاومة الألم لتنتصر عليه مستبدلة الألم بالأمل !
التماس مع الكتابة.
“عزيزى أنا” ،”ثورة الأنا” ،”قرائى المزعجين ..شكرا” و أشباح الأديب ” قصص تعبر عن معاناة الكاتب وعلاقته بأدوات الكتابة وإرهاصاتها المحيطة بالمبدع فى تفاصيل حياتية صغيرة بدأ من أبسط أشكال التعبير وهى كتابة رسالة لصديق ثم يكتشف أن أعز أصدقائه المقربين هو “الأنا” التي يجب التواصل معها ومناقشتها والتسامح معها.
ومن خلال ” رحلة التنقيب” تستأنف”ندى” رحلة إرهاصات الكتابة وتثور على قالبها التقليدى فى الكتابة لأصحاب المجلات الملونة لتخاطب أصحاب القلوب المحطمة !
والأديب الكبير يشكر قرائه المزعجين من خلال تجربة أكثر عمقا فى التعبير عندما يصارح قرائه بالضجيج الذى يحدثه الكاتب حينما تنازعه أفكاره ويختلط الكذب بالخيال لينتج عملا يستحق القراءة ، ولكن جاء اسم “آدم” فى القصة مربكا حيث أن الكاتبة استخدمت اسم آدم” كرمز للذكورة” فى قصة ” صرخة شهرية” ولكنه جاء هنا مجردا من الرمز حيث أن أى اسم كان من الممكن أن  استخدام اسم آخر غير آدم!
وفى النهاية يحدث هذا الخيال والكذب حالة من الرعب والخوف عندما يختلى الأديب مع أشباحه الخيالية فى قصة ” أشباح الأديب” ويجدر الإشارة هنا إلى وصف “الأذن يأكل الخوف” تركيبة لغوية فى غير محلها حيث أن الخوف محله القلب والأذن وسيلة انتقال الخوف إلى القلب عبر الأذن فالإذن تصم ولكن لا يأكلها الخوف ؛ كما ورد أيض فى نفس القصة  ” هرولت صورة الريف إلى مخيلة آدم فهاهى أصوات تتعالى بدفء ريفى ، وألحان ماكينات الرى ودراما حنين الأرض لوعد سقياها، وهمسات النرجس الشادية وتآلف أزهار الفل والقطن” حيث أن هنلك فرق بين الفلاح والبستانى فليس من المعتاد أن تجتمع أزهار الفل والقطن معا ، بالرغم من منطقية حدوثه!

ولألقاء الضوء على على هذا الصوت الشاب كان هذا الحوار
– أولا مبروك الجائزة
– الله يبارك فيك .. أشكرك جداً.
– متى بدأت الكتابة الأدبية ؟
– بدأت من أيام دراستى فى كلية الآداب جامعة المنصورة.. كتبت العديد والعديد من القصص الطويلة والقصيرة وشاركت بها فى مسابقات ثقافية تابعة للجامعات وحققت فوزاً وقتها .
– وماذا عن العمل الصحفى ؟
–   دراستى فى قسم الصحافة جعلتنى أنشغل أكثر بالعمل الصحفي والكتابة فى هذا المجال وابتعدت عن الأدب والكتابة فيه لبعد انتهاء الدراسة وبعدها كرست جهدي فقط للكتابة فى مجال الأدب من قصة وشعر ورواية .
– هل كنت تنشرين ما تكتبين فى ذلك الوقت ؟
– كتبت أعمالاً كثيرة و لم أتوجه أبداً الى النشر لرغبتى فى الكتابة دون النشر.
– متى بدأت نشر أعمالك؟
وفى عام 2015 فى معرض القاهرة الدولى للكتاب تم اصدار أول أعمالي القصصية تحت عنوان : هؤلاء لا يأكلون الشوكولاتة عن دار غراب للنشر والتوزيع ولاقت نجاحاً على المستوى النقدي و الجماهيري الى حد أحببته ورضيت عنه جداً ، وكانت القصص تتحدث عن معاناة نماذج عدة من البشر في بقاع مختلفة من العالم
– هل كانت هناك شروط للنشر؟
– وكان شرطها خلق حالة من التَوحد بينها وبين القارىء .
– قرأت لك أيضا عملا مختلفا عن هرلاء لا يأكلون الشوكلاته”
– كتابي” منشورات عاطفية ” وهو عبارة عن مجموعة رسائل أدبية  صدرت فى عام 2017
جمعت لغتها بين الشعر والنثر و حاولت فيها أن أناقش الحب وقضاياه فى الشرق الأوسط من منظورِ جديد بلغة شاعرية ناعمة .
– هل فكرت بكتاية روايه؟
– مشروعي الروائي الأول فهو بصدد الصدور بالتزامن مع معرض الشارقة الدولى للكتاب عن دار نشر إماراتية .
– هل شاركت بأى عمل من هذه الأعمال فى النشر الإلكترونى؟
– بخصوص النشر الإلكترونى , فى الحقيقة أنا لم أصدر أى عمل خاص بي الكترونياً ربما لثقتى وقناعتى بالأعمال المطبوعة الورقية أكثر نظراً للعديد من السرقات و الإخلال بعدة قواعد عامه فى النشر الكترونياً
إلا أنه من ناحية نشر الكتاب سواء الشباب الذين تمكنوا من خلق قاعدة شعبية وجماهيرية من خلال النشر على مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها .
أو حتى الكتاب الكبار الذين أعادوا فتح قنوات الإتصال مرة أخرى مع الشباب والجمهور من خلال اعادة نشر أعمالهم فى الفضاء الإلكترونى فلهذا ميزة وهى التواصل والتفاعلية و لكنها لا تكفي أبداً لأن يكون الإنتاج الأدبي حقيقاً وعلى المستوى اللائق بإمكاننا القول أن ميزتها الكُبرى هى الدعاية .
– كيف ترى المشهد الأدبى وخاصة الشبابى منه ؟
– تقييمى للأعمال الأدبية على الساحة كتقييم أى قارىء مُحب للآداب الإنسانية هناك أقلام جيدة ومبدعة و تقدم رسالة صادقة وواضحة وبالتأكيد هناك أقلام فقط تجارية وللإثارة والترفية .
– لاحظت مرة فى التعليقات على أحد منشوراتك الأدبية أنك تشرحين نثط الأدبى للقارئ فهل على المبدع شرح ما يقدم من نصوص أدبية ؟
– حدثت مرة بالفعل بأن قمت بتوضيح نص كتبته لأحد القُراء الأفاضل  لرغبتة فى الاستفسار عن شىء ما ,, والإجابة ببساطة شديدة لا ينبغي على الكاتب أن يشرح نصه أبداً ويجب أن تصل الرسالة كما تصل وحتى ان كانت مُغايرة لتلك التى يقصدها .. عندما يخرج النص الى الجمهور فهو ملكهم وعندما يخرج النص الى النقاد فهو ملكهم أنا مسئولة فقط عما أقصده وما أصوره.
– هل و نحن فى عصر الميديا التى تنقل كل شئ ومع التطور لكل شئ هل نحتاج إلى الزخرفة فى اللغة بدلا أن نبحث عن بلاغة جديدة تحل محل هذه الزخرفة؟
– بالتأكيد على اللغة أن تطور نفسها بإستمرار و لكنى لست مؤيدة لذاك النوع الرائج من التطور والذى ربما يتمثل فى رأيي فى بَتر اللغة و اختزالها وتقزيمها مما يجعلها تفقد تماماً جمالها و يجعل أنه ما من فرق واضح بين الكتابة العادية أو الخواطر و بين لغة الأدب ، أنا أرى أن لغة الأديب ينبغي أن تكون مزيجاً من العلوم و الخيالات و الفلسفة و الجماليات و الفنون ,, ينبغى أن يكون فى السطر الواحد لوحة فنية وحكمة و حكاية ،وأرى أن كبار الأدباء العرب مثلاً طه حسين كانت لغته سهلة و جميلة كانت السهل الممتنع لم يُعَقد اللغة ولم يبترها ويختزلها كذلك لغة الأديب السودانى العالمي ) الطيب صالح ) الذى أراه أحد أهم المُلهمين فى الكتابة كانت لغتة بسيطة سهلة وف ذات الوقت كانت ممتعة و قوية لذا لقبه النقاد بعبقري الرواية العربية وكذلك محفوظ ويوسف ادريس كانت لغتهم سهلة و ليست مبتورة لذا أنا مع تطوير اللغة وتطويعها بشكل يتماشى مع كل لغات العالم التى تخترق فس أى قارىء على اختلاف جنسيته ودينه وعرقه ولونه وتجعله يشعر بأنه رأى روح هذا الكاتب ووجهه على الورق هنا أؤمن تماماً بأن هذا الكاتب نجح فى إيصال رسالته من الكتابة وعرف سِرها وألهم الآخرين.