التواجد الأطلسي في ليبيا .. الحقيقة والأهداف – بقلم : مهنة أمين

سياسة واخبار ….
بقلم : مهنة أمين – الجزائر….
في 19 مارس 2011, بدأت قوات عسكرية من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بتنفيذ هجماتها العسكرية داخل ليبيا, بحجة حماية الشعب الليبي من الضربات العسكرية التي ينفذها قوات النظام الليبي على المدنيين العزل الساعين الى تغيير نظام الحكم بالطرق السلمية والى ترسيخ نظام ديمقراطي يحكم البلاد خلفا لنظام معمر القذافي, حيث علق الصحفي البريطاني “سوماس ميلن” في مقال كتبه بصحيفة الغارديان البريطانية :”أن الغرب لا يتخلى عن عادته المتأصلة في سلوكه، فمرة أخرى ها هي الولايات المتحدة وبريطانيا وباقي قوات حلف شمال الأطلسي تقصف دولة عربية بالطائرات وصواريخ كروز”.
وعلى حسب التقرير  الكامل للجنة الدولية لتقصي جميع انتهاكات القانون الدولي في ليبيا – المقدم لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان مارس 2012 , نفذت طائرات الحلف ما مجموعه 17939 طلعة جوية مسلحة في ليبيا بين 31 مارس 2011 و31 أكتوبر 2011: نفذ 17314 طلعة منها باستخدام طائرات ثابتة الجناحين، و375 باستخدام الهليكوبتر و250 باستخدام مركبات جوية غير مأهولة أو طائرات بدون طيار و كانت الضربات الجوية من نوعين: متعمدة (مخطط لها مسبقاً) وديناميكية (ضربات انتهازية على الأهداف التي تظهر أثناء المهمة) .
كان الهدف الظاهر و المعلن للعمليات العسكرية على حسب زعم قيادة الحلف حماية المدنيين من وحشية قوات معمر القذافي, الا أن الحقيقة الموضوعية تثبت لنا سلفا مدى تشبث الغرب بأخلاقه السياسية المكيافيلية ومدى تباهيه بممارسة كافة أشكال القوة ضد الأنظمة المستعصية,  وفي هذا الشأن أستدل بقول الصحفي البريطاني “سوماس ميلن:” أن التدخل الغربي في ليبيا هو نفاق صارخ, فهو يثبت أن هذه المعايير المزدوجة جزء لا يتجزأ من آلية القوة العالمية والهيمنة التي تخنق الأمل في أي نظام دولي موثوق به لحماية حقوق الإنسان”.
لقد ساهمت وسائل الاعلام الغربية والعربية وخصوصا قناة الجزيرة الفضائية بشكل فعال في اسقاط نظام معمر القذافي عبر أساليب دعائية وتقنيات إعلامية  مارست من خلالها تحريف وتزييف الوقائع الميدانية وتضليل الرأي العام العربي والعالمي بخصوص حقيقة ما كان يجري على الأرض الليبية من دمار على أيدي قوات حلف شمال الأطلسي التي كانت تمارس عمليات القتل والترهيب التي راح ضحيتها مدنيون أبرياء, إضافة الى عمليات النهب والسطو التي تعرضت لها الثروة الوطنية الليبية والتدمير المتعمد للبنية التحتية وعمليات خلخلة النسيج الاجتماعي وتقويض سلطة الدولة ونشر الفوضى المدمرة واشاعة الأكاذيب والمزاعم حول جرائم واهية لم يتورط فيها النظام ضد الشعب الليبي الأعزل, وهذا ما أشار اليه البروفسور المغربي الطيب العلوي بيتي في قوله :”لقد كشفت الهجمة على ليبيا النجاح الباهر لنظريتي الحروب الاعلامية الافتراضية cyber-news والحروب الافتراضية cyber-wars التي تمت تجربتها في حروب كوسوفو والعراق وأفغانستان, وتم تطويرها وتنفيذها في ليبيا, فهي أشد الحروب النفسية فتكا بتلافيف الدماغ وتضييعا للعقل البشري وتجميدا لملكات النظر والاعتبار والتفكير “.
إن الإطاحة بنظام معمر القذافي عمل مخطط منذ سنوات يهدف إلى وضع قواعد دائمة لحلف شمال الأطلسي داخل الراضي الليبية , كون ليبيا ” تعد عنصر في الترتيبات الضرورية لخلق قوة انتشار سريع , قوة تدخل يكون الشرق الأوسط هدفا رئيسيا لها “.
والمقصود بالشرق الأوسط ” دولة مصر”, حيث أثبتت الوقائع التاريخية ضلوع القوات العسكرية البريطانية والأمريكية  والفرنسية سابقا في شن العدوان الجوي على مصر سنة 1956بالتعاون مع الكيان الصهيوني انطلاقا من قواعدها في ليبيا, حيث تؤكد المذكرة السرية المؤرخة بتاريخ 10/11/1956 : “أنه علم من مصدر موثوق به ان الطائرات البريطانية الموجودة بمطار مدينة العدم الليبية هي التي قامت بضرب مصر بالقنابل, وذلك بالكيفية التالية : تقوم هذه الطائرات من مطار العدم الليبية  بعد تزويدها بالوقود الى قبرص حيث تزود هناك بالقنابل والذخيرة وتذهب لشن الغارات الجوية على مصر , وبعد أن تتم العمليات تعود الى مطار العدم”  , فوجود قوات حلف شمال الاطلسي في ليبيا مقصود منه حماية ودعم التطلعات التوسعية لإسرائيل على حساب دولة مصر.
والجدير بالذكر أن وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي  خلال اجتماعهم في بروكسل 2011 , اتفقوا على ضرورة التخطيط لدور الحلف في ليبيا بعد انتهاء نظام لقذافي , إضافة إلى إشارة رئيس قيادة العمليات المشتركة في نابولي  المكلفة بإدارة الحملات العسكرية على ليبيا  إلى” انه توجد هناك  حاجة لقوة صغيرة بمجرد انهيار نظام القذافي”.
إن الاستراتيجية النهائية المتمثلة في خلق قواعد عسكرية تابعة لحلف شمال الأطلسي على الأراضي الليبية تكون مهمتها الأساسية تنفيذ هجوم بري كاسح على مصر من الناحية الغربية بعد أن تكون القوات الإسرائيلية قد نفذت هجومها من الناحية الشرقية , وتندرج هذه الاستراتيجية ضمن الخطة النهائية المتمثلة في إقامة مشروع إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات, وفي شرح هذه الاستراتيجية يؤكد البروفسور عمران حسين في قوله: “إنه من اللازم علي اسرائيل أن تهاجم مصر وتحتل منطقة شرق الدلتا, ومن تبعات نجاح الناتو في ليبيا أن مصر الآن سوف تهاجم من الشرق والغرب”, ويصرح أيضا في هذا الصدد : “إنني متأكد أن أعدادا كبيره من المصريين باتوا متيقظين للخطر الذي يتضمنه نجاح الناتو في ليبيا ,لأن الوثاق يشتد حول عنق مصر”.
ووفقا لورقة عمل أصدرتها كلية الدفاع بحلف الناتو ومفادها “أنه حتي بعد إسقاط النظام الحالي وتسلم الثوار مقاليد الحكم، ستظل ليبيا بحاجة إلي الجهود الدولية لبناء الدولة التي عانت لعقود طويلة افتقارا لهياكل ومؤسسات الحكم. ومن ثم، فإن التخلي عن تلك الدولة وعدم تقديم الدعم اللازم لبناء عناصرها الأساسية من شأنه أن يفضي إلي حالة من الفوضى والاضطراب السياسي”,
غير أن التوترات الأمنية التي تعرفها ليبيا, التي لا تزال تعاني الفوضى وانعدام النظام بعد سنوات من الاطاحة بنظام معمر القذافي من طرف الناتو والثوار الليبيين,  سوف يؤدي إلى انقسام الدولة ويسمح بمزيد من حرية العمل للمتطرفين المسلحين , وهذا ما يثبت لنا بوضوح ان تدخل قوات حلف شمال الأطلسي في ليبيا ليس هدفه المعلن هو حماية المدنيين ومساعدتها في بناء مؤسسات الدولة، بل على العكس من ذلك سوف يكون لحلف الناتو دور استراتيجي مرتبط بالحرب الإسرائيلية الشاملة على مصر. وفي هذا السياق علق البروفسور الأمريكي والخبير الاقتصادي والجيو- سياسي والمحاضر بجامعة شيكاغو “ستيفن بلانك”    Stephen Blankسنة 1999 الى القول :”بأن حملات الأطلسي ستكون خارج مناطق الدفاع , وسيتحول حلف شمال الأطلسي على المدى المتوسط الى تلك الألة الجهنمية المدمرة للبنيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية للدول الخارجة عن الهيمنة الغربية”.
لقد ارتبط التدخل العسكري الأطلسي في ليبيا بمهمة حماية الأهالي والمدنيين كهدف ظاهر ومعلن              في أولى خطواته ثم سرعان ما تدرج نحو هدفه الاستراتيجي المتمثل في اسقاط وتغيير النظام , ومن هنا   يمكننا أن نجزم بكل ثقة أنه طالما كان معمر لقذافي حاكما علي ليبيا فإنه لم يكن ليسمح أبدا لقوات الناتو العسكرية بالتواجد والانتشار في بلاده , على اعتبار أن الحلف يهدف الى تنفيذ مخططات مرتبطة بحروب إسرائيل الشاملة والعدوانية في اطار تجسيد إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات, من خلال شن هجومات برية تنفذها قوات التحالف علي مصر عبر الأراضي الليبية, وفي المقابل تنفذ إسرائيل هجوماتها من الجهة الشرقية.
—————————–
الهوامش :
1-  مقال بعنوان: تدخل الناتو في ليبيا غير أخلاقي, المصدر: الجزيرة الإخبارية ,عد الى الموقع :
http://www.aljazeera.net/news
2  – جرائم الناتو في ليبيا، تقرير الأمم المتحدة, مدونة بني وليد . عد الى الموقع الالكتروني:
http://baniwalid.blogspot.com/
3- د. الطيب بيتي, ربيع المغفلين.. النهاية الممنهجة للعرب في (جيو- ستراتيجية) حكومة العالم الجديدة ,شمس للنشر والاعلام , ط1 القاهرة 2015,ص: 355.
4 – نعوم تشو مسكي . إرهاب القراصنة وإرهاب الأباطرة قديما وحديثا. ترجمة احمد عبد الوهاب. مكتبة الشروق الدولية. ط1 القاهرة 2005,ص:98.
5- علي شعيب , أسرار القواعد البريطانية في ليبيا , المنشأة العامة للنشر والتوزيع والاعلام طرابلس 1982,ص,ص:145-148.
6  – د. أشرف محمد كشك , حلف الناتو: من “الشراكة الجديدة” إلي التدخل في الأزمات العربية , أنظر:
http://www.siyassa.org.eg/
7- عمران حسين , الدروس المستفادة من هجوم الناتو علي ليبيا , مقالات الاسلام والسياسة 2012. أنظر : http://www.imranhosein.org/books/arabic.
د. أشرف محمد كشك, مرجع سابق. – 8
للمزيد من المعلومات عد الى : د. الطيب بيتي, نفس المرجع,ص:115. – 9
.