دراسة عامة لكتاب أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنفعل – بقلم : نعيمة تكلي

اصدارات ونقد ….
بقلم : نعيمة تكليب – الجزائر …
طبعة خامسة  موَّسّعة للمفكر العراقي علاء الدين الأعرجي
تقديم ودراسة: نعيمة تكلي : إعلامية من الجزائر
بعد الشلل الفكري الذي أصاب الأمة العربية٬ والتخلف الذي ما برح مكانه منذ قرون خلت٬ وبعد إرغام الفرد العربي على الركض وراء قوته اليومي٬ بل مجاراته وفق كل ما هو صادر من هذا المجتمع الذيِ يعتبر محركا للفرد باعتباره قد ذاب وانحل فيه٬ كان لنا قراءة بسيطة لكتاب قام بالتحليل والتفصيل بالتطرق للأزمة التي نهشت عقول الأمة العربية قبل أجسادها…يقدم المفكر الأعرجي كتابا عن أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي حيث يتعرض هذا الكتاب لأخطر أزمة تواجه الأمة العربية خاصة والإسلامية عامة اليوم٬ منذ أكثر من قرنين٬ متمثلة في الأزمة الكبيرة الحاصلة في التطور الحضاري٬ التي يعزوها المؤلف إلى خصائص ما أسماه العقل المجتمعي العربي المتخلف أو المنغلق الذي تكّون نتيجة العقلية البدوية٬ مع حوصلة لمختلف الأحداث والملابسات التي مرت على العرب في عصور التخلف٬ خاصة الفترة المظلمة الأخيرة. ويرى أن هذه الأزمة تقف وراء جميع مشاكلنا ونكباتنا في الوطن العربي٬ خاصة منذ منتصف القرن الماضي٬ حتى يومنا هذا. كما يعتقد أن الاستقلال الذي حقـقـته جميع البلدان العربية لم يؤّد إلى تحسين الأوضاع القائمة بقدر ما ازدادت تعقيدا وترديا وتخلّفا. بل أن الدول العربية الغنية التي حققت آلاف المليارات من العوائد النفطية٬ أظهرت نموا سلبيا٬ أو تخلفا في اقتصادها خلال الربع الأخير من القرن الماضي. كما أدت تلك الأزمة إلى ما وصلت إليه الأوضاع في بلدان مختلفة كالعراق وفلسطين والسودان والجزائر ومصر من ترد٬ أما بقية البلدان العربية فأوضاعها لا تبشر بالخير . وفي فصول متنوعة يتطرق الأعرجي٬ إلى الموضوع المعنون بتحرير العقل العربي دراسة عامة لكتاب…. لتحرير الإنسان العربي٬ مقّدما عددا من التساؤلات الخطيرة٬ ومنها: هل يمكن التحدث عن عقل عربي متميز؟ وهل العقل العربي سجين لاتاريخيته : تراثا وثقافة؟ أم هو سجين قهره السياسي والاجتماعي٬ الذي يتحول إلى قهر ذاتي؟ أم سجين تخلفه الحضاري الذي استمر ما يربو على سبعة قرون؟ هل أسفرت صدمة العقل العربي الإسلامي بالحضارة الغربية الحديثة ثم هزيمة الأمة العربية٬ إلى ركود ذلك العقل ولجوئه إلى الماضي٬ تعويضا عن فشله في مواجهة واقعه المّر ومصير الأمة الكالح؟ هل ثمة “عقل مجتمعّي” قاهر يتحكم في عقولنا إلى الحد الذي نصبح فيه دمى يحركها بخيوطه” وما السبيل لتحرير العقل العربي من سجنه اللاشعوري المؤبد وإطلاق طاقاته الجبارة ؟ وهل يمكن أن يؤدي إحلال استخدام “العقل الفاعل” محل “العقل المنفعل” إلى تحقيق طفرة فكرية قد تنقذ هذه الأمـَّة من هذه الغـُّمة؟ ما وجه الترابط العضوي بين تحرير العقل العربي وتحرير الإنسان العربي؟
وفي فصل آخر من كتابه٬ يوضح الأعرجي نظريته في “العقل المجتمعي”٬ التي يقول فيها أن لكل مجموعة من البشر٬ أو “وحدة مجتمعية”٬ كما يسميها٬ تعيش في ظروف جغرافية وتاريخية معينة٬” عقلا مجتمعيا” لاشعوريا “يتشكل نتيجة المجريات التي تمر على المجتمع خلال سيرورته التاريخية وصيرورته المجتمعية٬ أي خلال عملية تشكـّـُله الهيكلي وتخـَلـّـُقـه البنيوي”. وهو يرى أن هذا العقل يتكون من جملة الأعراف والقيم والمعايير والمعتقدات السائدة المتراكمة عبر التاريخ٬ حيث تصبح من المسلـّمات الذي يتبعها أفرادها٬ دون وعي٬ وبصرف النظر عن قيمتها من حيث الفائدة أو الضرر٬ بل يدافعون عنها باعتبارها آراءهم الخاصة٬ في الغالب. ويحدث ذلك بالنسبة لعامة الناس٬ أو عامة أعضاء تلك المجموعة٬ الذين يحملون “عقلا منفعلا”٬ بذلك العقل المجتمعي. ولكن قد تظهر في ذلك المجتمع (أو المجموعة) نخبة قليلة من الأشخاص الذين يستخدمون “عقلهم الفاعل”٬ فيحاولون نقد هذه القيم والمعايير التي يفرضها “العقل المجتمعي”٬ للتمييز بين الصالح والطالح٬ وقد يخلقون فلسفات ومبادئ جديدة. وهكذا تقدمت بعض المجتمعات وظلت مجتمعات أخرى جامدة ومتخلفة. وكلما يكون المجتمع بدائيا أو متأخرا٬ يكون “العقل المجتمعي” فاعلا ومسيطرا لا يقبل التغيير٬ بلُ يعاقب من يخرج عليه بأقصى العقوبات أحيانا. بينما تتسامح المجتمعات المتقدمة التي وصلت إلى مراحل متقدمة من حرية الفكر والتعبير والديمقراطية٬ مع الثائرين على العقل المجتمعي٬ إلا إذا خالفوا القانون. ولكن مادام القانون نفسه يعبر عن عقل مجتمعي سائد فهو عرضة للتعديل٬ عند الاقتضاء٬ بموافقة الأكثرية. أما بالنسبة للمجتمع العربي فإن العقل المجتمعي السائد فيه يكاد يتسم بالقداسة٬ أي غير قابل للتغيير أو التعديل. لذلك غالبا ما يـُتهم الأشخاص الذين يحاولون نقده أو بيان جوانب ضعفه أو تعريته وفضحه؛ يـُتهمون إما بالكفر أو الردة أو الخيانة أو التآمر أو غيرها. وهكذا نلاحظ أن معظم هؤلاء يظلون صامتين أو منعزلين٬ فيحرمون المجتمع من طاقاتهم الخلاقة. ومع ذلك قد تظهر نخبة قليلة٬ تسعى إلى الإصلاح والتطوير٬ عن طريق استخدام عقلها الفاعل بدلا من عقلها المنفعل بالعقل المجتمعي السائد٬ فتـتجرأ على التفكير والقول والتعبير بشجاعة. لذلك غالبا ما يتعرض أفرادها للعقاب بشكل أو آخر٬ بل تعقد لأجلهم الندوات وتسّن بسببهم القوانين. وحّتى تتضح الفكرة يقدم المؤلف أمثلة على هؤلاء الذين عاقبهم المجتمع لأنهم تمردوا على سلطة عقله القاهرة٬ وحاولوا الخروج عن نمطية تفكيره وبؤرة تخلّفه.
أّما في الفصول الأخيرة فيعمد الكاتب إلى معالجة ثنائية الإبداع والاتباع٬ فيفترض مقدما أن العقل العربي يميل إلى الاتباع أكثر مما يميل نحو الإبداع. ويربط ذلك بالعقل العربي المنفعل بالعقل المجتمعي السائد. ونظرا لأن العقل المجتمعي العربي يتسم بالثبات٬ من خلال قيـّمه ومعاييره الموروثة٬ فإنه يفرض على أعضاء المجتمع الثبات والتقليد. كما يربط الإبداع بالعقل الفاعل الذي يتمثل في الملكة الذهنية الفطرية التي تحفز الإنسان على الاستكشاف والتساؤل والبحث٬ وبالتالي إلى التطوير والتغيير٬ أي الخلق والإبداع٬ الذي يتوقف بين أمور أخرى على القدرات الذاتية المتميزة لبعض الأشخاص٬ فضلا عن مدى انفتاح العقل المجتمعي أو انغلاقه٬ في المجتمع الذي يحتوي هذه الفئة. فالعقل المجتمعي المتسامح والمنفتح الذي يقبل الرأي المخالف٬ يشجع على الإبداع. بينما يعمل العقل المجتمعي المنغلق أو المحافظ على قهر الأشخاص الذين يحاولون التحسين وتغيير بعض من موروثات بالية قّدسها العقل المجتمعي٬ بل جعلها غير قابلة للتغيير. وفي كتابه يقدم الأعرجي نظريات جديدة٬ تحلل وتفسر٬ بل تدرس الأسباب الجذرية للأوضاع المتردية الراهنة في المجتمع العربي٬ كما ينذر بتفاقمها٬ ويحّذر بالأرقام والبيانات من مغّبة استفحالها. إلا إذا تمكن المفكرون على مختلف مشاربهم والقادة العرب من إنقاذ هذه الأمة٬ بنقلها من حالة الركود والموات٬ إلى حالة الحركة والحياة٬ حسب تعبيره.. فبالإضافة إلى ميزاتها كنظريات عامة تنطبق على جميع المجتمعات البشرية٬ في كل زمان ومكان٬ فهي تنطبق على المجتمع العربي٬ بوجه خاص٬ خلافا لبقية المفكرين العرب الذين نقلوا النظريات الغربية وحاولوا تطبيقها على المجتمع العربي٬ ففشلوا في مسعاهم٬ ليكون بذلك الأعرجي مجددا في محاولة التغيير.. أّما من بين الأمور المهمة التي أوضحها المؤلف بشأن مدى تحميل الآخر مسؤولية تخلفنا كعرب٬ ذكر الأعرجي أنه اعترف في كتابه بدور الآخر في تخلف الأمة٬ أو بالأحرى٬ في الوقوف٬ على وجه الخصوص٬ ضد جميع المحاولات الرامية إلى وحدتها وتقدمها العلمي والتكنولوجي. ولكنه أكد في الوقت ذاته على أن “الآخر” يراعي بهذا السلوك مصالحه الخاصة. وأن المسؤولية الأخلاقية أو العدالة٬ بمعناها المطلق٬ ليس لها مكان في العلاقات بين الأمم والشعوب. لأّن هذه العلاقات تخضع ٬ بكل أسف٬ لقانون ينطبق على جميع الأحياء٬ بما في ذلك المجتمعات البشرية٬ ألا وهو قانون تنازع البقاء وبقاء الأصلح.  واستدل صاحب الكتاب بما اعترف به المؤرخ والفيلسوف الإنجليزي توينبي في كتابه “العالم والغرب”٬ حين فّصل أن الحضارة الغربية الحالية قامت على أشلاء السكان الأصلّيين٬ ولكن من الذي سيسأل الغرب عن ذلك؟ لذلك فهو يؤكد أن على العرب تـحـّمـــل كامل المسؤولية في إثبات وجودهم وتحديد مصيرهم٬ في عالم ظل يخضع دائما لشريعة الغاب٬ حيث يأكل فيه القوي الضعيف. وفسر فشلهم في مواجهة الغرب٬ بأنهم ظلوا ضعفاء٬ ماديا ومعنويا٬ بسبب عدم أخذهم ٬ منذ بداية احتكاكهم المباشر به٬ بنصيحة المفكر البريطاني “توينبي” الذي يوجهها إلى الشعوب النامية٬ وهي: حاربوا الغرب بأسلحته! ويقصد بها: العلم والمعرفة (كقوة معنوية ومادية) والعقلانية٬ وتقدير إنسانية الإنسان وقدراته الخلاقة٬ فضلا عن مبادئ التطور وحرية الفكر والديمقراطية٬ كعناصر أساسية للحداثة. وفي الأخير يعترف الأعرجي بأن هذا الكتاب بعيد عن الكمال٬ وهو يمثل فقط فرضيات أو نظريات مطروحة للمناقشة قابلة للتغيير٬ قد تشكل حافزا أو طريقا للمفكرين من الشباب الناشئ٬ لبحث أزمة التطور الحضاري بشكل أفضل وأكثر تعميقا٬ من خلال معارفه وتأثره بالعقل المجتمعي الغربي المتقدم بطرقه الإيجابية.
12{تعليق المؤلف: استعرضت الكاتبة المحترمة كتابي ” أزمة التطور الحضاري….. ” بشكلً  ممتازً ، أشكرها عليه وأقدر جهودها.. مع ذلك كنت أتمنى أن تضيف قدراً أكبر من التقويم والنقد و التحليل   والتساؤل، والمناقشة }
————————
ملاحظة:  هذه واحدة من المقالات التي ستنشر في كتاب جديد يجمع معظم الكتابات التي نُشِرّت عن أعمال الأعرجي، بما فيها  تعليقات عشرات الصحف العربية.