فن وثقافة …..
بقلم : بكر السباتين …..
سألني مرة صديق كنا نتناكف مازحين : لماذا يعتمر كثير من الفنانين والأدباء مثل هذه الطاقية التي تضعها على رأس؟ طبعا صديقي أضاف على سؤاله ملاحظة تفيد بأن عادة ارتداء هذه الطاقية انتشرت حتى بين من لا صلة لهم بالثقافة صيفا وشتاءً.. حتى صار ينسبها الواحد إلى البيئة المهنية والفئوية التي ينتمي إليها. فأجبته بأن هذا النوع من القبعات يسجل كموروث فلكلوري انتشر في الريف الأوروبي.. ولكن في فصل الصيف كان الفنانون في الحي اللاتيني بباريس لا يرفعونها عن رؤوسهم إلا عند إلقاء التحية على المارة.. وكذلك الحال بالنسبة لغالبية الكتاب والفنانين الأوروبيين.. فاعتمرها فيلسوف الوجودية جان بول سارتر وصار مألوفا بها وهو يجلس مع سيمون دي ديفوار في المقاهي التي كان يرتاد إليها المثقفون.. وهي لكونها تميل إلى الأمام فقد عبرت عن تواضع لأبسها.. فارتداها الفنان التكعيبي بيكاسو في مدريد وباريس.. وألبير كامي، والفنان السوريالي سلفادور دللي، وكأنها باتت تشكل علامة شكلية للمثقف البرجوازي الذي يلتزم ببعض القواعد المراعية لوجود الاخر ربما للتواصل معه على مبدأ احترام المكانة وتفهم الخيارات، لذلك كان يرتديها أحينا كل من يتنطع بثقافته الجوفاء ربما من قبيل التقليد للمثقفين شكليا وما أكثرهم اليوم..
وكان يقابل الطاقية في الجانب الاخر ذلك الشكل البوهيمي لهيئة بعض الفنانين من خلال إطلاق اللحية والشعر على سجيتهما تعبيرا عن الحرية والتمرد على كل ما هو مألوف.. وكأنها شخصية غير منتمية، فيها ملامح نرجسية كما وصفها كولن ولسون في كتابيه : دين وتمرد ، و اللامنتمي.. وطاقية المثقفين( لو صح التعبير) فقد ارتدتها أشهر الشخصيات الأدبية في روايات أغاثا كريستي كما اشتهرت بها شخصية شارلوك هولمز..ثم انتقلت هذه الظاهرة لتنتشر في العالم بين المثقفين من الأدباء والفنانين، وخاصة وطننا العربي فارتداها محمود عباس العقاد في الوقت الذي كان فيه غالبية أدباء مصر يرتدون الطربوش التركي الأحمر..
وذات الطاقية باتت منتشرة الان بين الأدباء والفنانين في وطننا العربي.. كأنها تعبر عن توافق مزاجي بين المثقفين.. أنا شخصيا اعتز بها.. وتشكل جزءا من شخصيتي.. تذكرني كلما ارتديتها بأعظم الكتاب والمفكرين وتمنحني من دفئهم ما يقيني برودة المتزلفين حينما توقظ في ذاكرتي مواقف العظماء ممن تميزوا بارتدائها ..
طبعا صديقي لم يكن كاتبا، رغم ذلك كان يرتدي ( طاقية المثقفين) فضحكت،ما جعله يبتسم متلمسا طرفها الأمامي برؤوس أصابعه، ثم عقب مبتسماً:
أحيانا نرتديها لتقينا البرد الشديد”
فلم أذكره بأننا الان في شهر مايو (أواخر الربيع) حتى لا أعرقل الأحرف على طرف لسانه، لكنه أكمل حديثه بعد أن تلمظ نكهة القهوة التي ارتشفها، قائلا:
“وهي أيضاً تقينا حر الصيف..
فقلت له:
“ما أجملها على رأسك” .
فهز رأسه مبتسماً.