المعارضه الاردنية والنزف

 

الرابط : اراء حرة :
بقلم : يزيد الراشد الخزاعي  – الاردن
كانت هناك أرضٌ لها ملامح، وكان هناك تراب أصيل تشرّب عرق شرفاء ناضلوا في مسيرة البناء والعطاء دون انتظار لأي مقابل، كما كانت هناك تلاوين أقدار أرادت لصفحة الأوطان أن تكون ملاذاً لكل حر مستجير… كان التاريخ.. كان البناء.. كان الجوار لقدس الأقداس.. كانت الآم الحروب والتضحيات وكانت هناك دائماً الكرامة.. نعم الكرامة العربية ليست فقط يوم كرامة في سفر الأمة المجيد! إنه ذلك الوطن.. إنه الأردن الجدلي بمفرداته وقيمه وأحجياته القديمة الجديدة!
نقف من هنا ونحن في أواخر عام 2012 بكل استحقاقاته المرة لحد الآن ولن نخوض في هذه اللحظات في الحلقات الخارجية لملامح ذلك الأردن ولكن سينتفض قلمنا لينثر مداداً لبعض من الوريقات الداخلية لأردن عام 2012!
يتمتع الأردن بجبهة داخلية يسودها بشكل عام الأمان النسبي فيما يتعلق بأمن المواطن وسلامته على أراضيه وممارسته لحياته اليومية باطمئنان على أهله ونفسه وممتلكاته وأقول نسبيا وليس كليا لما يلاحظ في الآونة الأخيرة من ارتفاع لمعدلات الجريمة والعنف المجتمعي اللافت والمستهجن على الأردن ولو دققنا النظر لما تفاجئنا فكل ما حدث وما سيحدث هو نتيجة طبيعية لإفرازات غول الفساد المستشري في الوطن مستنزفا موارده وإمكاناته واقتصاده المنهك منذ عقود وقد نوهنا سابقا ومنذ سنوات في دراسات ومقالات منشورة بأن الأردن يواجه خطر الإفلاس في عام 2015 لكن لا حياة لمن تنادي وكيف لا والوطن أصبح ساحة مباحة لمسئولين حكوميين وأمناء عامين اعتادوا على التربح السياسي والمالي برواتبهم الفلكية ومنها ما يتجاوز مبلغ خمسة عشر ألف دينار أردني شهرياً في وطن تجاوزت مديونيته مبلغ 22 مليار دولار أمريكي ألا يستدعي هذا الجرم محاكمتهم محاكمة علنية عامة أمام الشعب الأردني لاستنزافهم قوت وأموال الشعب الأردني؟
أليس من العار التشهير بالمعارضة الأردنية وإرهابها أمنيا وسياسيا والتضييق على رموزها وأفرادها ونخبها الشريفة الممتدة من جذور الوطن الأردني؟ أليس من العار محاولة تغييب وإخفاء المعارضة الأردنية الشريفة التي نادت بالإصلاح وبالمقابل فتح الباب على الغارب للمسئولين المارقين ودعمهم بآلاف الدنانير من ميزانية الأردن المريضة (العاجزة)؟
نقولها بملء الصوت وللعالم أجمع لن يغيب صوت عجلون الحر وسيبقى صادحا أبياً في أروقة العالم من شرقه إلى غربه ولن يُرهب القمع واغتيال الرأي والتضييق المُمنهج لن يُرهب أي أردني عن إعلان الحرية والتغيير والمعارضة الشريفة هي وسام استحقاق لأردن خالٍ من الفساد بإذن الله..
أطل علينا فايز الطراونة والسيد سليمان الحافظ بتصريحات تنذر وترهب وبأن واقع الحال يقتضي ربط الأحزمة والتقشف الحكومي ورفع الدعم عن الشعب المطحون أصلا وإلا ستكون النتائج كارثية على الأردن بما فيها إعصار مالي أردني، وأتى إلينا الآن عبدالله النسور رئيساً للحكومة فما الجديد يا سادة؟ وما هو التغيير القادم؟ وهل سينتهي مسلسل المحاصصة السياسية بالمناصب بقدومه؟ وهل سيتم البدء بمحاسبة من تربح من مسئولي رئاسة الوزراء والحكومة بمجرد موطئ قدم عبدالله النسور في رئاسة الوزراء؟ حلم بالتأكيد يحتاج معجزةً فعلية لتحقيقه!
منذ سنوات والأردن على شفير الإفلاس، ومنذ سنوات والدينار الأردني تحت مقصلة انخفاض سعر صرفه نتيجة لهدر الحكومة والفساد المنهجي المتبع في منح الرواتب الفلكية لمسئولين لا يفقهون إلا شرب الشاي والقهوة والعصائر والتلذذ بحرق نخب الوطن وكفاءاته واستغلال المنصب للتربح الشخصي وتأمين مستقبل خاص لعائلاتهم وأبنائهم على حساب وطن يعاني شعبه من ثالوث الفقر والمرض والبطالة المرعبة!
سياسات التقشف الحكومي تستدعي وقف شلال الرواتب الفلكي لمسئولين تتجاوز رواتبهم شهرياً 14 ألف دينار أردني، كما تستدعي سياسات التقشف سحب السيارات الحكومية الفارهة منهم وسحب تمثيلهم من مجالس إدارات عدة شركات ومؤسسات حكومية وسؤالهم بحزم: من أين لك هذا؟ كما تستدعي محاسبتهم عن تربحهم الوظيفي طيلة سنوات خدمتهم الحكومية على حساب الشعب الأردني المستنزفة حقوقه الأساسية أصلا، ما حدث وسوف يحدث يستدعي سياسات تقشف ومسائلة فعلية على المسئولين الحكوميين قبل الرجوع للشعب المنهك يا رئيس الوزراء الجديد!
لا بد من الإشارة لبعض الإختلالات في المجتمع الأردني، تلك الإختلالات التي تقض مضجع كل أردني حر شريف له استحقاق في بناء وطنه وواجب في تحقيق إصلاح لطالما طال انتظاره!!
سيتناول مبضعنا جزءاً يسيراً من تلك الآلام أو الدمامل المحفورة في القاموس الأردني نسخة عام 2012..

على الصعيد المجتمعي:
لقد سجلت الأعوام 2009، 2010، 2011، 2012 بامتياز ظاهرة انتشار ما يسمى العنف المجتمعي في الأردن وهي في تزايد مستمر وبصراحة هي ظاهرة غريبة عن الأردن وغير مسبوقة حيث أنه لا يكاد يمر يوم حتى نرى ونشاهد ونسمع عن حوادث السرقات وجرائم الاغتصاب حتى الغريبة في تفاصيلها فضلاً عن جرائم القتل بضراوة غير معهودة !
اللافت للنظر هو العنف المجتمعي بشكل عام حتى في تعاملات الناس اليومية ولأسباب أكثر من بسيطة أي تافهة وبشكل غير عادي، فما الذي حدث؟ ولم كل هذا الصخب الأردني؟ هل هو الفقر؟ الجوع؟ البطالة؟ الفساد؟ هل هي سياساتنا الإعلامية والتوعوية الفاشلة؟
بالتأكيد الجواب هو كل هذه الأسباب مجتمعة بالإضافة لغياب منظومة أسميها “قيمة مجتمعية أردنية واعية” فالأسرة الأردنية نفسها أصبحت تلفظ أنفاسها الأخيرة منادية بتحقيق شيء أسميته أيضاً “الأمان المجتمعي النوعي”.
يعاني الأردن منذ أمد بعيد من إعلام سلبي لا يمثل تراثه وقيمه ولا ينقل رسالة هذا البلد للدول الأخرى والأسباب طبعاً معروفة وهي تبوء مسئولين بعيدين كل البعد عن أبناء الشعب الأردني ولا يمثلون النخب الثقافية الأردنية الشابة ولا يملكون حتى ملكة الإبداع الإعلامي الخلاق فضلاً عن امتيازهم برواتب فلكية بعيدة في سقفها كل البعد حتى عن موظفي الجهاز الإعلامي الأردني فأين هي إذن هويتنا الأردنية؟ وتاريخنا؟

على صعيد البطالة:
رسمياً أظهر مسح العمالة والبطالة في الأردن والذي نفذته دائرة الإحصاءات العامة ارتفاع نسبة البطالة في الربع الأول والثاني والثالث من العام الحالي 2012 بنسبة % 13.1، ووفق المسح فقد بلغ معدل البطالة لقوة العمل الأردنية % 13 وتباين هذا المعدل بين الذكور والإناث حيث بلغ % 10.7 للذكور مقابـل % 24 للإناث، كما بلغ معدل البطالة بين حملة الشهادات الجامعية (الأفراد الذين مؤهلهم التعليمي بكالوريوس فأعلى) 18.2 بالمائة مقارنة بقيمته للمستويات التعليمية الأخرى.
لا ننكر أبداً آثار الأزمة المالية العالمية وتداعيات الربيع العربي على الأردن لكن لا نريد أن نجعلها شماعة لإنكار جوانب التقصير والفساد، تلك أرقام رسمية ذكرناها عن نسب البطالة في الأردن أما الواقع الفعلي لتلك النسب فسنتركه لتحليل واستنتاج الأخوة القراء وننوه بأنه تعدى نسبة 28%!

على صعيد القطاع العام:
تراجع القطاع العام الأردني كثيراً عن تطبيق مفاهيم إصلاح القطاع العام وأصبح شعار الإصلاح الحكومي كتلاوين من الألعاب النارية أطلقت في ليلة أنس عابرة، فأين الإصلاح وثلة من المسئولين يتقاضون رواتب فلكية تتعدى (14000) أربعة عشر آلاف دينار أردني شهرياً ما بين راتب أساسي وبدل تمثيل يتقاضونه أيضاً كبدل تمثيل لمنصبهم في عدة مجالس إدارات لعدة شركات في آن واحد !!!
وأين الإصلاح ومجمل هؤلاء المسئولين لا يملكون أي امتياز أكاديمي أو مهني للتربع على عرش المسؤولية الأردنية ودون امتلاكهم لأي تخطيط أو إستراتيجية مؤسسية واضحة أو حتى ملكة لغوية أو إدارة بمنهجية علمية مشهود بها وأين الإصلاح ومثل هؤلاء يتحكمون بمصائر قافلة من الموظفين المميزين في كافة الأصعدة ويقومون بإبعادهم وتهميشهم وإخفاء ملكاتهم بطرق ملتوية ورخيصة ؟! وأين الإصلاح وطوابير تتكدس يوما بعد يوم من نخبنا الأردنية المميزة بانتظار أمل فرصة عمل أبداً لن تلوح في سماء أردنية صيفها لاهب دائماً !
لقد اتخذ الأردن خطوات رسمية في مكافحة الفساد وأنشى دائرة خاصة به فأين المكافحة لمثل هذه الإختلالات؟ أو ليس هذا بفساد؟ ربما هو رفاه وامتياز وظيفي لنخب أردنية من نوع خاص، ربما !!!

على صعيد القطاع الخاص:
القطاع الخاص الأردني برغم إنجازاته التي لا ننكرها إلا أنه لا يمتلك لغاية الآن الحجم النوعي الأمثل لقيادة دفة الأعمال وذلك لعدة أسباب أهمها غياب التنظيم والرقابة التشريعية من خلال تطوير ووضع حزمة من القوانين الناظمة لكل من يعمل في القطاع الخاص والمطلوب بأن يفتح القطاع الخاص الباب على مصراعيه للشباب الأردني المميز بما فيهم حديثي التخرج وعلى أساس المنافسة الشريفة في التوظيف واختيار الأفضل في ظل عملية تشاركية ما بين القطاعين العام والخاص.
أين الإصلاح يا عبدالله الثاني وأبناء الأردن ملاحقين أمنيا في لقمة عيشهم ورزقهم، محاربين ومبعدين من مسئولي حكومتكم، مغتالون حتى في تاريخهم وحرية رأيهم، مكممةٌ أفواههم، مقتولة كفاءاتهم، مهجرّين قسراً من أوطانهم، لا لذنب إلا لأنهم أردنيون شرفاء لكن للأسف جُعلوا عمداً غرباءٌ في وطنهم!
نعم نحن بامتياز بلد الرفاه الوظيفي للنخب الأردنية الخاصة، ونعم هذا هو الإصلاح الأردني الرسمي لكن اعلموا بأن هناك معارضة أردنية، وقضية أردنية، ونزف أردني نابض من عمان إلى شرايين العالم أجمع وإن لم تسمعوا فأيقنوا بأن كل العالم يسمع!
———————-
يزيد الراشـد الخزاعي.
vipyazeed@gmail.com