فلسطين (:::)
بقلم : شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة (:::)
لا أحفظ الأرقام .. فهناك عداوة بيني وبينها ، لكن هناك بعض الأرقام تشعرني بنبض وجودها ، تتحول أمامي من حالة البرودة الى حالة الحرارة أو بالعكس ، مثلاً كم بقي من مساحة فلسطين التاريخية ؟ كم عدد المستوطنات والمستوطنين ؟ كم عدد الدول العربية التي سلمت اوراق خضوعها لامريكا ؟ كم عدد الوزراء والمسؤولين العرب الذين زاروا اسرائيل تحت جنح الظلام ، في السر ؟ كم عدد الشعوب العربية – ما أكثرهم وأقل بركتهم – لأن صمتهم ونومهم يثير الشك بوجودهم .
الأرقام تصبح عالماً من الواقع والوجوه والأحداث والتاريخ ودائرة العمر والسنوات والعيش والبيع والشراء وأعداد الشهداء الذين استطاعوا زرع شبابهم في تربة الوطن ، تاركين أعدادهم في خزانة الذاكرة ولا يهمهم سجلات الاحصاء ما دامت الوجوه أبرقت وأرعدت وأمطرت دماً .
ولم يخرج الأسرى من زنزانة الأرقام ، لأن الأرقام في تلك الزنزانة تتناسل بكثرة وبسرعة حسب شريعة الاحتلال ، وحين تمتد القضبان الحديدية على كل جهات الروح والجسد ، يكون الأسير كتلة انتظار على محطات الأرقام .
وها هي الأرقام تعود وتقف أمامي في حالة وحلة جديدة ، 340 أستاذًا جامعيًا يعملون في أكثر من سبعين جامعة بريطانية قرروا مقاطعة الجامعات الإسرائيلية والمؤتمرات التي تنظمها احتجاجًا على الانتهاكات التي تنتهكها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ، الذي يسعى للحرية واقامة دولته .
340 أستاذًا جامعيًا وجهوا رسالة مفتوحةٍ نشرتها صحيفة (الغارديان) البريطانية ، بصفتهم باحثين وعلماء ومشاركين في جامعات بريطانية يشعرون بالقلق من الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية، والانتهاكات لحقوق الإنسان بحقّ الشعب الفلسطيني ، ورفض اسرائيل لأي تسوية ، لذبك 340 محاضراً وباحثاً يعلنون ويؤكدون أنهم لن يقبلوا الدعوات التي توجه لهم من أي مؤسسة تربوية إسرائيلية، ولن يشاركوا في المؤتمرات التي تمولها وتنظمها وترعاها هذه الجامعات، وأيضاً تعهدوا كذلك أنهم لن يزوروا إسرائيل ما دامت دولة احتلال، ولن ينصحوا أيّ شخص من الطلاب والطالبات، بالتعامل مع أي مؤسسة أكاديمية إسرائيلية.
وأضاف 340 باحثاً إن معهد الهندسة التطبيقيّة في حيفا، والمعروف باسم ” التخنيون ” يقوم بتطوير برامج وأدوات تستخدم لهدم منازل الفلسطينيين، وشدّدّت الرسالة على أنّه لا يمكن للمؤسسات الأكاديمية أو الأكاديميين السماح بمثل هذه الأمور، ولا يجوز التعامل مع ” التخنيون ” لسبب كهذا. وقالت البروفيسور جين هاردي، وهي إحدى الموقعات على الرسالة المذكورة إنّ هذه فرصة حقيقية للأكاديميين لضمّ صوتهم إلى صوت حركة مقاطعة إسرائيل التي يزداد تأييدها في المجتمع الدولي، وهي ترى أنّ إسرائيل لا تنفك تخرق القانون الدولي وتنتهك حقوق الإنسان.، كذلك تمنع مشاركة الأكاديميين الفلسطينيين من الاشتراك في الفعاليات الأكاديمية العالميّة .
نسمع ونقرأ عن مقاطعة المنتوجات والصناعات التي تنتجها المستوطنات في بعض الدول الغربية ، وقد وجدت الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية والشعب أن المقاطعة هو سلاح من أسلحة المقاومة ، حتى أصبح هناك دعوة جدية تخترق الواقع وتدعو بصوت عال للمقاطعة ، ذات الوقت البضائع الاسرائيلية تدخل الأسواق العربية تحت مسميات وتجار كثر ، وبالعكس البضائع القادمة من الدول العربية التي في العلن لا تعترف بتطبيعها مع اسرائيل ، لكن في السر ومن تحت الطاولة التطبيع يسري في الأوردة والشرايين .
في خضم كمبيالات الموت التي يدفعها الشباب والصبايا ، وفي خضم المعاناة والحواجز والاغلاقات وكل سجلات الاحتلال وصفحات سوابقه التي تبتلع أقراص النسيان ، لا نسمع اصوات المحاضرين والمحاضرات العرب في الجامعات الغربية ، قد يكون هنا وهناك كُتاب لمقالات ودراسات ، لكن نبحث عن المجموع ، عن رقم يفوق 340 محاضر بريطاني ، نريد باحثين وباحثات ومحاضرين ومحاضرات في الجامعات الغربية يتخذون قراراً بالتوقيع والرفض ، أن يكون لهم التحرك الاكاديمي على نطاق اعلامي .
نريد موقف عربي عام ، من جامعات عربية ، مؤسسات ، نقابات عمالية ، محامين مهندسين ، يكفي نشر رسالة محملة بالتواقيع – قد لا تسمن ولا تغني من جوع – لكن من المعيب تحرك المحاضر البريطاني ورفضه ، والمحاضر العربي نائم ومنهك .
الجامعات مصانع الرجال هكذا قال يوما القائد جمال عبد الناصر ، لكن أضيف انها صانعة المواقف ، فالموقف السياسي أول درجات التحرر من عبء التردد والخوف .
أيضاً صمت وسكوت المحاضرين والباحثين اليهود في الجامعات الاسرائيلية على انتهاك حقوق الانسان الفلسطيني وعلى جرائم الاحتلال ، هو خداع وخيانة للأفكار والكتب والدراسات التي تمنح الانسان الحرية والاستقلالية والراحة النفسية والدينية والاجتماعية ، الفجوة التي تكون بين الأفكار والتطبيق قد تكون فجوة الهروب .. وكلما اتسعت الفجوة زادت خطوات الهروب .. ولكن الى متى ؟؟ هذا هو السؤال ، 340 محاضر وباحث توقيعهم لن يردع الاحتلال ، لكن سيقال يوما ما في التاريخ كان هناك تحرك ورفض من قبل بعض الجامعيين الاجانب وكان هناك خرس في قاعات الجامعات العربية .
القلب الفلسطيني يعاني من العري ، يفتش عن دفء حتى في تساقط ثلج الأرقام .