11 سبتمبر.. ذلك اليوم المشؤوم! بقلم : جيمس زغبي

اراء حرة …
بقلم : جيمس زغبي – واشنطن …
كان الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 يوماً مشمسا ورائعاً في واشنطن، فقد كنت أقود سيارتي إلى العمل، وتوقفت عند إشارة حمراء، ثم نظرت إلى امرأة في الحارة المجاورة؛ لأنها كانت تنادي بعصبية كي أفتح نافذة سيارتي. وعندما فعلت صاحت قائلة: «هل سمعت ما حدث؟ طائرة ارتطمت بمركز التجارة العالمي.. ووالدي يعمل هناك». ثم تغيرت الإشارة إلى اللون الأخضر، وقدت سيارتي، ولم أرها مرة أخرى. ولكن لا أعتقد أنني سأنسى ذلك الخوف في عينيها، ودائماً أتساءل: هل كان والدها من بين آلاف الناس الذين قضوا في ذلك الرعب؟ ووصلت إلى مكتبي في الوقت المناسب كي أرى ارتطام الطائرة الثانية، وقد أصبح واضحاً أن ذلك لم يكن حادثاً عارضاً، وإنما كان هجوماً مدبراً.. وبدأ الكابوس!
وقد طُلب من ابنتي، التي كان مقر عملها على مقربة من البنتاجون، إخلاء المكان. وعندما اتصلت بي كانت مرعوبة وقلقة. وقبل ذلك، وصل أفراد الشرطة إلى مقر عملي، الذي كان على بعد شارعين فقط من البيت الأبيض، وطلبوا مني المغادرة، لأن المنطقة بأسرها مطوقة. ولأنني كنت أتلقى اتصالات من أميركيين عرب من أنحاء البلاد يطلبون المشورة والمساعدة، طلبت من الشرطة السماح لي بالبقاء، فتركوني.
وفي اليوم التالي، وصلت إلى مكتبي، وبدأت مراجعة الرسائل الهاتفية التي تُركت أثناء الليل. وكان من بينها تهديد خطير بالقتل نصه: «جيم.. كل العرب يجب أن يموتوا، وسأقتلع حنجرتك وأقتل أبناءك». ولم يكن ذلك التهديد الأول الذي أتلقاه، وكذلك لم يكن الأخير (وفي الحقيقة، هدد ثلاثة أشخاص حياتي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومن بينهم ذلك المتصل، وعثر عليهم مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووجّهت إليهم تهم وتمت مقاضاتهم من قبل وزارة العدل، وأدينوا وسجنوا لفترة من الوقت بسبب تلك التهديدات).
ولم أكن وحدي، فالأميركيون من أصول عربية، وأولئك الذين يُفترض أنهم من أصول عربية، واجهوا حملة تهديدات مرعبة باستخدام العنف، وتعرض بعضهم للقتل في ردة الفعل التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وبعد شهر من الهجمات، دُعيت للإدلاء بشهادتي أمام اللجنة الأميركية للحقوق المدنية. وكان مكتبي قد أعدّ مجموعة مفصلة تضم كافة حوادث العنف والتهديدات التي وقعت في ذلك الشهر المرعب. وتحدثت عن قصة مرعبة من الكراهية والخوف التي نجمت عن الهجمات.
وعندما أفكر في تلك الفترة، أجد أن التهديدات في حد ذاتها لم تكن هي أكثر ما يقلقني، بل إن ما كان يقض مضجعي هو أن تلك التهديدات فصلتنا بطريقة مزعجة جداً عن مواطنينا الذين يعانون. ومثل بقية الأميركيين شعرنا بألم فقدان كثير من الأرواح البريئة. وأتذكر متابعة المشاهد المأساوية على قناة «سي إن إن» تظهر جموع سكان نيويورك وهم يقفون أمام الحواجز التي تفصلهم عن «جراوند زيرو». وكثيرون منهم كانوا يحملون صور أحبائهم الذين كانوا في البرجين. وقد كتبوا عليها «مفقودين»، آملين أن تكون كلمة «مفقودين» هي الصحيحة وليست «متوفين». وبكى كثير منهم عندما أجريت معهم لقاءات تلفزيونية وبكينا نحن معهم.
ومثل بقية الأميركيين فقد تضررنا واحتجنا بعض الوقت كي نستجمع قوانا ونهدأ ونتعافى. ولأنه تم رفضنا. ووجهت لنا تهديدات تقول: «أنتم لستم جزءاً منا»، لذا تم إقصاؤنا، واضطررنا إلى توخي الحذر وطلب الحماية.
ومن حسن الحظ أن الحماية كانت موجودة، وكذلك الأفعال الطيبة، قلّت أو كثرت. وقد اتصل أعضاء مجلس الشيوخ لتقديم الدعم. واستضافت المنظمات فاعليات للتضامن. وأبقت شرطة العاصمة سياراتها أمام منازلنا لأسابيع. ولن أنسى أبداً تلك المرأة الطيبة، من المكتب المجاور، التي جاءت إلينا ذات صباح تحمل «كعكاً» خبزته بيديها لفريق العمل، وقالت: «أعلم أنكم من المفترض أن تخرجوا للغداء، وأرجو أن تستمتعوا بهذه الكعكات». وكانت كل هذه الإيماءات الطيبة محل تقدير، ولكننا شعرنا أيضاً بأنها لم تكن مستحقة مثل التهديدات. فنحن لم نفعل شيئاً كي نستحق الكره، ولا آخر لنحظى بالحب.
وعندما أفكر بشأن ما خسرناه في ذلك اليوم، أتذكر كم خسرنا في الأشهر والسنوات التي تلت الهجمات. وبدلاً من بناء موجة من التأييد الدولي لبلدنا، خسرت إدارة بوش ذلك بسبب قيادتنا بغطرسة في حربين كارثيتين كلفتا الولايات المتحدة الغالي والنفيس، ودمرت إحداهما العراق وشعبه، وأضعفت الجيش الأميركي، وقوضت هيبتنا في أنحاء العالم.
ولا تزال ندوب الحرب تعيش معنا، ليس أقلها الـ22 جنديا سابقا الذين ينتحرون بصورة يومية. ولا يزال الضرر الذي حدث للدستور الأميركي موجوداً وينمو بشكل خطير، في ضوء غياب قيادة سياسية لديها الشجاعة للكشف عن الممارسات الخطيرة التي اتُّبعت في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، والتي لم تجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً، ولا بد من إلغائها أيضاً.