18عاماً على رحيل الأديب إدوارد سعيد.- بقلم : أنور ساطع اصفري

ابداعات عربية ….. فن وثقافة
قلم : انور ساطع اصفري – امريكا ..
بكل تأكيد المركز المتقدم للراحل إدوارد سعيد ساعده ليكون مرموقاً في مجال الثقافة والنقد الأدبي والسياسي .
فمنذ ولادته في القدس تنقّل إلى الاسكندرية للدراسة ، ثم إلى الولايات المتحدة ، وبعد البكالوريوس هناك ، حصل على الدكتوراة من جامعة هارفرد عام 1964.
معظم حياته الاكاديمية أمضاها أستاذاً في جامعة كولومبيا في نيويورك ، ولديه إلماماً كاملاً بسبع لغات .
صحيح أن الراحل إدوارد سعيد لديه إهتماماته السياسية فيما يخصّ القضية الفلسطينية ، إلاّ أنه أبدع في مجال الثقافة الغربية ، ونظرة الغرب إلى العرب والإسلام . واهتم أيضاً بالعديد من ثقافات العالم .
كتب الراحل العديد من البحوث والدراسات والمقالات حول الكثير من القضايا المتنوعة ، إلاّ أن كتابه الاستشراق يُعتبرُ من أهم أعماله ، وكان منتقداً بشكلٍ واضح للكيان الصهيوني ولأمريكا لإهانتهم الفلسطينيين ، حيث كانت مواقفه واضحة ، فعارض اتفاقية أوسلو ، وانتقد الراحل ياسر عرفات ، لأن اتفاقيات أوسلو كانت صفقة خاسرة للفلسطينيين .
أسسّ الراحل إدوارد سعيد مع الراحل الدكتور حيدر عبد الشافي والدكتور مصطفى البرغوتي والأستاذ إبراهيم القاق ، المبادرة الوطنية الفلسطينية كحركة سياسية فلسطينية تهتم بالنهوض بالشخصية الفلسطينية ، واقناع العالم بالإعتراف بالفلسطينيين كرجال إعلامٍ وسياسيين وإداريين قادرين على تحمّل مسؤولياتهم ومسؤولية قيادة دولة فلسطين .
في عام 1999 أصيب بمرض السرطان ، فانزوى الراحل لكتابة مذكراته ، إلاّ أنّه توفي في سبتمبر 2003 في أحد مستشفيات نيويورك .
وفي كتابه الاستشراق إعتبر الراحل الاستشراق وانطلاقاً من القرن الثامن عشر مؤسسة مشتركة للتعامل مع الشرق بهدف السيطرة عليه ، ويؤكّد أن الثقافة الغربية ابتكرت الكثير من الأساليب والطرق بهدف إنتاج الشرق سياسياً وعسكرياً وعلميّاً ، واستطاع الاستشراق أن يُسيطر على الفكر والفعل بشكلٍ أو بآخر ، ويؤكّد الراحل في كتابه أن الاستشراق إحتلّ مركز القيادة في فرض قيوده على الفكر الشرقي وعلى كتّاب الشرق .
ويؤكّد أيضاً ادوارد سعيد في النهاية أن الثقافة الغربية حصلت على المزيد من القوة حيث وضعت نفسها موضع التضاد مع الشرق بوصفه البديل لها .
فكتاب الاستشراق الذي كتبه الراحل ادوارد سعيد وأصدره عام 1978 قام بشنّ هجمةٍ شديدةٍ على الاستشراق بوصفه مؤسسة استعمارية ، وحركة غربية للسيطرة على الشرق وامتلاك أو إنتزاع السيادة عليه .
فالاستشراق عند ادوارد سعيد رحمه الله ، وعلى حد قوله : إنّه الفرع المنظم بشكلٍ دولي الذي استطاعت من خلاله الثقافة الغربية أن تتسلل إلى الشرق وتتدبّر أموره ، بل أنتجته سياسياً واجتماعياً وعسكرياً وعلمياً .
ومن خلال كتاب الاستشراق نستطيع أن نفهم أن الشرق بسبب الاستشراق لم يكن موضوعاً حراً للفكر أو العمل ، وهذا لا يعني أن الاستشراق بمفرده يقرر ويُنجز ما يمكن أن يُقال حول الشرق ، بل هناك مجموعة مصالح لها تأثيرها الكبير في كل مناسبةٍ يُذكر فيها الشرق .
فالاستشراق في رؤية ادوارد سعيد هو طريقة للوصول إلى تلاؤم مع الشرق على أساس التجربة الاوروبية الغربية ، فالشرق كان يحتل موقع أعظم مستعمرات أوروبا وأغناها وأقدمها ، والتي هي بالتالي مصدر حضارات ، وأحد صورها التي هي الأكثر عمقاً .
فالاستشراق هو ليس موضوع لميدان سياسي ينعكس على الثقافة ، من خلال مؤامرة غربية شنيعة لإبقاء الشرق هو توزيع فاعل للوعي الجغرافي السياسي ، إلى نصوص جمالية وبحثية واقتصادية واجتماعية وتاريخية ولغوية ، فهناك كمٌ من المصالح لا يقوم الاستشراق بخلقها أو ابداعها ، بل يقوم بالمحافظة عليها ، فهو إرادة بدلاً من كونه تعبيراً عن إرادةٍ معينة ، أو نيّة واضحة للتلاعب بالعالم الآخر والسيطرة عليه وضمّه إن استطاعوا .
لذلك نرى أنه بعد الانتقادات الكبيرة التي انتشرت حول الاستشراق ، قامت الجامعات الغربية بتغيير مصطلح الاستشراق واستبداله بالدراسات الاسلامية أو العلوم الانسانية .
بكل تأكيد هناك من المفكرين من يرى أن الراحل ادوارد سعيد قد هاجم الاستشراق كثيراً ، وبعض هؤلاء المفكرين يعتقد أن الاستشراق نافذه جديدة ، وجيدة للشرق ، تم التعريف من خلال هذه المداخل بالعرب وبالاسلام وحضارتهما ، بطرقٍ موضوعية في أغلب الأحيان .
ولكننا نرى أنه من واجبنا أمام هكذا وقائع من مراجعة الدراسات الشاملة والمتخصصة للتاريخ السياسي والثقافي العربي والاسلامي ، ودراسات التاريخ الديني ، وتطورات الحضارة الاسلامية وصولاً إلى نهاية الدولة العثمانية .
ففي نظر ادوارد سعيد أن الاستشراق هو الذي صنع رؤية الغرب الاستعماري للشرق . ولكن بنفس الوقت كان هناك مستشرقون هم من خارج المؤسسة الاستعمارية ، ولكن أيّاً كانت الأمور فهناك دسٌّ وهناك تشويه مورس بشكل أكبر منذ 80 عاماً ولغاية الآن ، ولهذا السبب نرى أن مجتمعاتنا اختلفت الآن عمّا كانت عليه 180 درجه ، فبعض المستشرقين طغت أحقادهم على مسيرتهم ، وتجاوزا الكذب والافتراء واللاموضوعية ، ولم يتمكّنوا من التخلص من مواقفهم المعادية للعرب وللاسلام ، وهذا دليل خبثٍ وفسادٍ وشر .
لذلك نقول علينا نحن أن نتمسك بثوابتنا الوطنية والقومية ، بثوابتنا الاخلاقية بكل جدٍ وثبات ، كي نستطيع تجاوز ما يواجهنا ، ونتمسّك بسياسة المودةِ والتسامح والتعايش بين مكوّنات شعوبنا .
وقولاً واحداً نستطيع أن نحدد بدقة أن الاستشراق لإدوارد سعيد من أبرز إيجابياته أنه يمنح القارىء وعياً إيجابياً تجاه كل ما يقوله الغرب ويُنتجه .
ويبقى خيارنا الأمثل هو الدفاع عن شرف الكلمة ، وقيمة الحياة ، وكرامة وسيادة الانسان والأرض .