ناتو جديد في طور التشكيل – بقلم د سمير محمد أيوب

أراء حرة …..
بقلم : سمير ايوب – الاردن …
للانسحاب الأميركي من أفغانستان، ردود افعال كثيرة كُتِبت وقِيلت. ولكن جلها، لم يتطرق لعمق الاستراتيجية الأميركية الجديدة بهذا الشأن.
من حقائق الغزو الامريكي لافغانستان، أنه لم يكن من أجل إصلاح الحكم هناك، ولا من أجل محاربة الإرهاب، وإنما من أجل مصالحه الخاصة في الثروات وفي الجغرافيا وفي احداث انزياحات اخلاقية وقيمية وعرفية تُبعده عن إرثه الحضاري وتجعله تابعا في المسلك والسلوك. أما الانسحاب المخطط والمبرمج، فهو بطريقته ومواقيته، ليس مُذِلاّ للقوات الأميركية كما يحاول البعض أن يصوّر الامر، ولا علاقة له بنجاح أو فشل ما أرادت تحقيقه الولايات المتحدة هناك، بقدر ما هو مُذلٌّ ومُهين للعملاء من الأفغان وغيرهم.
ففي ظل الظروف التاريخية المعاصرة، تدرك أمريكا قبل غيرها، ان عبث الضرورة في النقاط الساخنة من الملفات النوعية للعالم ، باتت يستوجب وجود حلف جديد. فالعبث الحالي بالحدث الايراني – الصيني – الروسي، كاشف لعجز الحلف القديم ومُضر به. خاصة بعد الفشل في سوريا، والصعود المتفاقم لنفوذ معسكر المقاومة. فبات من الضروري التأسيس لمشهد جديد، يفرمل تصدع الهيمنة الامريكية، ويعيد هيكلة قوى العالم، بلا نظام متعدد الاقطاب.
في تزامن مثير للشكوك، جاءت الغائية المعلنة والاكثر سرية للانسحابات ، للعبث مع محور ايران – الصين – روسيا، من كابول عبر طالبان وغيرها. ملفعة بعناقيد من الفوبيات المساندة، تدخل العالم في دوامة حرب مصغرة تخلط الاوراق من جديد، لتأسيس وتظهير منظومة دولية جديدة، تسعى امريكا وحليفها الاوروبي، لتخليقها بعد تسليمها كابول لوكيلها الطالباني الذي تعهد باعادة صياغة نفسه بما يتوافق والاستراتيجات الامريكية.
في ظلال خدعة الانسحابات العسكرية النسبية، من سورية والعراق وافغانستان، وإعادة الانتشار العسكري في الاقليم، تسعى امريكا بخبث، لحشر الروسي في خانة سباق تسلح يُضعف اقتصاده، ولتغلغل في مفاصل الدولة الايرانية لتفجيرها من الداخل، ولتفكيك متدرج لمحور المقاومة واشغال حزب الله ، وفرز كيان سياسي عربي، متجانس طائفيا ومذهبيا، لاستقطاب سنة العرب.
هناك تحولات جيواستراتيجية في المنطقة، تجري على قدم وساق، وهناك خرائط ترسم بالدم كأمر واقع، وتفكيك ممنهج لجغرافيا وديموغرافيا الوطن العربي برمته عبر التلاعب في وحداته الوطنية.
لقاءات الشركاء الجارية على على قدم وساق، هي أفخاخ هذه المنظومة الجديدة، وخطوات علنية في هندسة معسكر الاصدقاء والأعداء الجديد – القديم، لها تداعيات متوقعة على أدوار مكوناتها كأقدام امريكية، سيكلفون بها على المسارح الإقليمية والدولية، ومنها بالقطع، فلسطين المحتلة، سورية، لبنان، العراق، اليمن، وليبيا.
والأهم من هذا كله، هو المعلومات المتسربة، حول التوصل بفضل الدفع الامريكي وهياكل الناتو، لتوافق حول المفهوم الأستراتيجي للعقيدة الامنية لهذا الحلف، والتي باتت ركائزه تؤكد على ضرورة التصدي لمخاطر الفزاعات ، في مجالات حيوية تم عمدا توسعتها، لتشمل اي مكان في العالم وفي اي زمان فيه. وقد تم توحيد مفهوم المخاطر الجديدة شكلا ومضمونا، ليصبح كل ما يشكل خطراً على أمن الولايات المتحدة الأميركية، خطر على بلدان الناتو الجديد. فوفقاً للمفاهيم الجديدة: باتت القضايا واحدة والعدو واحد وقواعد الاشتباك واحدة، وهي تلك التي تعتمدها القوات الأميركية وقوات حلف الناتو والتي تتساوق مع التعريف الصهيوني للمخاطرالتي تهدد مشاريع هيمنتهم على العالم.
الأشارات السياسية في التصريحات الأخيرة للسياسة الأميركية، تشي بوضوح، ان للعقيدة الامنية للناتو الجديد، وجه خطير آخر، هو الدفع باتجاه استبدال المفهوم القديم القائم على الهجوم والردع في حال الاعتداء على احد الدول الاعضاء، بمفهوم مستحدث يرتكز على الضربات الوقائية او الاستباقية، التي تبرر التدخل او التهديد به. لذلك، فهم يعملون باصرار على استبدال مصطلح “اعتداء”، بمصطلح ” خطر ” أو”تهديد”. ويعني هذا، إذا ما قرّرت احدى دول الحلف، القيام بردع المخاطر قبل استفحالها، فانّه يتوجب على الدول الأعضاء الأخرى، القيام بممارسة الردع معها، كونه تهديد وخطر مشترك، سيقع على الجميع.
هذا ما تسعى اليه امريكا، وهذا هو ما يجعل العالم بعد الحدث الافغاني، ليس كما كان قبل