آل إبراهيم عليه السلام – بقلم : أ.د . عثمان قدري مكانسي ..

كتابات ومواد دينية
أ د. عثمان قدري مكانسي
يقول الله تعالى في سورة النساء الآيتين: 54 – 55 {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما، فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيراً
حسد اليهود رسول الله على النبوة ، فقد كانوا يرجون أن تكون النبوة في يهود فجعلها الله تعالى في العرب ، في قريش، وحسدوا أصحابه على الإيمان به ، وقد أورد القرطبي رحمه الله في تفسيره ما رواه أنسٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم” الحسدُ مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”
وقال الحسن البصري رحمه الله: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد؛ نفَس دائم، وحزن لازم، وعَبرة لا تنفد. وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: لا تعادوا نعم الله. قيل له: ومن يعادي نعم الله ؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. يقول الله تعالى في بعض الكتب السابقة: الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غيرُ راض بقسمتي.ويقول الشاعر:
ألا قل لمن ظل لي حاسدا ……أتدري على من أسأت الأدبْ
أسأت على الله في حكمه ……إذا أنت لم ترض لي ما وهبْ
والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض؛ فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل. ولهذا قال المفسرون في قوله تعالى: “ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين “[فصلت: 29]. أرادوا من الجن إبليس ، و من الإنس قابيل؛ وذلك أن إبليس كان أول من سن الكفر، وقابيل كان أول من سن القتل، وإنما كان أصل ذلك كله الحسد. لكنني ارى السامريَّ صاحب العجل والذي أظنُّه الدجّالَ هو المقصود من الإنس.
وقد قالوا قديماً :إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك.
ولعلنا نتذكر الحكمة في قول الشاعر:
اصبر على حسد الحسو……..د فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها ………إن لم تجد ما تأكله
حسدوا اليهود النبي صلى الله عليه وسلم على النبوة وقد نسوا أن الملك كان في إبراهيم عليه السلام،وفي ذريته ، ومنها داود وسليمان عليهما السلام ، أيد داود بالملائة وأيد سليمان بالجنِّ
قال تعالى: “فقد آتينا” ثم أخبر تعالى أنه آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتاهم ملكا عظيما”
ولعل يهود استكثروا على سيدنا رسول الله أنه جمع تحته تسع نساء،فأخبر الله تعالى بما كان لداودط مئة امرأة” وسليمان “ألفٌ من النساء، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (ألف عند رجل ومائة عند رجل أكثر أو تسع نسوة ) ؟ فسكتوا.
يذكر القرطبي في تفسيره أن من كان أتقى فشهوته أشد؛ لأن الذي لا يكون تقيا يتفرج بالنظر والمسِّ، فالعينان تزنيان واليدان تزنيان. فإذا كان في النظر والمسِّ نوع من قضاء الشهوة قلَّ الجماع، والمتقي لا ينظر ولا يمس فتكون الشهوة مجتمعة في نفسه فيكون أكثر جماعا. وقال أبو بكر الوراق: كل شهوة تقسّي القلب إلا الجماع ،فإنه يصفّي القلب؛ ولذا كان الأنبياء يفعلون ذلك.
يقول ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى:(أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله):إنهم حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة, ومنعهم من تصديقهم إياه حسدُهم له, لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل. وقال الطبراني: جعل الله تعالى في أسباط بني إسرائيل,وهم من ذرية إبراهيم النبوة وأنزل عليهم الكتب والحكمة وجعلهم ملوكاً ،فأعرضوا عنهم وكذّبوهم ،وهم من يهود من بني إسرائيل.واختلفوا عليهم, فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل ؟ فهم لرسول الله أشدُّ تكذيباً وأبعدُ عما جاءهم به من الهدى, والحق المبين.
وأرى الشوكاني رحمه الله يقول في قوله تعالى:”أم لهم نصيب من الملك” آليهودُ أولى بالنبوة ممن أرسلته، (أم لهم نصيب من الملك، فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً؟) وهذا نوع من التوبيخ لهم إذ أرادوا بالاستئثار بالخير وحدهم دون الناس ،وذكَّرهم سبحانه أنّ ما آتينا محمداً وأصحابه من فضلنا ليس ببدع حتى يحسدهم اليهود على ذلك، فهم يعلمون بما آتينا آل إبراهيم، وهم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم. وما ملك سليمان بمجهول ( بتصرُّف)
ومن حسد يهود للنبي صلى الله عليه وسلم أنَّ حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وقفا في مكة على قريش فسألاهم: أخبرونا عنكم وعن محمد؟ قالا: ما أنتم وما محمد؟
قالوا: ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء، ونفك العناة ونسقي الحجيج ونصل الأرحام.
قالا: فما محمد؟
قالوا: صنبور: أي فرد ضعيف، قطع أرحامنا، واتبعه سراق الحجيج بنو غفار،
فقالا: لا بل أنتم خير منه وأهدى سبيلاً، فأنزل الله “ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت” ..
فكان الحسدُ هو الذي يحرك هذين اليهوديين في حكمهما الأبتر ، حاربا المسلمين وقاتلاهم حتى انتهى أمرهما قتلاً لفسادهما ،جزاء وفاقاً.