دراسات (:::)
طلال قديح* (:::)
عودتنا الأمم المتحدة على تخصيص يوم عالمي لكثير من المناسبات العالمية التي يعيشها الإنسان في كل مكان،وتشكل جزءاً من معاناته واهتماماته التي لا تعد ولا تحصى في عصر التقدم والتطور الذي كان يفترض أن يكون فيه أكثر أمنا واستقرارا، وأكثر سعادة ورفاهية، فيعيش حياة رغيدة هانئة بعيدا عن المنغصات..لكن مما يؤسف له أن تتضاعف المشكلات، وتزداد الأعباء، ويغدو الاستقرارضربا من الخيال،بل وبعيد المنال.
نعيش في عالم غريب عجيب، يفتقد أبسط مقومات الحياة المستقرة، عالم لا مكان فيه للأسوياء، عشاق السلام والبناء، بل أصبح مرتعا وواحة خصبة للأشقياء الذين يمارسون هوايتهم بلا وازع من ضمير، أو ذرة من حياء.
أداروا ظهورهم لكل القيم الدينية والأخلاقية ، وتنكروا لها، بل وقذفوا بها في مجاهل القفار وأعماق البحار. وتنافسوا فيما لا يأتي بخير مطلقاً، فقد زينت لهم أفكارهم السوداء أن يروا الباطل حقا والشر خيرا، والنور ظلاما. وغلفوا هذه الأفكار بكل المغريات التي تستقطب الأغرار وتدفع بهم إلى مهاوي الردى..جريا وراء سراب خادع ووعود بالمن والسلوى.
لذا رأينا أعدادا غفيرة من الشباب، تخدعهم هذه الوعود، وتنطلي عليهم هذه الأقاويل، فيقعون في الأحابيل ، فيندمون ولكن بعد فوات الأوان، فيشتد البكاء والعويل ويعلو الصراخ ولكن لا مجيب ولا مغيث..فلا أمل بعد أن اتسع الخرق على الراقع، وضاع العمل.
وبناء على ذلك فقد ازدادت وتيرة الهجرة بين الشباب، فامتطوا متن السحاب وشقوا عباب البحار والمحيطات وغصت بالسفن والمراكب المزدحمة بطالبي اللجوء والنجاة. واللافت للنظر أن تشهد أعداد اللاجئين ارتفاعا ملحوظا في كثير من البلدان العربية لا سيما في سوريا والعراق وليبيا واليمن فضلا عن فلسطين ، مما يترتب عليه كثير من المعاناة المتمثلة في مواجهة المخاطر..وما أكثرها.
ومأساة اللاجئين الفلسطينيين هي أم المآسي ، بلا ريب إذ بدأت عام 1948م مع قيام إسرائيل، وما زال الفلسطينيون الذين تضاعفت أعدادهم وازدادت معاناتهم، يتجرعون غصص اللجوء في الشتات، ويكابدون مشاق لا حصر لها تطال كل نواحي الحياة.
أما موجات الهجرة التي يشهدها العالم هذه الأيام،فهي معاناة تتكرر بحثا عن الحياة الأفضل.
لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فيتعرض طالبو اللجوء إلى مشكلات متلاحقة تكاد لا تنتهي..ومن هنا رأينا حوادث الغرق التي تودي بحياة أعداد غفيرة من اللاجئين ليستقروا في أعماق البحار غذاء للأسماك والحيتان.
أما من يصل منهم فتتضاعف معاناته في البلد الذي ينتهي به المطاف، فقد يجبر على العودة من حيث أتى ،فتتكرر المعاناة ويزداد الشقاء.
وأمام ذلك كله يعلو صوت الأونروا التى تعنى بشؤون اللاجئين ، مناشدة العالم كله مد يد العون والمساعدة وتوفير العيش الكريم لهؤلاء اللاجئين البؤساء وفقا لما تحث عليه الأديان وتقره حقوق الإنسان.
وبمناسبة “يوم اللاجئ العالمي” ، لا بد من إيجاد حلول جذرية لمأساة اللاجئين-الذين تضاعف عددهم حتى وصل إلى ستين مليونا- تليق بالإنسان ليعيش حرا كريما بعيدا عن الذل والهوان..كما يجب وضع قوانين وآليات للتعاطي مع مشكلة اللجوء، تلزم المجتمع الدولي الوفاء والعمل بها، لا تخضع للهوى أو تتأثر بالتجاذبات من هنا وهناك. وهذا شأن يجب أن تضطلع به هيئة الأمم المتحدة بوصفه أحد أهم مهامها ، ودورها المتجدد في كل زمان ومكان.
*كاتب ومفكر عربي
*20/6/2015م