هل خسر العرب معركة تنازع البقاء وبقاء الأصلح؟

دراسات (:::)
بقلم : علاء الدين الأعرجي – نيويورك (:::)
ملاحظة أولية: كَتبتُ هذه المقالة في عام 2009، ووقتها كنت أتوقع للعرب مستقبلاً سيئاً، ولكنني لم أتوقع أن نصل إلى هذا الحدّ من السوء الذي يحدث اليوم، ما يؤيد رأيي المستند إلى نظرية توينبي أن العرب في طريقهم إلى الانقراض. ولئن حدثت ثورة 2011، معلقين عليها بعض الآمال الحذرة، بيد أنها فشلت بدليل ما يحدث اليوم من فوضى وحروب بينية وخارجية وحروب بالوكالة لا تبدو أن لها نهاية.
والآن وأنا أُعيد النظر في هذه المقالة  أستمع إلى أخبار الانتفاضة الجديدة في فلسطين، فينتعش في خاطري بصيص من الأمل، أرجو ألا يتلاشى بعد حين!!!!
*           *          *
بمناسبة صدور الطبعة الثالثة(وليست الرابعة التي صدرت قبل أشهر في بغداد) من كتابي”أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي”  في القاهرة في عام 2009، وفي إحدى مقابلاتي مع بعض المحطات الفضائية في مصر ، سألني مدير البرناج  عن رأيي في الرئيس الجديد باراك أوباما، بصفتي قادماً من أمريكا. أدركت مغزى السؤال؛ (الذي يتوقع من بارك حسين أوباما مساعدة العرب)، أجبت بأننا نحن العرب نتشبث بالقشة غالبا، فهذه الإدارة الأمريكية ربما ستكون أفضل من سابقتها في معالجة بعض القضايا الساخنة، ولكنها ستظل تحابي إسرائيل ولا تتخلى عن دعمها لها، لاسيما وإنها مضطرة إلى ذلك بسبب الرأي العام الأمريكي وأكثرية أعضاء الكونغرس. وأزيد على ذلك أن العرب سيظلون يلهثون وراء حقوقهم السرابية بلا جدوى ما داموا  ضعفاء جهلاء وأغبياء. فما داموا يطلبون العون من “الآخر” في الخارج، ويتوقعون ظهور “المستبد العادل” من الداخل فاقرأ عليهم السلام .
نظرية صراع البقاء وبقاء الأصلح
النظرية التي طرحها  الفيلسوف والعالم  البريطاني هربرت  سبنسر  H.Spencer     (  1820- 1903 ) في “تنازع البقاء وبقاء الأصلح”، سبقت نظرية دارون الذي طبقها على عالم الأحياء النباتية والحيوانية حصراً، يهمنا منها الجانب السوسيولوجي. هذه النظرية يمكن تطبيقها كحقيقة ماثلة وصارخة على المجتمع العالمي عامة والعالم العربي والإسلامي خاصة، قديماً وحديثاً (مع أننا نرفض  ونشجب بشدة بعض نتائجها غير الإنسانية التي تبرر معاناة الفقراء والأشقياء، بل وفناء الضعفاء)،  ولكننا يجب أن نعترف، من جهة أخرى، ببعض نتائجها التي تنطبق علينا كعرب، مما قد يحثّـنا على النهوض  والمقاومة وشحذ الهمم وحشد جميع الطاقات والجهود، وإلا فإن النتائج ستكون وخيمة، وربما ستؤدي إلى انقراضنا كأمة لها كيانها : لغتها وثقافتها وتراثها وتاريخها وتطلعاتها ووحدتها المعنوية، كما انقرضت 14 أمة/ حضارة سابقة، كما يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في كتابه دراسة للتاريخ Study of History .   وهو ينصح  في كتابه “العالم والغرب “،  شعوب العالم الثالث أن يحاربوا الغرب بنفس أسلحته، ويقصد بها العلم والتكنولوجيا والتقدم الأقتصادي، وبالتالي القوة المادية والمعنوية. ومع أن توينبي من أعدل أنصار القضية العربية في الغرب،  وكان قد تنبأ في منتصف الستينيات من القرن الماضي، تحقيق الوحدة العربية في منتصف السبعينيات منه، غير أنه يعتبر الحضارة الإسلامية، بما فيها العربية، التي تشكل نواتها،  في طريقها إلى الاندثار، في كتابه “دراسة للتاريخ”،  Study of Historyالذي شرع  فيه عام 1920 وأصدر مجلده  الثاني عشر في 1962.

قانون الغاب: القوة هي الحَكْم
الصراع الذي يخوضه العرب مع أمريكا وإسرائيل، منذ عشرات السنين، يمكن تأصيله  وتجذيره باعتباره، صراعا حضاريا قائما على تنازع البقاء وبقاء الأصلح والأعلم، وبالتالي الأقوى. فهذا العالم لا يفهم إلا القوة، ولاسيما القوة القائمة، في العصر الحديث، على العلم والمعرفة والتطور،  وما ينجم عن ذلك من قوة مادية ومعنوية، بما فيها من قوة عسكرية واقتصادية، فضلا عن إتقان قواعد اللعبة السياسية والدبلوماسية. ويعتمد هذا الإتقان بدوره، على مدى الوعي الحضاري، والتمرس في الكرّ والفرّ على الصعيد السياسي والدبلوماسي. ولنا من  النجاحات التي حققتها  إسرائيل خلال القرن الماضي وخططها الجهنمية للاستيلاء على الأرض العربية، مثالٌ واضح على معرفتها من أين تؤكل الكتف.
ومن يقرأ كتاب  بنيامين نتنياهو، ” مكان تحت الشمس”  المترجم إلى عدة لغات، ممن لا يعرف شيئا  عن تاريخ القضية الفلسطينية، قد يقتنع أن العرب هم  الذين اغتصبوا أرض إسرائيل التاريخية، وليس العكس، كما هو واقع  اليوم . أي هي الأرض التي تشمل بنظره، على الأقل، الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن( بما فيها دولة الأردن اليوم ). ثم يستنتج أن  وجود الفلسطينيين والأردنيين العرب ، في أرض اليهود التاريخية، غير شرعي أصلاً.

عبثية التفاوض بين الذئب والحمل
الرأي السياسي المعتبر، لن يأتي من فراغ، بل يجب أن يكون مدعوماً بقوة الدولة الحضارية: العلمية والاقتصادية وبالتالي العسكرية، فضلا عن ثقلها السياسي على الصعيد العالمي، الذي يعتمد بدوره على العوامل السابقة، وإلا سيعتبر كلاماً فارغاً. لذلك نلاحظ أن مفاوضاتنا مع إسرائيل كانت ولا تزال عبثية، وستظل كتفاوض الحمل مع الذئب.  يقول توينبي:” البلد المزدهر يستطيع أن يجعل صوته مسموعاً”.
في هذا الخضم المتلاطم من الفتوحات العلمية والتكنولوجية، الحديثة، يجد الإنسان العربي عامة ، نفسه غريبا دائما،” يقول المتنبي:
ولكنّ الفتى العربيّ فيها —- غريب الوجه واليد واللسان”
لاسيما  وأنه فاقد الصلة  العميقة بهذه الوسائل. لأنه لم يأخذ من الحضارة الحديثة إلا القشور والفتات، أو المظاهر؛ من أمثال  اللباس (أزياء الرجال والنساء) وأعياد الحب ومسابقات الجمال وأعياد الميلاد وغير ذلك من المظاهر الثقافية السطحية المنتشرة عندنا. ولكنه أهمل أهم جوانب الحضارة الفكرية والعلمية والتكنولوجية، علما ان الحضارة الغربية تحولت إلى حضارة عالمية منذ انتقالها إلى شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأوستراليا.                                                                 كما أنه أصبح مستهلكاً لنوائج المعرفة فقط، دون أن يكون منتجاً لها أو مشاركاً في إنتاجها على الأقل.
لذلك شرحنا في كتاب”أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنفعل” الأسباب الجذرية لتخلف العرب الحضاري؛ لاسيما علميا وتكنولوجيا وفكريا ، مما أدى إلى وقوعهم  في أزمات حادة وتعرضهم لكوارث كاسحة من المتوقع أن تتضاعف بمرور الزمن وهو ما يحصل فعلا ً اليوم .(انظر كتابي في طبعته الخامسة الصادرة هذا العام2015
http://www.e-kutub.com/index.php/2012-11-20-00-14-54/1407-2014-11-17-14-54-04
فبعد أن طرحنا في هذا الكتاب نظريتين تفسران وتؤصلان أسباب هذا التخلف:”نظرية العقل المجتمعي” و”نظرية بداوة العرب”، طرحنا نظرية” العقل الفاعل والعقل المنفعل” التي تحاول أن ترسم خريطة الطريق للوصول إلى ردم هذه الفجوة الحضارية القائمة بيننا وبين العالم المتحضر.