ناجي العلي..حنظلة أيقونة العودة لفلسطين .

 

فن وثقافة (:::)
طلال قديح – كاتب فلسطيني مقيم في السعودية (::)
ذكريات تترى ، تمر واحدة بعد الأخرى، لكنها تتفاوت في تأثيرها وقيمتها، وتختلف سلبا وإيجابا وقوة وعطاء.
وبالأمس هلت علينا ذكرى فرضت نفسها بما تمثله من مسيرة نضالية حافلة لرسام كاريكاتير يكاد يكون هو الأشهربين مجموعة من مجايليه في العالم العربي.
ومن منا ينسى الفنان ناجي العلي صاحب حنظلة، الذي استطاع بريشته أن يوظف فن الكاريكاتير لخدمة قضيته فلسطين بل كل القضايا العربية التي كانت تؤرقه في حياته، وتقض مضجعه وتحرمه الهناء وراحة البال؟
وكيف له أن يهدأ روعه وتطمئن نفسه وهو يرى وطنه مرتعا لغرباء، بينما أهله تشردوا في العالم كله، بينما لا يفارقهم الحنين لوطن الأجداد والآباء؟.
لله درك يا ناجي العلي وأنت تتحفنا على صفحات الصحف برسم كاريكاتيري يختصر ملحمة نضالية عظيمة يجسدها الشعب الفلسطيني، مما أثار حفيظة الأعداء وملأ قلوبهم حقدا وبغضا لهذا المناضل بريشته لا بالبندقية والمدفع.. وجدوا في رسوماته خطراً كبيراً يتهدد كيانهم ووجودهم وبلغ بهم الأمر ذروته فقرروا القضاء عليه والتخلص منه..فواجهوا الريشة بالقنبلة، وحرية الرأي بالقتل والتفجير. وهذا أسلوب دنيء لا يتوافق مع الإنسانية ، ورسالة السلام التي نصت عليها الرسالات السماوية وكفلتها القوانين الدولية ونصت عليها حقوق الإنسان.
ناجي العلي، في الذكرى الثامنة والعشرين لرحيله، سوف يظل اسمه علماً يرفرف في سماء الحرية والنضال المشروع من أجل العزة والاستقلال، ومعلماً بارزاً من معالم النضال بالريشة والكلمة.
ناجي العلي اقترن اسمه باسم “حنظلة” بطل كاريكاتيره الذي عودنا ،كل صباح، على رؤيته واقفا ويداه خلف ظهره، ليتحفنا بمقولة مؤثرة أبلغ من صفحات كثيرة، وأشد وأنكى من البندقية والمدفع. وكأنني بحنظلة واقفا ويداه خلف ظهره يقول متحديا العدو: هأنذا أقف شامخاً، سلاحي الحق والإيمان أواجه بكلامي كل أسلحة الدمار، وسننتصر ونعود منتصبي القامة إلى الديار من بحر غزة وحتى الأغوار.
إنه ينتمي لجيل العمالقة المعاصر له آنذاك ، وافتقدناه اليوم، فازددنا حنينا لأيام العزة والشموخ والسؤدد، ورجالاته العظماء الذين أعطوا بسخاء فكانوا لأوطانهم نعم الأبناء.. سقياً لذاك الزمن الجميل وأبنائه النجباء.  وبعد رحيل ناجي رحل محمود درويش وسميح القاسم وهما علمان بارزان في ملحمة النضال الفلسطيني المستمرة والمتجددة.
وهكذا أثبت ناجي العلي أن الفن يمكن تجنيده لخدمة الحياة شأن كل  العلوم ، بل لعله الأقوى متى توافرت له الظروف المناسبة والنية الصادقة والاستمرار بعزيمة وإصرار.
رحم الله ناجي العلي رحمة واسعة وجزاه الله خير الجزاء وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.