مصر: رسالة من تحت الماء وشروق مرتقب

 

التصنيف : اراء حرة (:::)

بقلم د. وجيه الجوهري- الولايات المتحدة: (:::)

منذ زيارتي الأخيرة الى مصر في  يونيو/ حزيران وأنا في حالة عصيان ذاتي وصيام عن الكتابة لما آلت إليه البلاد والعباد في دولة مصر المحروسة. مظاهرات 30 يونيو/حزيران وما تبعها من هزات أمنية وضعت الجميع تحت وطأة لبنان آخر، فلبنان كانت لفترة قريبة مثال الفوضى والتسيب الى أن إنتزع العراق الصدارة وتأهل بقدرة قادر الى مونديال كرة القدم الحربية في عاصمة دولة الشباب مقديشيو..

تعايشت فترة ما قبل وبعد30 يونيو/حزيران في ربوع الإرهاب المحلي والدولي الذي لم يمكنني من إتمام رحلتي الى قطر والامارات التي كنت أتمنى أن أنقل نشاطي من بلاد العم سام الى بلاد العم تمام وآل نهيان والقاسمي.. وكذلك ربوع دلهي ولاهور المجيدة الكائنة على شواطئ الخليج العربي أو الفارسي كما يحلو للبعض تسميته وخاصة بعد النجاح الباهر في مسابقة جوجل. للأسف الشديد لم أتمكن من إيجاد أية وسيلة مواصلات الى مطار القاهرة الدولي بعد أن تلوت البلاد فوق صفيح ساخن! المشكلة أن السمكة التي كانت تتلوى على صفيح مصر الساخن لم تكن الا سمكة على قيد الحياة ممن تصلح لعمل السوشي! حالة الضجر والغضب  التي آلت اليه حالة البلاد أصابتني بنفس الحالة لدرجة أنني تخيلت مصر لبنان، والقاهرة والاسكندرية وطنطا ما هي الا بيروت وصيدا وبعلبك ولكن في زمن الحرب الأهلية.. عندما تفتقد الأمان فقل للدولة يا سلاااام!  مما لاشك فيه أن دولة الأخوان توفيت في 3 يوليو/تموز ولم يستطع أهل الميت تقبل العزاء في عمر مكرم  كما اعتاد علية القوم وخاصة إنه أحد معالم دولة “تمرد” التي قتلت حلم الإخوان والإسلام السياسي وأنعشت الشرطة التي كانت في حالة غيبوبة.

مشكلة الإخوان أنهم وصلوا الى سدة الحكم على انقاض المهمشين والحرافيش ثم أخرجوا ألسنتهم للجميع. حالة البلاد ما قبل 3 يوليو/تموز جعلت الشعب يقبل أي حل ولو كان هذا الحل هو إسرائيل وليس السيسي.. السيسي هو عبدالناصر العائد من تحت الأنقاض..أنقاض الوحدة العربية، وأمة عربية واحدة، والحلم العربي. اذا كان عبد الناصر قالها زمان” خلي بالك من الإخوان” فإن السيسي أنقذ الدولة من حالة الغليان والقهر كما يدعي انصاره.. وعلى الجانب الآخر نجد محمد مرسي، أول رئيس منتخب وثالث رئيس معزول بعد محمد نجيب وحسني مبارك. مرسي يعيش في غابة وعنجهية صدام حسين الذي فصل نفسه عن الواقع… مرسي مازال يعتقد أنه الرئيس الشرعي كما أعتقد صدام حسين خلال محاكمته، وكذلك  تعتقد إسرائيل بأنها شعب الله المختار. حتى الآن لم تعترف إسرائيل بأنها شعب الله المحتار، وأن مرسي هو الرئيس الشرجي بعد أن أخرج الإخوان في مجارير التاريخ المصري.

تجربة الإخوان في مصر قضت على كل ما هو إسلامي المنهج، وانتشرت ردة غير مبررة بين عوام الناس وأصبحنا نسمع ونشاهد الإسفاف رؤي العين..  حمل الإخوان ما يسمى  بالإسلام السياسي الى مزبلة التاريخ واحدثوا فشلا مبكرا وسريعا لحركات الإسلام السياسي وعاش الناس في هم وغم صباح مساء.. مما لاشك فيه أن الدولة المباركية أفسدت حكم الخلافة لانتشار الفساد وكان من الصعب على أي رئيس أو مكتب إرشاد أن يفعل المستحيل لإنقاذ سفينة الوطن بدون عمل جماعي لايفرق بين الأقباط مسلمين ومسيحين.. عبد الحليم حافظ قالها سابقا في أغنيته” رسالة من تحت الماء” للمبدع نزار قباني بأنه يغرق ولو كان يعرف خاتمته ما كان بدأ.. هذا مقطع من قصيدة نزار متحدثا عن مرسي والإخوان وخاتمة الخروج المذل.. أضيفت كلمة ” السياسة” بدلا من ” الحب” للضرورة الإخوانية مع الإعتذار للمبدع قباني وورثته:

لو اني اعرف خاتمتي \ ما كنت بدات ..\ الموج الازرق في عينيك .. يناديني نحو الاعمق \ و انا ما عندي تجربة \ في  السياسة .. ولا عندي خبرة ..\ اني اتنفس تحت الماء\ انى اغرق .. اغرق\ ياكل الحاضر والماضى \ ياعمر العمر\ هل تسمع صوتى القادم \ من اعماق البحر\ ان قويا .. اخرجنى \ من هذا اليم \ فانا لااعرف فن العوم\ لو انى اعرف ان السياسة خطيرة جدا .. \ ماابحرت\ لو انى اعرف ان البحر عميق جدا .. \ ماابحرت \ لو انى اعرف خاتمتى ..\ ماكنت بدأت\

اذاكان عبد الحليم حافظ غنى رسالته من تحت الماء في 1972، فمازال الرئيس المعزول محمد مرسي يغنيها من تحت ماء القاعدة البحرية في الاسكندرية وحتى فى محبسة..مشكلة مصر أن كل فصيل يصل الى كرسي الحكم يعتقد أن مصر تكية، فالكل يعمل للمصلحة الخاصة بغض النظر عن العمل من أجل مصر. المصريون والعرب جميعا يشتاقون لرؤية مصر بعد أن غيبت السحابة السوداء ملامحها.. مصر ستشرق من جديد رغم كيد الكائدين.

welgohary@capellauniversity.edu